هل تتغير إيران بعد انتخاب رئيس إصلاحي؟

حجم الخط
11

تمكن المرشّح الإصلاحي الإيراني مسعود بزشكيان من الوصول أخيرا إلى رئاسة البلاد، بعد محاولتين سابقتين، مرة في عام 2013 وانسحب حينها لصالح أكبر هاشمي رفسنجاني، وأخرى في عام 2021، حين رفض مجلس صيانة الدستور السماح له بالترشح.
بزشكيان من مواليد مدينة مهاباد الشهيرة بإعلانها أول دولة كردية، وهو من أب آذري وأم كردية، وتجمع سيرته بين الطب والسياسة، فجراح القلب هذا كان رئيسا لمشفى ولتحرير مجلة أبحاث طبية ولجامعة تبريز، ثم وزيرا للصحة لفترتين خلال ولايتي الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ثم نائبا في مجلس الشورى مرتين.
تسمح سيرة بزشكيان الآنفة بإضاءة أسباب آمال التجديد التي دفعت الشعب الإيراني لانتخابه على أساسها، فقد قدّم وعودا خلال حملته الانتخابية، على مستوى الداخل، بتشكيل لجنة لمراقبة أعمال الحكومة أمام ممثلي الشعب (البرلمان) كل بضعة شهور، وباتباع سياسة اقتصادية تعالج «الفقر والتمييز والفساد» وبالتعاطي الإيجابي مع قضايا المرأة وحرية الوصول للانترنت، وحماية حقوق القوميات الدستورية وربط بين الحريات السياسية والاجتماعية، وأدى التعاطي المتشدد لبعض أسلافه مع هذه القضايا، كما هو معلوم، إلى توترات داخلية كبيرة.
ولعل الإضافة التي قدّمها بزشكيان كانت رؤيته لعدم إمكانية حل المشاكل الداخلية لإيران «من دون حل المشاكل مع العالم الخارجي» وعليه فقد وعد بتحسين علاقات الجمهورية الإسلامية مع الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، ووضع إحياء الاتفاق النووي على سلم أولويات حكومته.
بعد هذه الوعود الانتخابية العريضة عاد بزشكيان، بعد فوزه بالرئاسة، لخفض مستوى التوقعات متحدثا عن وجود «عدد كبير من التحديات» متأملا أن «يتناغم المجلس التشريعي مع الحكومة القادمة» طالبا عون الشعب «والقيادة الحكيمة» في إقرار واضح عن أن رغبات التغيير تستلزم موافقة المرشد العام للجمهورية علي خامنئي، من جهة، والبرلمان، من جهة أخرى، من دون تقليل من أهمية ثقة الإيرانيين وتعاطفهم وتعاونهم معه، كما قال.
تحليلات الإعلام الإيراني أشارت إلى «خريطة الطريق» التي وضعها خامنئي للرئيس الجديد، وهي «الحفاظ على المصالح» و«تثبيت العمق الاستراتيجي» لإيران في المعادلات الدولية، و«الحفاظ على القدرات» وهي اشتراطات قد تحدّ من حركة الرئيس الجديد، وإذا انضاف إليها الاحتمال المتزايد بفوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يكون بزشكيان قد وُضع بين أقطاب سياسية متعاكسة قد تضعف إمكانية تطبيق برنامجه السياسي وتقلل من قدرات نجاحه، وتقلل، بالتالي، احتمالات حصول تغييرات حقيقية، خصوصا إذا طالت الحرب التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين، وطال بالتالي الدور الكبير الذي تلعبه القوى العسكرية الموالية لإيران في لبنان واليمن (والعراق إلى درجة أقل بكثير) مما يفتح احتمالات حدوث حدث خطير، من قبيل حرب إسرائيلية على «حزب الله» في لبنان، ويقلص، بالتالي، فرص التغيير والإصلاحات التي يأمل بزشكيان في تحقيقها، وتضيق الفجوة بين الإصلاحيين والمتشددين، وهو ما سيؤدي لتداعيات على إيران والمنطقة لا يمكن التهرب منها.
بغض النظر عن الاحتمالات السياسية والأمنية المفتوحة، يجب التأكيد على أن ظاهرة انتخاب رؤساء إصلاحيين في إيران تعتبر ترسيخا مطردا لتقليد ديمقراطي من داخل أسس الجمهورية الإسلامية، وهو أمر ينسحب على تجارب ديمقراطيات أخرى في الدول الإسلامية الكبيرة مثل تركيا واندونيسيا وماليزيا تعاني بدورها من إشكاليات وتتعرض، من حين لآخر، لارتدادات، وتواجه عقبات بنيوية.
إن أشكال النقد وسوء الفهم المعتادة للتجربة الإيرانية، الصادرة عن نخب في المنطقة العربية، والتي تقلل من شأن كفاح الشعب الإيراني، الذي دفع أثمانا باهظة لدعم الحراك الديمقراطي، وتعتبر رغبات الإصلاح شكلية و«توزيع أدوار» تصدر، في الغالب، عن تحيزات سياسية وأيديولوجية متأثرة بالاشتباكات المعقدة لإيران مع العالم العربي (سواء عبر دعم نظم مستبدة مثل نظام بشار الأسد في سوريا، أو عبر توسيع نفوذها الإقليمي من خلال أذرع عسكرية شيعية) وهو ما يشبه في مآله النقد الغربي النمطي، المتأثر بدوره بالصراع مع إيران.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Abo Ahmad:

