هل تتحول القضية الفلسطينية إلى مشكلة عربية داخلية؟

عندما توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن، كان على رأس القضايا المطروحة للنقاش مستقبل غزة، والتطبيع بين إسرائيل والسعودية، إضافة إلى خطة لضرب إيران. وقد علمنا خلال الزيارة أن لدى ترامب خطة لشراء قطاع غزة من إسرائيل وإقامة «ريفييرا»، ما يستلزم طرد الفلسطينيين من وطنهم. وعلمنا أيضا أن ترامب يؤيد ضم الضفة الغربية لإسرائيل ويعتزم إصدار أمر رئاسي بتجريم اسم «الضفة الغربية»، وإحلال الإسم اليهودي «يهودا والسامرة» بديلا عنه. وعلمنا أن الطرفين أسقطا موضوع «حل الدولتين». وعلمنا أن نتنياهو يعتقد كذبا أنه قادر على تطبيع علاقاته مع السعودية من دون الشرط السعودي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما علمنا أن صفقة الأسلحة الأخيرة التي تم التوصل إليها، تتضمن أسلحة تستهدف أساسا الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها.
نتائج زيارة نتنياهو لواشنطن هي الأكثر درامية في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، ولها تداعيات شديدة الخطورة على مستقبل الشرق الأوسط بأكمله. الشرق الأوسط يعاد تشكيله بخلق حقائق جديدة، وليس بالبيانات الدبلوماسية الساذجة. نتنياهو وصف نتائجها في أول اجتماع للحكومة الإسرائيلية بعد عودته من واشنطن بأنها «إنجازات هائلة يمكن أن تضمن أمن إسرائيل لأجيال». وقال: «أنا لا أبالغ. لدينا فرص لاحتمالات لم نكن لنحلم بها قط، أو على الأقل حتى بضعة أشهر مضت، لم تكن تبدو ممكنة ـ ولكنها أصبحت ممكنة»، ومن ثم فقد لخص نتائج الزيارة بأنها «نقطة تحول تاريخية لدولة إسرائيل».

الدبلوماسية الساذجة وحكم التاريخ

أمامنا الآن نوايا تعلن عن نفسها بشكل مفضوح لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتهويد فلسطين التاريخية بأكملها. في البدء كان وعد بلفور، والآن تطل علينا صفقة نتنياهو – ترامب لارتكاب جريمة تطهير عرقي في وضح النهار، بلا حياء ولا خشية من أحد. الخطورة التي نراها بالعين المجردة ليست في الصفقة فقط، ولكن فيما نراه من ردود فعل فلسطينية وعربية، التي تدور حتى الآن حول محورين، الأول هو إصدار بيانات الشجب والإدانة ورفض الصفقة، لكن طالما أن ذلك لا يغير من حقائق الموقف على الأرض، فإنه لا قيمة له من وجهة نظر واشنطن وتل أبيب. المحور الثاني هو خلق مسار جانبي تبدو من خلاله الدول العربية وكأنها تفعل شيئا حقيقيا، بالدعوة الى مؤتمر دولي للإعمار في غزة. في حقيقة الأمر إنها لا تفعل أي شيء، لا في الضفة الغربية لوقف العدوان الإسرائيلي، ولا في غزة لوقف الحرب نهائيا في إطار رؤية عملية لإقامة دولة فلسطينية. ومن المحزن في هذه الظروف التاريخية السيئة أن نرى أيضا استمرار الانقسام داخل البيت الفلسطيني، وهو انقسام يعكس عدم الإحساس بالمسؤولية التاريخية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني الصامد المهددة بالزوال، على الأقل في الأجل المتوسط. وإذا كانت الدول العربية ترى أنه يمكن البدء في إعمار غزة، فإن عليها إعلان التزامها بأنها تتحمل مسؤوليته، بعد أن تتوقف الحرب نهائيا، ويرحل الاحتلال وينتهي الحصار. ومن قبيل المهزلة أن يرى العرب أن إعمار غزة هو مسألة تمويل؛ فأموال الدول العربية الغنية مبعثرة في كل مكان لخدمة دول كثيرة منها الولايات المتحدة وإسرائيل، هذا العبث يجب أن يتوقف.

