إلى ما قبل السادس من آذار/مارس الماضي، كانت أهزوجتنا اليومية الأثيرة عبارة تقول إن الأكثر صعوبة بات وراءنا، وإن المجزرة الموعودة، التي ظل النظام الأسدي البائد يخوّف بها العلويين، ويهدد بها كل الأقليات، بل الكون برمته، قد توارت الآن.
كنا نسخر من تصديق الناس لأكذوبة النظام هذه، تماماً مثلما سخرنا، وغضبنا طوال أكثر من عقد ممن صدّقَ وروّجَ لهتاف مزعوم على أنه رُدّد في تظاهرات السوريين: «مسيحية ع بيروت، وعلوية عالتابوت» (ما زلنا نصرّ على أنه هتاف مزعوم)، فلم يكن هناك أوضح من رغبة السوريين العارمة في حمل الثوار، أو المتضامنين مع الثورة، المتحدّرين من منبت أقلوي على الأكتاف، وقد حدث بالفعل عندما رُفع عارف دليلة ومنتهى الأطرش وآخرون، وعلى أكفّ الراحة. ولم يكن بالإمكان تكذيب عيوننا ومعايشاتنا وتصديق أكاذيبهم.
لذلك كان التلكؤ في تصديق المجزرة مفهوماً، فلا أحد يريدها، خصوصاً الإدارة السورية الجديدة، التي ضربت المثل ببراغماتيتها في سبيل الحصول على اعتراف دولي، يفضي إلى الإفراج عن أموال ومساعدات تُوسِّع عيش السوريين. وما دام هنالك وعد بالعدالة الانتقالية فلماذا سينغص السوريون المؤمنون بدولتهم الجديدة على أنفسهم احتفالهم بارتكاب مجزرة!
مع هذا الفيديو، لا ينفع أن تستحضر أسباب الدنيا كلها لتبرير القتل… فما جاء فيه كافٍ لقراءة الكارثة، في أي مستنقع بتنا، بعد أملٍ واحتفال وأعراس نصر مديدة!
كان التلكؤ مفهوماً أيضاً في ظل طوفان الأكاذيب والأخبار المزيفة. إلى أن جاءت الأخبار من أسماء نعرفها ونثق بمصداقيتها، التي راحت تتحدث عن قرى وأهل وأسماء، ومن بينها المعارضة والمعتقلة السابقة هنادي زحلوط، التي نعت إخوة ثلاثة لها أعدموا ميدانياً، كما جاء في منشور لها على فيسبوك. فهذا صوت موثوق، يحكي قصة شخصية غير منقولة.
وكما يحدث دائمًا في المآسي، ستأتي اللحظة التي يصبح فيها الإنكار مستحيلًا. هكذا تتالت الأخبار عن قتل طائفي استهدف عائلات في حيّ القصور في مدينة بانياس، وفي سلسلة بلدات وقرى واقعة شمالاً على طول الساحل، بما في ذلك المختارية، والشير، والشلفاطية، وبرابشبو، حيث تتركز الطائفة العلوية، حسب تحقيق لـ «رويترز» نُشر منذ يومين.
ومع الأخبار وصلت فيديوهات عديدة، من بينها واحد كان الأفظع، لأم سورية أمام ثلاث جثث (لابنين وحفيد لها) ملقاة أمام البيت، فيما يجادلها قاتِلوهم بحوارٍ مخزٍ: «هذول ولادك.. نحن عطيناكم الأمان، بس أنتم غدارين»، و»استلمي ولادك». حوار مهين، لا لأنه طائفي وحسب، بل لأنه لم يراع أقدس المشاعر وأكثرها نبلاً. هل هناك أكثر توحشاً من أن يُقتَل أبناءٌ أمام والدتهم، ويُتركون جثثاً مكشوفة في الطريق، ثم يُشرِع القَتَلة بـ «مكايدة» الأم! قد يسعفنا هنا شطرٌ من قصيدة لمحمود درويش، فيما يتحدث عن محمد الدرة، الولد الفلسطيني الذي قُتل على يد جنود إسرائيليين على مرأى العالم كله في مشهد للتاريخ، عندما وَصَفَ فهداً رآه على شاشة التلفزيون يحاصر ظبياً رضيعاً، قالَ: «حين دنا منه شم الحليبَ، فلم يفترسه، كأن الحليب يروّض وحش الفلاة». أما هؤلاء المسلحون الطائفيون، قَتَلَة أبنائها، فلم يردعهم حليبٌ، ولا حَوَمَان أمٍّ في الثمانين حول جثامين أبنائها، فلقد جاءت التفاصيل الأخرى، ما وراء الفيديو، أفظع، حيث حُرمت من دفنهم لأيام، فيما أصرّوا على الإقامة لبعض الوقت في بيت يقع قبالة بيتها.
