هل‭ ‬كان‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬أحق‭ ‬من‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل؟

‭ ‬
كتبت‭ ‬غادة‭ ‬السمان،‭ ‬الروائية‭ ‬السورية‭ ‬الشهيرة،‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬ظلمه‭ ‬الإعلام‭ ‬فحين‭ ‬‮«‬حصل‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتوقعها‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬لنفسه‭ ‬غضب‭ ‬غضبا‭ ‬شديدا‭. ‬ولم‭ ‬يخف‭ ‬إدريس‭ ‬رأيه‭ ‬بأن‭ ‬محفوظ‭ ‬نال‭ ‬الجائزة‭ ‬بسبب‭ ‬مواقفه‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬وكامب‭ ‬ديفيد‭. ‬وانضم‭ ‬كثيرون‭ ‬إلى‭ ‬رأيه‭. ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتقن‭ ‬فن‭ ‬إخفاء‭ ‬صدقه‭ ‬ومشاعره،‭ ‬ولم‭ ‬يخف‭ ‬مدى‭ (‬غيرته‭) ‬من‭ ‬حصول‭ ‬محفوظ‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مقتنعا‭ ‬بأنه‭ ‬يستحقها‭ ‬وحرم‭ ‬منها‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‮»‬‭. (‬القدس‭ ‬العربي‭ – ‬14‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬2014‭). ‬
كنت‭ ‬أنا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬عرّف‭ ‬غادة‭ ‬السمان‭ ‬بيوسف‭ ‬إدريس‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬فقد‭ ‬قابلتها‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬1966‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الكاتب‭ ‬السوداني‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬للقسم‭ ‬الدرامي‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬العربية‭. ‬صرنا‭ ‬أصدقاء‭ ‬وكنا‭ ‬نلتقي‭ ‬دائما‭ ‬أنا‭ ‬وهي‭ ‬وزجتي‭ ‬نجلاء،‭ ‬نخرج‭ ‬للعشاء‭ ‬وشرب‭ ‬النبيذ‭ ‬–‭ ‬ماتيوس‭ ‬روزيه‭ ‬–‭ ‬الذي‭ ‬أحبته‭ ‬غادة،‭ ‬كما‭ ‬أحبت‭ ‬جمع‭ ‬صور‭ ‬طائر‭ ‬البومة،‭ ‬ورمي‭ ‬النقود‭ ‬النحاسية‭ ‬في‭ ‬الطريق‭.‬

