هل «بريكس» أمام آخر قمة لها في روسيا؟

حجم الخط
3

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي في أيلول الماضي، “الجميع يدركون أن أي شخص قد يواجه عقوبات أمريكية أو غربية حول العالم”، مضيفًا أن من شأن نظام مدفوعات بريكس أن يسمح “بالعمليات الاقتصادية دون الاعتماد على من قرروا تحويل الدولار أو اليورو إلى سلاح”.
ما قاله لافروف رغم اختصار عبارته، لكنه يحمل الكثير من التحدي الموجه مباشرة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما ويحمّل في الوقت ذاته المشاركين في القمة عدائية مسبقة إلى الغرب، على اعتبار أنّ هذه القمة يجب أن تنفخ في بوق الحرب لكسر هيمنة الغرب عسكريًا وماليًا لبناء النظام الجديد المنشود.
هذا وشهد مطار قازان وصول زعماء قادة منظمة بريكس وممثلي الدول المشاركة في أعمال القمة التي انطلقت الثلاثاء 22 تشرين الأول الجاري، في عاصمة جمهورية تتارستان وكان في استقبالهم حاكم الجمهورية رستم ميخانوف.
يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تخرج القمة في بناء نظام عالمي جديد لمهاجمة هيمنة الولايات المتحدة على المالية العالمية وحماية روسيا وأصدقائها من العقوبات، وفق تقرير لصحيفة إيكونومست البريطانية. هذا الموقف استدعى ردًا من وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، على بوتين متهمةً إياه بمحاولة وضع المجموعة كتحالف مناهض للغرب.
من “مهاجمة الغرب روسيا وأصدقائها” نبدأ، حيث تتجلى النوايا من التحضير لانقلاب عالمي يفرمل الحضور الأمريكي في العالم. نوايا روسيا تتقاطع حتمًا مع تحركات حلفائها الدوليين على وقع عالم يرزح تحت عبء حروب متنقلة في أكثر من ساحة دولية رغم الأولويات الثلاث التي حددتها موسكو للقمة، وهي: السياسة والأمن، والتعاون في الاقتصاد والتمويل، والتبادلات الإنسانية والثقافية، كما ونظمت أكثر من 200 حدث سياسي واقتصادي واجتماعي لتعزيز سبل تنفيذ المزيد من التعاون بين دول “بريكس”.
ظهر روح التحدي وخطر الانزلاق نحو المواجهة مع مجموعة السبع الاقتصادية منذ تأسيس مجموعة “بريكس” رسميًا في 16 حزيران 2009 في “يكاترينبورغ” في روسيا. حيث عقدت أول قمة بين زعماء روسيا والصين والهند والبرازيل، وفي سنة 2010 انضمت إليها جنوب إفريقيا، ويقع مقرها في مدينة شنغهاي الصينية.
وجدت قمة “بريكس” كمشروع طويل المدى يهدف إلى “لم شمل” الدول لمواجهة الهيمنة الغربية على النظام العالمي. لطالما طرح كل من الرئيسين الروسي والصيني شي جين بينغ مشروع استبدال النظام العالمي القائم بآخر متعدد الأقطاب. فمن يراقب ما تلمّ شمله القمة تحت جناح الرعاية الاقتصادية الصينية، يعتبر أنّ الهدف من القمة هو لتشكيل حلف يواجه الهيمنة الغربية تحديدًا الأمريكية.
يعتبر بوتين أنّها الفرصة المناسبة للردّ على “الاستفزاز الخطير” الذي أعلنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مشاركته اجتماع وزراء الدفاع في مجموعة السبع الذي انعقد في نابولي الإيطالية السبت 19 تشرين الأول الجاري، والتي رفع معادلة واضحة “انضمام بلاده إلى حلف الناتو أو امتلاكها للقنبلة النووية”.
مع سقوط الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي، دخل العالم في نظام العولمة بنكهة الأمركة، حيث عملت الولايات المتحدة لإعلاء شأن شركاتها وإعلامها لتجعل من ذاتها شرطي العالم. ومتّبعةً سياسة “العصا” لكل من يعصي أوامرها ويهدد مصالح شركاتها، و”الجزرة” لترغيب الدول ووضعها ضمن دائرة اهتمامات سياساتها، قادت واشنطن النظام العالمي بأحادية مطلقة، لتحقيق مصالحها ولفرض الهيمنة على مقدرات الدول.

