تتحول مهمة إجرائية وروتينية إلى عبء ثقيل في غرف الأخبار، فعلى مديري التحرير أن يقفوا لوهلة أمام ترتيب الأخبار المتلاحقة والمتسارعة، وبعضها يشكل نقطة تحول في صراع قائم، وبعضها الآخر، بدايةً لصراعات متوقعة، وشيء منها لا يمكن إهماله، وكل الجغرافيا التي تشكل اضطرابا لدى المحررين تتمركز على امتداد الشرق الأوسط والارتدادات الهائلة التي لا يمكن أن ينفصل كثير منها عن ذلك الصباح المفاجئ والتراجيدي في السابع من أكتوبر 2023.
بينما تدخل قوات الجيش السوداني إلى القصر الرئاسي في الخرطوم وتهرب قوات الدعم السريع إلى الشوارع والأزقة، تتداول هياكل القيادة في طهران رسالة حملت جرعة من التهديد والترغيب، وجهها الرئيس الأمريكي إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية متجاهلا الرئيس، وجميع متخذي القرار المفترضين، وتشهد إسطنبول ومدن تركية أخرى مظاهرات واسعة، احتجاجا على اعتقال والي المدينة الكبرى في تركيا، ترافقت مع هزة اقتصادية عميقة، وتتواصل في سوريا محاولات احتواء الدروز جنوبا، وفي اليمن تتصاعد المخاوف من توسع العمليات العسكرية ضد الحوثيين، وتظهر من الخلفية دولة مثل أرض الصومال لتتحدث على انفتاحها على استقبال أهل قطاع غزة مع استئناف الجيش (الإسرائيلي) عملياته العسكرية في قطاع غزة.
في الساعات الأخيرة ومع ظهور الخيوط الأولى للشمس، يمكن أن يستيقظ العالم على أخبار غير متوقعة، أو على خطوة بقيت وشيكة لفترة طويلة لتتحول إلى واقع يفرض نفسه على الجميع
الانكفاء الروسي والتراجع إلى تفاصيل اتفاق مرتقب في أوكرانيا، والأزمات المتواصلة في أوروبا، والاضطراب في موازين التأثير السياسي لقوى يمينية متأهبة، والسلبية الصينية التقليدية، جمعيها عوامل جعلت المنطقة تعيش على انفعالات الرئيس الأمريكي، الذي لم يكن كافيا أن يوضح أن الزر الأحمر على مكتبه لطلب الكوكا كولا دايت، وليس إطلاق السلاح النووي، كما تقول الأساطير الشائعة، فالجميع يشعر بوجود صفقات غافية في أدراج الرئيس الأمريكي، ويحاول أن يعرض دورا، أو حصةً ما تجعله على رادار الرئيس وأولوياته، أو يجنبها أن تكون في الجانب الخاسر من هذه الصفقات، التي يمتلك الرئيس وقتا كافيا لتمريرها مع بدايته المبكرة واشتباكه مع أكثر من ملف بطريقة انقلابية على النمط الأمريكي التقليدي المكرس، والحدود المعروفة للعبة القائمة في أكثر من إقليم حول العالم، وفي مركزها الشرق الأوسط.
على الرغم من الموقف العربي الذي ظهر متماسكا في قضية تهجير أهل قطاع غزة، والقمة التي انعقدت بالقاهرة للالتفاف حول الخطة المصرية، إلا أن ذلك ليس صحيحا لدى الرؤية المقربة، التي بدأت مع تعبير الجزائر وتونس عن تفرد مجموعة من الدول العربية بالإعداد لموقف يفرض على الدول الأخرى، ولكن الخطة التي أعلنت مع نهاية القمة، لم تحرك أي استجابة إيجابية مع الأمريكيين، لأنها لم تتمكن من الإجابة بصورة مباشرة وصريحة عن أسئلة مهمة حول مستقبل قطاع غزة، وبدأت الاحتمالات تتأرجح حول مزاج شخصي للرئيس ترامب، ليتحدث عن زهده عن التدخل، ومن ثم يبدأ الحديث عن خطوات ربما تتحول إلى خطوات عملية مع ظهور أرض الصومال، بين احتمالات كثيرة طرحت كمحطات لتهجير الفلسطينيين. لم يعد الليل مريحا في هذه المنطقة من العالم، ففي الساعات الأخيرة ومع ظهور الخيوط الأولى للشمس، يمكن أن يستيقظ العالم على أخبار غير متوقعة، أو على خطوة بقيت وشيكة لفترة طويلة لتتحول إلى واقع يفرض نفسه على الجميع، وكم من الخطوط الحمر والأمور التي طالما تجنبتها الأطراف المنغمسة في الصراع، تساقطت خلال الأشهر الأخيرة، فيأتي اغتيال إسماعيل هنية داخل طهران، ويلحقه حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، وتدخل هيئة تحرير الشام دمشق، بعد أن كان الرئيس بشار الأسد يحقق تقدما في استعادة موقعه على المستوى العربي، ويحضر في القمة العربية، وبينما تتأهب تركيا للاستحواذ على فضاء إقليمي واسع ضمن مشروع جديد لأنقرة، تنسحب إلى تفاصيل داخلية شائكة، يمكن أن تؤسس لواقع جديد يؤدي إلى إحداث فراغ في فضاء استراتيجي، تأهبت تركيا لإشغاله بعد سنوات من الاستثمارات الكبرى في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية، هل يمتلك الأمريكيون رؤية واضحة لتقسيم المنطقة بين حلفائها الموثوقين، أم أنها تتخذ موقع المتفرج وتوحي بذلك، لتدفع باللاعبين الرئيسيين لتخطي مجموعة من القواعد السابقة، تجاه تأسيس واقع جديد يكون أساسا لتعامل أمريكي لاحق، مع ما ستنتجه حالة من الصراع، لا تبدو الإجابة على السؤال ممكنة مع رئيس لا يمكن الحسم حول سلوكه السياسي، وما إذا كان يعبر عن انسياقه وراء التفكير بصوت مرتفع والتلاعب بالعصا والجزرة، بصورة تستخف بتفاعلات هامشية داخل خطة أوسع تجاه دور أمريكي جديد في العالم، أم أنه يقصد التشويش كوسيلة للاستنزاف واستدراج العروض الأفضل للتعامل مع خيارات غير محسومة تجول في رأسه.
عاشت أوروبا حالة مشابهة من الفوضى والاضطراب قبل الحرب العالمية الأولى، وأتى اغتيال ولي عهد النمسا على يد أحد الوطنيين الصرب المتحمسين ليشعل الحرب في مختلف أرجاء القارة، وربما لم يعد السؤال في هذه المنطقة يدور حول ضرورة الحرب المقبلة، التي يمكن أن تشكل حلاً لحالة الاشتباك والتعقد القائمة، بقدر ما يمكن أن يتوجه للتساؤل عن التفاصيل مثل متى وكيف، وأي الوجه سيظهر وأيها سيختفي، وثم أي خرائط ستبقى بعد ذلك كله؟
كاتب أردني
عن التفاصيل و اي خرائط ستبقى فان الوضع الحالي ينم عن مستقبل اسوأ و لكن لعل الاسوأ لا يترك خيارا للشراذم الا ان تلتحم و تنهض
يبدأ الزمن عندما تتحرر فلسطين والأقصى المبارك يا مبارك ✌️🇵🇸😎☝️🔥🚀