مع هذا الفيديو، لا ينفع أن تستحضر أسباب الدنيا كلها لتبرير القتل، والأسئلة كلّها مألوفة ومكررة لتسويغ القتل في الحرب: اُنظر من الذي بدأ، اُنظر من قَتَلَ أكثر.. اُنظر إلى 13 عاماً من القتل والمجازر والتهجير والتدمير والبراميل العشوائية المتفجرة، وكل هذا صحيح، لكن هذا الفيديو بالذات يستحق انتزاعه من أي سياق، فما جاء فيه كافٍ لقراءة الكارثة التي تحلّ بنا، في أي مستنقع بتنا، بعد أملٍ واحتفال وأعراس نصر مديدة!
أخلاق الحرب
لماذا قُتل شبان مدنيون على الفور حتى قبل أن يجيبوا عن سؤال إن كانوا علويين أم لا؟ وحتى قبل أن يُسألوا إن كانوا مع النظام أم ضده، إن كانوا عسكريين أو مدنيين.. فالقتلة يعرفون أنهم في قرية علوية تستحق الإبادة، وهم «غدارون» بالجملة، يستحقون القتل حتى من دون محاكمة، و»الدعس»، والتنكيل، وانتزاع حقهم بدفن كريم. ليس هؤلاء هم أنفسهم الثوار الحالمين بدولة عدالة ومساواة، فمن يريد العدل حقاً يعرف أن «العين بالعين»، خارج نطاق القضاء، ستجعل العالم كلّه أعمى.
صحيح أن فلول نظام الأسد وشبيحته اتخذوا من الساحل أوكاراً لجريمتهم، وصحيح أن مشروعهم سيتقاطع مع رغبات دولية للانقلاب على الإدارة السورية الجديدة (روسيا للتفاوض على قاعدتين عسكريتين في الساحل، إيران التي لا تريد أن تصدق أنها خسرت سوريا ولبنان وغداً اليمن، وربما أطراف أخرى متضررة)، لكن هذا لا يسوّغ التعامل مع 9-11 بالمئة من السوريين (النسبة المفترضة للعلويين من السوريين) على أنهم غدّارون يستحقون القتل بجريرة جرائم الفلول، ولنفترض أنهم عسكر في غالبتيهم فلا يمكننا إنكار وجود مدنيين، ونساء وأطفال، وكبار سن.. (وبالطبع لم يصل الأمر إلى حدّ إبادة طائفة برمتها، ولكن الدخول إلى حيّ ومحاولة قتل كل من فيه هو صورة مصغرة عن رغبة أشمل، قد يسهم في تسهيلها ثقافة تكفيرية عند بعض الفصائل).
إذا أردنا ألّا نثقل على الفصائل المسلحة بالحديث عن شرعة حقوق الإنسان، وحقوق الأسرى، وقوانين الحرب، فيمكننا التذكير على الأقل بوصايا الخليفة أبي بكر الصديق لجيشه
وإذا أردنا ألّا نثقل على الفصائل المسلحة، التي هبّت يوم إعلان «النفير» في عموم البلاد، يوم انقلاب الفلول، بالحديث عن شرعة حقوق الإنسان، وحقوق الأسرى، وقوانين الحرب، فيمكننا التذكير على الأقل بوصايا الخليفة أبي بكر الصديق لجيشه: «لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوامٍ قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له».
أو وصايا عمر بن الخطاب: «إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور».
إنها الرأفة حتى بكلب ونخلة! فما بالك بقتل نساء وأطفال وانتهاك حرمات البيوت وسرقات!
يجري الحديث، كنوع من التبرير لقوات الأمن العام الحكومية، عن انتهاكات فردية وفصائل مسلحة ليست تماماً تحت السيطرة، ولكن هناك فيديوهات عديدة للأمن العام بوجوههم الصريحة يظهرون فيها وهم يعتقلون أفراداً ملاحقين ومشتبها بهم ليست سوى انتهاك للكرامة أيضاً، ولو أننا هنا سنسعد أنهم لم يقتلوهم ويرموهم على قارعة الطريق، لكن لا تنكر تلك الرغبة بمحاكاة النظام البائد بانتهاكات مماثلة، فقد ظهرت فيديوهات طبق الأصل، فمقابل فيديو شهير لجندي نظام الأسد يدخل حي بابا عمرو الحمصي مع عبارة يقول فيها: «بابا عمرو سابقاً»، سنجد مقاتلاً مسلحاً يصور نفسه في فيديو يقول: «كان في قديم الزمان مدينة اسمها جبلة، اِلْتَعَن سلّافها، صارت صحراء، حرقوها حرق».