تحديات ومخاطر تواجهها مجموعة بريكس التي تعمل على توسيع دائرة الصراع مع الغرب، لهذا قد تجد نفسها أمام منعطف خطير يمهد لكتابة نهايتها مع التشرذم الداخلي بين أعضائها وفي وضعها في مواجهة مع الغرب

بوجود الثنائي الروسي – الصيني، تحوّلت قمة “بريكس” إلى رأس حربة في مواجهة الغرب، حيث تعمل روسيا إلى وضع قمة قازان في مواجهة واضحة مع الولايات المتحدة، وما ذكره لافروف هو التعبير الأصدق عن أن روسيا تعمل بكل طاقتها لكسر الهيمنة الأمريكية اقتصاديًا وعسكريًا أيضًا، مستغلة التطور الدراماتيكي للأحداث على الساحة الدولية، التي تجد فيها موسكو الفرصة المؤاتية لتحجيم الدور الأمريكي، ولفرملة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من تقديم الدعم المطلق لأوكرانيا.
يرى التعاون الروسي الصيني الكوري الشمالي، أنه الوقت مناسب لرفع منسوب التحدي العسكري مع واشنطن الغارقة في شأنها الانتخابي، حيث يعتبر بعض المتابعين أنّ الخطورة تكمن في رؤية الشارع الأمريكي يعيد تاريخه وتشهد ساحاته حربًا أهلية من جديد لاسيما في حالة فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
تخوف أمريكي من فوضى داخلية بعد إعلان نتائج الانتخابات بعد 5 تشرين الثاني القادم، يرافقه تشظي على المستويين الاقتصادي والمالي مع نهاية ولاية جو بايدن، حيث التضخم يبلغ أعلى نسبته في تاريخ واشنطن، وفي إدارتها لحروب متنقلة من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط وصولًا إلى شبه جزيرة تايوان التي تعيش اليوم على وقع استيقاظ التنين الصيني عبر مناورات غير مسبوقة قد تفرض الحرب الحتمية بين البلدين.
قد تكون قراءة روسيا أقرب إلى المنطق، وتعتبر أنّها الفرصة المناسبة للانقضاض نهائيًا على الهيمنة الدولية. لكنّ هناك من يعتبر أن واقع أعضاء بريكس يخالف المنطق الروسي، لاسيما وإن من بين الأعضاء لا يسعون إلى إزالة الهيمنة الأمريكية، بقدر ما يحاولون منافسة البعض. فالهند تجد في جارتها الصين العدو الذي يجب منافسته لأخذ مكانتها كـ”مصنع العالم” ولجذب الشركات الكبرى للاستثمار في بلادها. فهي تجد نفسها شريك موثوقًا للغرب لهذا وقّعت معهم على الممر الاقتصادي الهندي، ولهذا السبب دفع بإيطاليا للانسحاب من مشروع الصين “الطريق والحزام” في أيلول 2023 في قمة نيودلهي للانضمام إلى المشروع الهندي.
تحديات ومخاطر تواجهها مجموعة بريكس التي تعمل على توسيع دائرة الصراع مع الغرب، لهذا قد تجد نفسها أمام منعطف خطير يمهد لكتابة نهايتها مع التشرذم الداخلي بين أعضائها وفي وضعها في مواجهة مع الغرب، ما يطرح السؤال هل ستكون قمة روسيا نهاية المجموعة أم بداية لانطلاق عالم جديد؟

٭‭ ‬كاتب‭ ‬لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الكريم البيضاوي ( السويد ):

    لا الهند ولا البرازيل ولا جنوب افريقيا بإمكانهم أو بمقدورهم الانفصال أو التخلص من النظام المالي العالمي. أما وإن أضفنا الدول الجديدة التي التحقت مؤخرا فستتضح الصورة أكثر.
    الحلم الروسي الصيني سيقى حلما .

    1. يقول عربي:

      بل امثالك من يعتقدون ان هذا العالم لا يسير الا بارادة اميركا و الغرب هي الاحلام

  2. يقول ابو سلامه:

    مشكلة مصر مع اِنظمامها للبريكس انها تعتقد ان هذا يتيح لها غرف المزيد من الدولارات مع تجاهلها ان البريكس لا يُقدم الكثير من الاحترام للدولار . مصر ليس لديها جهاز اداري واقتصادي يلتقط فرص النمو … كل شئ بأمر الرئيس .. ولا اُريكم الا ما أرى

اشترك في قائمتنا البريدية