هل تتفهم رموز مصرية معارضة حرج موقفها اليوم؟

حجم الخط
1

“عاوز تبقى علماني؟ على راحتك! ليبرالي؟ من حقك! شيوعي؟ أهلًا بك رفيقًا، كل الاحترام لك كمواطن، أيًا ما كانت عقيدتك الدينية أو السياسية، ولك كل الحقوق، كما عليك كل الواجبات، أما تشكيل أحزاب وكيانات تعادي الإسلام، فليس مسموحًا به البتة؛ لأن هذا ليس حقًا، يحق لك المطالبة به!”. هذه الكلمات السابقة بما تحمله من كم هائل من تخبط الصياغة ولي عنق كل المتفق عليه من قواعد الفهم والإدراك لاختلاف البشر وعدم إمكانية تجمعهم على رأي وفكر واحد وصولًا إلى “ألغاز” قهرهم وقسرهم وإجبارهم على اعتناق فكر واحد والوصول لافتراض أن المخالف للرأي معادٍ في الدين.. وبالتالي محاولة جمع الناس جميعهم على الإيمان برأي الكاتب؛ وهو تصور لم يجتمع عليه البشر في أي زمان أو مكان حتى مع وجود الأنبياء والمرسلين، وحتى وقت بعثة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ) وبعد فتح مكة إذ يصف الله (خالق البشر) المشهد فيقول “ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا” ـ سورة الفتح الآية ولم يقل تعالى ورأيت الناس يدخلون “جميعًا”؛ إذ أن علمه سبق وفصل في الأمر لما قال: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ..” (من الآية 119 من سورة هود)، وفي تفسير اختلاف الناس في الآية قال الحسن البصري “وللاختلاف خلقهم”، هذا فضلًا عن أن الآيتين السابقتين ذكرتا لفظ “الناس” حتى في “فتح مكة” أو منذ خلق الله لهم ولم تقل المؤمنين أو المسلمين.
فماذا لو كتب شخص عادي الكلمات والسابقة وزاد فقال:
“كفى ميوعة!، المجتمع المسلم، لا تحكمه إلا شريعة الإسلام، وفق الخيارات الفكرية التي يتوافق عليها علماء هذا المجتمع الثقات .. وحرية الاعتقاد مكفولة لكل مواطن، بحكم الشرع قبل القانون، لكن ليس مسموحًا لغير المسلم (دينًا أو فكرًا) بتكوين كيان مخالف للإسلام، فضلًا عن أن ينافس على السلطة”، والكلمات السابقة منقولة حرفيًا بالجملة الاعتراضية، وبما فيها من علاقات ترقيم مضطربة وأفكار متشددة تطرق باب التطرف وتنسب لعلماء وفقهاء المسلمين الثقات ما لم يقولوه على مدار تاريخهم، وتفتح الباب للتخوين وقراءة ما في النفوس وما لم تعلنه فضلًا عن مساءلة المواطنين بناء على الظنون والأوهام والشكوك، ونسبة ما لم يقل به الإسلام إليه، فماذا حين يكون الخارج علينا بهذه الكلمات والأسلوب مسؤول مقرب من الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في تدوينة على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة، أصبحت مثالًا تدور حوله لآرائه وقناعاته بعد سنوات عجاف فكريًا وحركيًا من انقلاب عسكري على الديمقراطية في مصر، واختيار رئيس منتخب جاء بالصناديق للمرة الأولى النادرة في تاريخها وإن تمنينا ألا تكون الأخيرة؟
ولكن كلمات المسؤول السابق يبدو أنها “تزاحم” الأمنية في “مجرد” أمل تحققها سياسيًا بالزج بنا في متاهة عقلية قبل دينية؛ مع تسليم الرجل الغريب أن المخلفين دائمًا أعداء للإسلام، وهي مقولة وذريعة واهية لشق المجتمع المصري أكثر مما هو عليه بفعل الحكم المستبد الديكتاتوري أولًا. والحمد لله أن الكلمات مجرد اجتهاد لا أكثر!