غادة‭ ‬السمان‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬ظلمه

غادة‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬النساء‭ ‬الأديبات‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬المشاعر‭ ‬بحدة،‭ ‬وتبلغ‭ ‬في‭ ‬صراحتها‭ ‬حد‭ ‬الخربشة‭ ‬أحيانا‭. ‬أما‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬فقد‭ ‬عرفته‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬لجنة‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بالقصر‭ ‬العيني‭. ‬كلانا‭ ‬كنا‭ ‬ماركسيين‭. ‬وبينما‭ ‬انتمى‭ ‬هو‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ (‬حدتو‭) ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬المصري‭. ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬اللقاء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬وأصبح‭ ‬طبيبا‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الصحة‭ ‬التابع‭ ‬للحكومية‭. ‬وتكرر‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الثقافية‭. ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬السبعينيات‭ ‬ذهبنا‭ ‬معا‭ ‬إلى‭ ‬كازينو‭ ‬البلاي‭ ‬بوي‭ ‬لنلعب‭ ‬البلاك‭ ‬جاك،‭ ‬وتقابلنا‭ ‬مع‭ ‬غادة‭ ‬السمان‭ ‬في‭ ‬سهرة‭ ‬العشاء‭. ‬
كان‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬حاد‭ ‬الرؤية،‭ ‬عنيف‭ ‬الإحساس،‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينشرها‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬لتصور‭ ‬لقطات‭ ‬واقعية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬الشخصيات‭ ‬وتحبك‭ ‬الصراع‭ ‬بينها‭. ‬لهذا‭ ‬فعندما‭ ‬بدأ‭ ‬يكتب‭ ‬للمسرح‭ ‬–‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬الفرافير‭ ‬–‭ ‬لم‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬نجاحها‭ ‬على‭ ‬الحبكة‭ ‬الدرامية‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬دائرا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والذي‭ ‬جعل‭ ‬نعمان‭ ‬عاشور‭ ‬نجما‭ ‬دراميا‭ ‬بسبب‭ ‬مسرحيته‭ ‬عن‭ ‬شقاء‭ ‬‮«‬الناس‭ ‬اللي‭ ‬تحت‮»‬‭. ‬
أحببت‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬وصرنا‭ ‬أصدقاء،‭ ‬ونصحته‭ ‬بالتركيز‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬وعدم‭ ‬الاستعجال‭ ‬فالقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬–‭ ‬التي‭ ‬برع‭ ‬فيها‭ ‬واعتبره‭ ‬النقاد‭ ‬مثلا‭ ‬للروسي‭ ‬تشيخوف‭ ‬–‭ ‬تعيش‭ ‬لحظة‭ ‬قصيرة‭ ‬ثم‭ ‬تموت،‭ ‬أما‭ ‬الرواية‭ ‬فهي‭ ‬فن‭ ‬المستقبل‭. ‬لكن‭ ‬يوسف‭ ‬كان‭ ‬متعجلا‭ ‬للشهرة‭ ‬والنجاح‭ ‬فراح‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الأهرام،‭ ‬وغلب‭ ‬عليه‭ ‬شعور‭ ‬العظمة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬الحكماء‭. ‬
على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬إدريس‭ ‬كان‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬متواضعا‭ ‬صامتا‭ ‬يراقب‭ ‬تفاصيل‭ ‬الأحداث‭ ‬ولا‭ ‬يتعجل‭ ‬الكتابة‭ ‬ولا‭ ‬يستعجل‭ ‬النجاح،‭ ‬فيرسم‭ ‬شخصيات‭ ‬حقيقية‭ ‬يراها‭ ‬القارئ‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭. ‬وليس‭ ‬عند‭ ‬محفوظ‭ ‬بطل‭ ‬معصوم‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬فالإنسان‭ ‬–‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬–‭ ‬يتنازع‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬في‭ ‬أحشائه‭. ‬
ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أيامه‭ ‬استخدم‭ ‬سلطته‭ ‬كطبيب‭ ‬ليتعاطى‭ ‬مادة‭ ‬المورفين‭ ‬المخدر‭ ‬ليهدئ‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الحماس‭. ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قصصة‭ ‬التي‭ ‬جعل‭ ‬بطلتها‭ ‬طبيبة‭ ‬تستخدم‭ ‬المورفين‭. ‬وعندما‭ ‬ساءت‭ ‬الأحوال‭ ‬بعد‭ ‬الإدمان‭ ‬أرسله‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬للعلاج‭. ‬وقابلته‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬منها‭ ‬للاستجمام‭ ‬في‭ ‬لندن‭. ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬تعجبت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬زرته‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬شقته‭ ‬على‭ ‬كورنيش‭ ‬النيل‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬السادات،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬رثاء‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬أكرمه‭ ‬راح‭ ‬يسخر‭ ‬من‭ ‬‮«‬بطل‭ ‬الحرب‭ ‬والسلام‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يضحك،‭ ‬وكنا‭ ‬نشرب‭ ‬الويسكي‭ ‬مع‭ ‬التلج‭. ‬
الآن‭ ‬بعد‭ ‬وفاتهما‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬التراث‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬للأجيال؟‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬روايات‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬قوائم‭ ‬أفضل‭ ‬المبيعات‭ ‬في‭ ‬أمازون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وبكل‭ ‬اللغات‭.‬

كاتب‭ ‬مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كليّة سوريا:ألمانيا:

    شكراً أخي أحمد عقمان لااشك في ان نجيب محفوظ يستحق جائزة كبيرة مثل جائزة مع اني لا أعرف كثيراً عن الأدب ولا أعرف يوسف ادريس ايضاً. لكن ماأستطيع أن أجزم فيه أن نجيب محفوظ لم يكن سيحصل على هذه الجائزة لو أنه وقف ضد الاحتلال الصهيوني والصهاينة، وهل يشك أحد في هذه الحقيقة. أنا اتمنى أن يجيبني أحد على هدا السؤال البدبهي!

  2. يقول سوري:

    لقد قرأت ادريس وقرأت محفوظ كاملا. لا يوجد كاتب عربي كتب ابداعا يضاهي ثلاثية محفوظ وأولاد حارتنا. كنت مفتونا به لفترة طويلة وبلغته، وتصويره الدقيق للشخصيات، وتصوير المجتمع المصري بكل شفافية وأمانة، المصري الموظف، والمصري الفقير، والمصري مصاص الدماء.. والمصري المسؤول عندما قتل الرئيس.. أما إدريس فقد توقفت عن قراءته بعد ثلاث محاولات لاني لم أشعر بأنه كان صادقا في كتاباته وهناك ابتذال في النص وتعالي لا استسيغه. اما رائعتنا وكاتبتنا الكبيرة غادة السمان فما أجمل ان يقرأها حبها في كل رواية، وتمردها هذه التي تمردت على عادات دمشقية وخرجت إلى العالمية
    شكرا لك استاذ على التوضيح

اشترك في قائمتنا البريدية