لقد أصبحنا في مواجهة مناخ عام مسموم يَسمح بارتكابات، وبعد أن تغنّينا لأربعة أشهر بطقس احتفالي مضاد تماماً، بتنا لا نجرؤ اليوم على مجرد الإشارة لأصغر انتهاك، يقرّ رئيس البلاد بحدوثها، ويعد بمحاسبة مرتكبيها، أما رفاق الطريق، الذين طالما نادوا بالحرية والعدل لنا ولشركائنا في البلاد، بل ودفعوا أثماناً من أجل ذلك، فما زالوا يعاندون.
٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»
رائع ،لم أتفاجأ بموقفك هذا ،ولك مواقف ثورية ومعارضة منذ قيام الثورة السورية.
التنديد بالانتهاكات جميعها وعدم الخوف من الشبيحة الجدد شيء عظيم ..تحياتي استاذ راشد
لكل فعل يا أستاذ , ردة فعل !
و لكن :
هناك دولة وقانون وقضاء !!
و لا حول و لا قوة الا بالله
تعليقك يدل انك تبحث عن مبرر لهذه الافعال القذرة..اذا قتل بشار شعبه هل منطقي الثورة تفعل نفس الشيء بحجة رد الفعل ؟ هذه الافعال الجبانة تخدم بشار لانه كان محقا في التعامل مع هؤلاء بتلك الطريقة..فهم ليسوا افضل منه بل أسوأ بكثير
ولماذا لم تكون لهذه الهمج ردة فعل حين قصفت اسرائيل عموم الوطن السوري للتخلص من الاسلحة؟ ولم نسمعهم تهيج وتركب البيكبات وتذهب في مسيرة ساعة واحدة جنوب دمشق حين قضمت اسرائيل جبل الشيخ؟ هم جبناء غوغاء تضبط النفس ولاتستمع لهم همسا اذا كان خصمهم قوي واما اذا كان خصمهم مدنيين بسطاء، فتراهم ثيران هائجة مائجة.
إتق الله ” بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ” ؟ .
إتق الله ” بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ” ؟ . ..
بدون لف او دوران نقولها وبالفم الملأن لقد جنت العصابة الاقلوياتية على نفسها بعد ان تم اعطائهم الامان رغم الجرائم المهولة التي قاموا بها والتي يندى لها جبين الانسانية
يجب الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المحاولة لعود حكم العصابة الاقلوياتية عصابة السجون والفساد والكيمياوي والمكابس وصيدنايا والمقابر الجماعيه والاعدامات الميدانية
حفظ الله سوريا شعباً وأرضاً، وانعم عليها بالامن والآمان، فذلك الشعب الطيب، بلد الحضارات العريقة،وعاصمة الدولة الاسلامية لقرون يستحق السلام، فاللهم عجل بتعافيها وازدهارها.
الاحزاب والفصائل الدينية المسلحة تستطيع تبرير القتل باسم المقدس فلا غرابة بالأمر
هل أدليت بصوتك في الانتخابات الالمانية الاخيرة لصالح للحزب المسيحي الموحد الذي يرسل اطنان الاسلحة لقتل اطفال الفلسطينيين ام اعطيته للحزب العنصري النازي الجديد او ما يسمى حزب المانيا البديل يا بتوع الديموقراطية الذي يكره المسلمين ويريد ان يضعهم في معسكرات الاعتقال مع اليهود
” في الماء، لقد سَقَطَ العقربْ .
وبدا للمـوتِ ، هـو الأقـربْ .
فأتاه الديكُ على عَجَـــلٍ .
ورماهُ بعودٍ ، كي يسحبْ .
لكــــــنَّ الغادرَ بادرهُ .
باللسعِ وأسرعَ كي يهربْ .
الديكُ تجمَّـــدَ مذهـــولاً .
مِنْ هذا الفعلِ ، كما استغربْ .
ومضـى يترنَّــحُ ، .. ثم تلا .
قولاً لحكيـمٍ قد جــرَّبْ :
مَنْ يُسقَ الغدرَ على صِغَرٍ .