على الدول العربية أن تفهم أن التنازلات الصغيرة المتتالية تصنع هزيمة كبرى في نهاية الأمر. وأن سياسة تغيير الواقع لا تصلح مواجهتها إلا بتأكيد حقائق المقاومة والصمود والتغيير

الحديث عن مؤتمر للإعمار وسط ظروف قد تمهد لاستئناف الحرب ليس مجرد إضاعة للجهد والوقت فقط، ولكنه يخلق مسارا جانبيا يشتت نظرة العالم والعرب والفلسطينيبن إلى القضية، التي يجب أن تستحوذ على المجهود الدبلوماسي الرئيسي، ألا وهي ضمان تنفيذ اتفاق الدوحة كاملا، بما يحقق انسحاب الجيش الإسرائيلي تماما وإقامة سلطة مدنية فلسطينية لإدارة غزة، وإدخال قوات دولية لضمان عدم شن هجمات إسرائيلية، ومنع الجيش الإسرائيلي من احتلال أجزاء من غزة، تحت أي مبرر. إن الحديث عن الإعمار بينما الحرب مستمرة فعلا في شمال غزة هو مزحة في وقت سيئ، كما أن الدعوة إلى مؤتمر دولي للإعمار قبل عقد مؤتمر دولي لترسيخ وثبيت خطة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، من شأنه أن يخلق مناخا مسموما للسباق من أجل الفوز بالعقود والصفقات، في حين أن ذلك كله سوف ينهار إذا استؤنفت الحرب.

شروط مصداقية الدبلوماسية العربية

هذا لا يعني إهمال وضع خطة عربية للإعمار، لكن هذا يتطلب أولا الإجابة على أسئلة كثيرة منها: لمن يكون الإعمار؟ هل يكون لأهل غزة أنفسهم، أم يكون لأثرياء العالم الذين يأمل ترامب جذبهم إلى «الريفييرا» التي يحلم بها؟ المسؤولية الأولى الآن هي عدم السماح لإسرائيل بتخريب اتفاق الدوحة لوقف إطلاق النار والانسحاب التام من غزة وبدء الإعمار. وما يمكن أن تقدمه الدول العربية للفلسطينيين هو إطلاق مبادرة جادة لوضع خطة عربية – فلسطينية للإعمار في غزة، تكون جزءا لا يتجزأ من مشروع إقامة دولة فلسطينية، مثل هذه المبادرة ستكون بمثابة الرد العملي على خطة نتنياهو وترامب للسيطرة على غزة وتقاسم المصالح فيها بينهما، مع طرد الفلسطينيين من وطنهم. ومن الضروري أن تتضمن هذه المبادرة ظهيرا إجرائيا يضمن أن تكون لها قوة النفاذ، وألا تكون مجرد بالون إعلامي يهدف إلى إبراء الذمة وارتكاب خيانة مستترة. وتتوقف مصداقية المبادرة على مكوناتها من الصيغة، إلى الآلية التنفيذية، إلى الإجراءات الاحترازية ضد كل من إسرائيل والولايات المتحدة في حال استمرار حرب الإبادة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية.
وليس من الصعب إعلان مثل تلك المبادرة والإجراءات الملحقة بها، في حال وجود إرادة مشتركة بين الدول العربية القائدة، واتفاق على استخدام إجراءات حقيقية لوقف العدوان الإسرائيلي الأمريكي. ونقترح أن تتضمن هذه الإجراءات منع مرور الطائرات الإسرائيلية في الأجواء الإقليمية العربية، وتعليق اتفاقيات التطبيع والتعاون مع إسرائيل، وتجميد المشاركة في أنشطة القيادة العسكرية الأمريكية كافة، في الشرق الأوسط، بوصفها تمثل المنصة المتقدمة للتعاون العسكري العملياتي مع إسرائيل، والانضمام إلى الدعوى القضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية خلف جنوب افريقيا، ومساندة جهود القبض على نتنياهو ومساعديه والعسكريين المتورطين في جرائم حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وغير ذلك من الإجراءات التي ترد على اتهامات ترامب ونتنياهو للحكومات العربية باتخاذ موقف منافق بشأن القضية الفلسطينية. ونظرا لأن احتمال السلام قائم بنسبة 50 في المئة، واحتمال الحرب مستمر بالنسبة نفسها، فإن واجب المقاومة الفلسطينية الأول هو الانضباط والاستعداد وليس الاسترخاء.