    الرؤساء واجهات والسلطة الحقيقية بيد خامنئي

  2. يقول عماد غانم:

    بقي حسن نصرالله ممسكا العصا من المنتصف حتى اجتماع الشهيد اصف شوكت بوجهاء ورجال أعمال ونشطاء حمص واتفاقهم على استمرار الحوار؛ بينما قرر الأسد وسليماني قمع الثورة السورية بالحديد والنار وان إيران ستدعم الأسد للنهاية ؛ فتمت تصفية شوكت وخلية إدارة الأزمة
    منذ شطب سليماني والعلاقة العربية – الإيرانية في تحسن مضطرد: هدنة اليمن, الاختراق الصيني، الرد الايراني المباشر على قصف السفارة الإيرانية في دمشق؛ وبنادق اليمن وحزب الله والمقاومة العراقية تدك اسرائيل
    الانتخابات العربية والإسلامية بمثابة “بيعة” شعبية، مقاطعة 50% يؤرق خامنئي والنظام الإيراني، كما أن تزايد العداء تجاه الكرد والعرب واللاجئين في تركيا نتيجة لتحالف أردوغان مع القوميين المتشددين للفوز في الإنتخابات الأخيرة

  3. يقول سامح// الاردن:

    *نأمل ذلك.
    تقوية العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي يصب
    في مصلحة المنطقة بالمجمل..

  4. يقول وجيه:

    الناخبون في إيران ينتخبون من عينتهم الحكومه.
    كل شيء بيد ولي الفقيه. أساسا لا دور للبرلمان والرئيس إلا بمقدار تلقي الأوامر. لكن لابد من صناعة الأحداث للعيش عليها.

  5. يقول الغريب:

    حكم الفقيه في ايران وحكم العسكر او الملوك المستبدة في البلدان الاخرى سواء, والتغيير سيكون الى الوراء

  6. يقول الكروي داود النرويج:

    الرئيس الفعلي لإيران هو الخامنئي و حرسه الثوري !
    أما هذا الرئيس فهو لإمتصاص غضب الشعب من تدهور الإقتصاد !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  7. يقول تاريخ حروب الغرب وأتباعهم:

    كثير من إصلاحيي أنظمة سرعان ما يتصالحون مع الند على حسابات ويغيرون توجهات وأجندات الأمة: السادات مع الأمريكان والصهاينة، غورباتشوف مع الغرب وخاصة أمريكا وألمانيا. والآن إيران وقبل التكهن، هل سيخفف من قيود وتضييق عقائدي ويوسع في الشكليات أم سيتصالح مع الغرب مقابل مكاسب جيوسياسية وعسكرية؟

    1. يقول تاريخ حروب الغرب وأتباعهم:

      تعقيب، نسيت أن أذكر أتاتورك والدولة العثمانية.

  8. يقول سعدون القصيمي:

    أعتقد أن الإيرانيين أدركوا بعد طوفان الأقصى أنه يجب على إيران أن تنتقل من مجرد داعم للمقاومة إلى شريك للعالم العربي في المنطقة خاصة وأنها أدركت أن التغيير قادم ليطيح بالأنظمة العربية العميلة للغرب وإسرائيل الحالية وبالتالي فهي فرصة للتقارب أكثر مع الأنظمة الشرعية القادمة وشعوبها والطريق لذلك هو الإصلاح العميق ويتطلب الكثير من الحكمة والشجاعة والصبر ..

  9. يقول الحسن الحبشي:

    في ما يتعلّق بـ “الاشتباكات المعقدة لإيران مع العالم العربي” فإن ما يسترعي الانتباه، ولم يستوقف الكاتب في ما أرى، هو أن يُؤخَذ على طهران من “دعم نظم مستبدة مثل نظام بشار الأسد في سوريا”، إنما تصدُر عن الأنظمة العربية الأقل ديمقراطية والأكثر تشددا وسلطوية. علاوة على ذلك، فإنّ من “يشتبك” مع إيران، في الحقيقة، فئة قليلة جدا من البلدان العربية، لا تشمل حتى جميع دول الخليج. أفليس صحيحا أنّ سلطنة عمان والكويت والإمارات وقطر، على سبيل المثال، تتباين مواقفها تبايُنا جليّا تجاه الجار “الفارسي”؟
    ناهيكم هنا عن رأي الشعوب من المحيط إلى الخليج !

    الحسن الحبشي
    ستراسبورغ / فرنسا

  10. يقول Fouad:

    المشكلة الأساسية هي أن صلاحيات الرئيس محدودة في نظام قائم على ولاية الفقية التي لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، و أن السلطة بيد المرشد الأعلى خامنئي و مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي عينه و مجلس صيانة الدستور الذي عينه أيضًا و الذي بدوره يقرر من يصلح للترشح لمجلس الشورى (البرلمان) أو رئاسة الجمهورية، و بالتالي يصبح الرئيس مجرد موظف تنفيذي في هيكل النظام.
    العجيب في الأمر أن الذي يمارس السلطة الحقيقية لا يتعرض للمساءلة من قبل الشعب و أن الموظفين التنفيذيين هم الذين يتعرضون للمساءلة و الانتقاد..!!

اشترك في قائمتنا البريدية