فمُحالٌ أن ينسى المَشْرَبْ ” .
” في الماء ، لقد سَقَطَ العقربْ .
وبدا للمـوتِ ، هـو الأقـربْ .
فأتاه الديكُ على عَجَـــلٍ .
ورماهُ بعودٍ ، كي يسحبْ .
لكــــــنَّ الغادرَ بادرهُ .
باللسعِ وأسرعَ كي يهربْ .
الديكُ تجمَّـــدَ مذهـــولاً .
مِنْ هذا الفعلِ ، كما استغربْ .
ومضـى يترنَّــحُ ، .. ثم تلا .
قولاً لحكيـمٍ قد جــرَّبْ :
مَنْ يُسقَ الغدرَ على صِغَرٍ .
فمُحالٌ أن ينسى المَشْرَبْ ” .
دمشق , لن تحكمها عقارب .
لم تفاجئنا ردة فعل اصحاب القلوب الرقيقة الذين كانوا يبررون المجازر الصهيونية على اهل غزة بانها دفاع عن النفس او ردة فعل على ( الجرائم) التي قامت بها حماس وتناسوا الجرائم التراكمية للكيان من بعد التجاوزات التي حصلت في الساحل السوري من قبل اهالي المنطقة ممن تفاجأوا بالجرائم التي قامت بها فلول النظام الاقلوياتي وحاضنته في محاولة الانقلاب الفاشلة والتي كانوا يريدون من خلالها اعادة نظام القتل والتعذيب والسجون والفساد لم نسمع هذه الاصوات عندما كانت البراميل المتفجرة تسقط على رؤوس الاطفال والنساء وبدون تمييز وتقتل وتدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها لم نسمعهم عندما كانت العصابة الاقلوياتية تقصف المدن بالكيميائي وتقتل الالاف وتهجر الملايين كلمة اخيرة نقولها للدجالين والمنافقين اصحاب القلوب الرهيفة واصحاب دموع التماسيح الكاذبة لا تحاولوا ان تستفزونا مرة اخرى لان صبرنا بدا ينفذ وان عليكم القبول بالهزيمة واننا لن نسمح للمجرمين القتلة بأن يحكمونا مرة اخرى بعد ان قدمنا ملايين الشهداء والمعتقلين والمغيبين والمهجرين ومستعدون ان نقدم ملايين الشهداء لكي لا تعود العصابة لن استنكر ما حصل في الساحل بل اعلنها على الملأ بان الذي حصل كان ردة فعل على غدر فلول العصابة وانها ستتكرر وبقوة لو عادوا الكرة
أحد حكام دمشق الطارئين قال مفاخراً بعد السيطرة عليها ” إننا حررنا الشعب السوري و إذا حررت خطيفة أو مختطفاً من خاطفه فلا يمكن أن يسألك بعد ذلك إلى أين ستأخذني ؟ فقد ضمنت سلامته و روحه و أعطيته حريته و كرامته ” .
بدون تعليق .
من ألأحلام أن يعقب سقوط نظام تسلطي شمولي سلام و إزدهار سريع ….
لكن نرجو لسوريا الخير و أن يستوعب الجميع الحكمة مما حصل من أحداث و يضع القانون يده …
منذ اليوم الأول الحكومة السورية واجهتمصاعب كبيرة جداً ، لكن أكبرهاتصفية النفوس بعد ١٤ عام من القتل و الدمار …
الحكومة السورية تحتاج أن تقوم بتشذيب عناصرها المسلحة بصورة عاجلة جداً ، فهناك من يصلح لأيام المواجهة مع السلطة السابقة لكن لا يصلح لأيام بناء سوريا الجديدة
ادا كانوا من الاسلاميين المتشددين أسوأ من هدا سيحدث في الجزائر بلدي في التسعينات قتلوا شاب في حجر أمه و هي كاشفة عن صدرها .
لا غرابة فحكومة العسكر الفرانكوفونية التي لا تختلف عن العصابة الاقلوياتية المجرمة في سورية لم تقبل بالهزيمة في الانتخابات التي نجح فيها الاسلاميين وقامت بالانقلاب عليهم وحصلت المجزره بمساعدة فرنسا والنظام العلوي الذي ارسل مجرميه لدعم عسكر الجزائر والتي ذهب ضحيتها ٢٥٠ الف من الابرياء بالمناسبة هناك ٥٠٠ مرتزق جزائري ومن البوليساريو كانوا يشاركون العصابة الاقلوياتية في سورية في قتال العرب المسلمين السنة