خيبات أمل مؤلمة

فإن كانت نتيجة تجربة حكم جماعة الإخوان لمصر لعام استثنائي من الزمان إخفاق آمال عظيمة وأيضًا خيبات أمل مؤلمة؛ إلا أن من دروسه (بالتالي) أن قسوة التجربة وضراوتها لا تعفيان من أن هناك تقصيرًا شديدًا لف المشهد (في مقابل مكر وتخطيط ودهاء من الانقلابيين وأعوانهم ولعبهم بالمشهد) حتى أن أناسًا كانوا في سدة الحكم وأعلى درجاته لم يفيقوا حتى الآن ولم يفهموا أو يفطنوا لأسباب الفشل؛ فضلًا عن استعادة الذات والتوازن، والتفهم لكيفية معالجة الخلل والنهوض للكفاح وشحذ الهمم والعزائم، وترقب طرق التنفيذ العملية الدقيقة المؤدية إلى مجرد شعاع ضوء يلف المشهد .. وإلا فكم أفاض المسؤول السابق في عشرات التدوينات على موقع “فيسبوك” منذ يوليو/تموز 2013م وإلى ما شاء الله له من شرح باستفاضة في “دلائل وعلامات النصر الذي رآه قريبًا وشيكًا”، وكتابة كلمة “أبشروا” مئات المرات بتكرار حرف الواو ؟ فلما أسفر الواقع عن انسحاق وخيبات لا نظير لها اكتفى الرجل أن انتقل من “الفيسبوك” إلى صفحة في موقع تواصل اجتماعي آخر هو “تويتر”، وأزهرت الإطلالة الجديدة بأشهر ثلاث تدوينات امتلأت بـ”حكم وسلطات” على غيره من الاتجاهات والأحزاب والتيارات الفكرية التي لها “عمليًا” الحق المبدئي مثله في الوجود في مصر .. بل المنافسة على السلطة في مناخ ديمقراطي حقيقي ما التزمت باحترام آراء ومذاهب واتجاهات وديانات الآخرين ـ ولا داعي لرميها مبدئيًا بمعاداة الإسلام ـ لمجرد مخالفتها تعليمه سرًا أو علنًا، فالمعول عليه ما ستطرحه من حرية تعبير للجميع وعدم مخالفتها علنًا.
أما أن يأتي المسؤول السابق ليشرح الحرية في “مفهومه الخاص” وفي وقت تزلزل فيه أركان جميع الشرفاء المخلصين المصريين بفعل حكم ديكتاتوري مستبد، يود الإطاحة بالأخضر واليابس من فكر وحياة الشعب في سبيل بقائه ومتخذًا ذريعة أنه إنما جاء لمقاومة “استبداد ورغبة جماعة الإخوان في البقاء في الحكم لـ500 عام” مما لم يقم عليه شاهد أو قرينة فضلًا عن دليل .. فيأتي مسؤول بارز للرئيس المنتخب الراحل ليصادر حق جميع المصريين من غير فصيله وتياره وبالإجمال دينه؛ وفي الأجواء ضعف شديد وانقسامات مريعة للجماعة التي ينتمي إليها وينضوي تحت شعارها، وفيما يسجن الناس ويقتلون في مصر ويطاردون خارجها.. فيكون رد الرجل بمنتهى القسوة والشدة والإمعان في تسفيه رأي غيره وعدم الإقرار إلا برأيه الخاص في “الداخل” و”الخارج” فذلك ما يفوق العقل والجنون معًا.

المصلحة الوطنية

يعود تاريخ التدوينة وما بعدها لتاريخ اشتمل موافقات موسمية ظاهرية بين التيارات المصرية المنفية في إسطنبول (مع سابق تمنياتنا لها بالنجاح) إلا أنها لم تفعل، ومع كوننا نؤمن أن التوافق لا بد أن يأتي من جانب مخلصين منهم يغلبون المصلحة الوطنية على الخاصة، وينتظرون التغيير من حصاد جهودهم لا من تدخل الغرب أوغيره لصالحهم، وإنما “يدفعون” الآخرين في طريقهم لما يحسنون طرق الأسباب ومعالجتها؛ ويؤمنون جميعًا أن الإيمان شيء خاص بكل منهم، يحاسب عليه أمام خالقه، ندرك أن الأهم الآن أن يحسن تفكيره ومن ثم عمله الحقيقي وكفاحه الثوري، بدلًا من شن حرب لا هوادة فيها على بقية المضارين الذين تتنازعهم المنافي والسجون ويخافون من مزيد من الاستضعاف والخيبات في غد.
ويبقى أن عقلية المسؤول السابق وعنفوان كلماته وحدتها خير دليل على تلبس أشخاص برداء الدين وإساءتهم البالغة إليه بما لم يفعله أشد أعدائه، وكم من أناس تولوا مناصب فأردوا مشاريعهم الفكرية وأساؤوا لأنفسهم قبل غيرهم، وساهموا في فتن وملاحم، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، ولو أدرك الإخوان وهم يختارون رموزهم على كل المستويات في عام حكمهم الوحيد الفريد في مصر قيمة حسن الاختيار وضرورة إحسانه، لساهموا في وضع حجر أساس بقائهم طويلًا ولكن تلك النهايات جاءت من عدم إحسان البدايات واستمرار المرض والوهن الفكري في المنظومة حتى أودت بها ثم جاء بعضهم يفتعل صراعات فكرية خائبة يظن أنها تفيد في وقت انهيار منظمة تخصه بالكامل!

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ADEL ANSARY:

    انا اخجل من اي نقطة فأنت استاذ الله معك

اشترك في قائمتنا البريدية