التحريض ضد الدول العربية

وقد بدأت اسرائيل والولايات المتحدة في الأيام الأخيرة معزوفة جديدة لتسميم العلاقات بين الشعب الفلسطيني «الصامد» والدول العربية «المترددة». وسوف يتهم ترامب الحكام العرب بأنهم لا يقدمون حلولا عملية لتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين. بل قد يصل به الأمر إلى اتهامهم بأنهم هم الذين يقفون وراء المأساة الفلسطينية، رغم أن لديهم الحلول الكافية لها. ترامب سوف يستعين بمنطق نتنياهو، الذي يرى أن الدول العربية التي تطالب بإقامة دولة فلسطينية لديها القدر الكافي من الأراضي غير المأهولة ، وأنها تستطيع دعوة الفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها! نتنياهو قال ذلك في واشنطن، بينما ترامب يقف إلى جانبه، حينما سخر من موقف السعودية بربط التطبيع بإقامة الدولة. ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة الآن هو تحويل الصراع في الشرق الأوسط إلى مشكلة عربية داخلية، تخرج منها إسرائيل تماما من دون أي التزام، وتحصل على فلسطين بأكملها. وما خطة ترامب لتهجير الغزاويين إلا مجرد بداية، حيث يجري في صمت تهجير أهالي جنين بالقوة ضمن مخطط نشيط لتهويد شمال الضفة، وتحويل الفلسطينيين هناك إلى أقلية، وتغيير اسم الضفة الغربية إلى «يهودا والسامرة» واعتبار استخدام اسم «الضفة الغربية» جريمة يعاقب عليها القانون في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. إن الاستعدادات العسكرية التي أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي، واختيار رئيس جديد لهيئة الأركان العسكرية، والاجتماع التكتيكي الذي تم بين قيادة الجيش الإسرائيلي وقيادة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم) لعمل تقدير تكتيكي للموقف على الأرض. استباقا لانتهاء المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين، تمثل كلها شواهد حية على أن إسرائيل تعد خطة – حتى لو كانت احتياطية فقط – لاستئناف القتال في غزة. وهي بالاشتراك مع ترامب تريد تحويل القضية الفلسطينية إلى مشكلة داخلية عربية، بإزالة أي مقومات يمكن التفاوض عليها بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بما فيها الشعب الفلسطيني نفسه. وعلى الدول العربية أن تفهم أن التنازلات الصغيرة المتتالية تصنع هزيمة كبرى في نهاية الأمر. وأن سياسة تغيير الواقع لا يصلح مواجهتها إلا بتأكيد حقائق المقاومة والصمود والتغيير، وأن الغياب أو الغيبوبة خيانة تاريخية لن تنساها الأجيال القادمة.
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر علي:

    يجب عرض القضية على مجلس الامن للامم المتحدة واصدار قرار ملزم بوقف الحرب وانسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وعدم عرقلة قيام الدولة الفلسطينية بممارسة سيادتها على الاراضي الفلسطينية وفي حالة استعمال حق النقض فيجب عقد اجتماع عاجل للجمعية العامة للأمم المتحدة لتثبيت هذه المبادئ.

  2. يقول تيسير خرما:

    استمر تبادل قتل عبر 77 عام وتبادل تهديد بإبادة وإلقاء بالبحر أو بصحراء مع استحالة ذلك والحل نشوء قيادات جديدة لإسرائيل وفتح وحماس تؤمن بالسلام وحسن جوار ورضى بقرار أممي تقسيم فلسطين 1947 ويتطلب ذلك لإسرائيل أن تكون دولة فلسطين منزوعة سلاح لا توقع اتفاقات دفاع بل تحميها أمم متحدة وتدير معابرها بالتوازي مع فرض العرب محاصصة على فلسطين كما حصل بلبنان بإعطاء سياسيي حماس والجهاد سدس مقاعد لجنة تنفيذية منظمة التحرير والبرلمان والمناصب عدا الحكومة تكنوقراط مقبولة للمانحين والرئاسة منصب فخري يتولاه مسيحي

  3. يقول حنظلة الفلسطيني العربي:

    بما اننا كفلسطينيين نرفع شعار فلسطين عربية ومن البحر إلى النهر
    فعلى جامعة الدول العربية استملاك فلسطين إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا

اشترك في قائمتنا البريدية