أنطاكيا ـ إدلب ـ “القدس العربي”:
مكَنت حملة القصف الجوي الهائل للروس ونظام الأسد في محيط إدلب منذ أواخر أبريل/ نيسان الماضي، من تحقيق هجوم بري، أدى للسيطرة على نحو 12 بلدة من أهمها قلعة المضيق وكفرنبودة. لكن الفصائل المعارضة تمكنت من استعادة بلدتين من الاثني عشر بلدة، منهما كفر نبودة قبل أن تعود لفقدها لاحقا.
وتوقع محللون حينها، استنادا إلى نمط الضربات الجوية، بأن محور نظام الأسد كان ينوي القيام بهجوم محدود في شمال حماة وجنوب إدلب، تحقيقا لمكاسب ميدانية وقضما لمناطق الثوار، بما يتيح له التقدم التدريجي وتوسيع تحركه الميداني مستقبلا.
وقد حصر الروس والنظام غاراتهما بشكل كبير في منطقة منفصلة بالقرب من شمال حماة، ومكَنوا بغطاء جوي كثيف جدا وقصف صاروخي ومدفعي غير مسبوق، ميلشيات النظام ووحدات برية تابعة له وقوات خاصة من اقتحام كفرنبودة واستعادتها، مرة أخرى، (للمرة الثانية في أقل من شهر)، وواجهوا قتالا شرسا من فصائل الجهاديين وفصائل معارضة أخرى وتكبَدوا خسائر كبيرة، حتى وصفها الناشط الإعلامي السوري، مؤيد الحموي، بأنها “الثقب الأسود الذي ابتلع قوات النظام ومن خلفها روسيا وما زال يبتلع”، ولكن الثوار فشلوا في الهجوم لاستعادة البلدة.وربما “تحولت المواجهة في ريف حماة إلى معركة استنزاف مركزها كفرنبودة، والسيطرة عليها باتت رمزية بالنسبة للطرفين، وهدفها كسر الإرادة. من يصمد فيها أكثر يربح.
وبينما تعوّل المعارضة على استنزاف المليشيات لأطول فترة ممكنة من خلال تبادل السيطرة ومعارك الكر والفر، تعتبرها المليشيات بوابة لتقدمها في بقية المحاور”، وفقا لما نقله الإعلامي السوري خالد الخطيب.
كثافة نارية لتعويض الضعف القتالي للنظام
وأشارت تقديرات عسكرية إلى أن معارك الأسابيع الأخيرة في محيط إدلب كشفت أن نظام الأسد قادر على تركيز قوة نيران هائلة تعوضه عن عدم الكفاءة في القتال (المادي والمعنوي)، وظهر أن الكمَية لا النوع (كثافة النيران وتدفق المقاتلين) هي أكثر ما يعتمد عليه في أي تقدم ميداني ، البراميل المنفجرة والنيران الحارقة والقصف الجوي والضخ البشري، وهو ما ظهر بوضوح في المعركة الأخيرة في كفرنبودة، فلم تستطع ميلشيات النظام السيطرة على البلدة إلا بعد أن دُمَرت بشكل شبه كامل في الأيام الماضية، وتعرضت لقصف غير مسبوق بمئات الغارات الجوية والصواريخ كانت تنهال على البلدة، وحضور روسي لافت في معاركها. فلا ذكاء عسكري ولا تخطيط مُحكم، ذلك أن العقلية العسكرية للنظام متأثرة أكثر بالنمط القتالي الروسي، الذي يرى الجودة في الكم والضخ، وهذا منذ سبعينيات القرن الماضي، فالتدفق القتالي وكثافة النيران والتحطيم الهائل، ربما هي أكثر ما يراهن عليه النظام لمنع توقف أي هجوم، حتى لا يتاح لعدوه التعافي ويمكنه بهذا أن يُجهض عامل المفاجأة والمباغتة.
وما يجري، كما كتبت صحيفة “لوموند” الفرنسية، تذكير بأن اتفاق “سوتشي” الهشَ، المُوقع من قبل موسكو وأنقرة في سبتمبر 2018، وكان يهدف إلى تجميد الجبهات في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، تفاوضوا عليه بمصالح متباينة وعلاقات متقلبة.
وتحدثت مصادر المعارضة أن أنقرة دعَمت عسكريا فصائل تابعة لها لصدَ هجمات قوات النظام والميلشيات الموالية له، وإن لم يكن لها تأثير في المعارك الأخيرة حتى وإن أرادت أن تُظهر ذلك، كما علَق الباحث في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر. وفي هذا السياق، نقلت وكالة “رويترز” عن “مسؤولين” في المعارضة السورية أن تركيا أمدّت المسلحين بأسلحة “جديدة” في الفترة الماضية. وأضافت الوكالة نقلاً عن المسؤولين أن أنقرة زادت الإمدادات العسكرية بعد إخفاقها في إقناع روسيا في اجتماعات “مجموعة عمل مشتركة” الأخيرة، بضرورة إنهاء التصعيد لتفادي تدفق كبير للاجئين إلى تركيا. لكن مصادر اخرى صحفية وعسكرية في ادلب نفت دخول أي سلاح جديد من تركيا واوضحت ان السلاح بعضه جاء من مخازن فيلق الشام في داخل سوريا وان الهدف من نشر هذه المعلومة عن دعم تركي هو تجيير هجوم قام به بشكل رئيسي الجهاديون ليس الفصائل المدعومة من تركيا .
ولكن المؤكد، ان هذا يدحض ما تداوله بعض المتابعين والناشطين من أن الهجوم الأخير على محيط إدلب كان باتفاق بين الروس والأتراك. وإن كان الثوار ملتزمين، حتى الآن، بحدود التفاهمات التركية الروسية، ولا يبدو أنهم يفكرون في فتح محاور جديدة مع المليشيات ويركزون غالب جهدهم الحربي في جبهات حماة.
وقد أظهرت معارك محيط إدلب الأخيرة حجم التكلفة والاستنزاف لمن يفكر في اقتحام مدينة إدلب وشن عملية كبرى ضد ثوارها، وربما تأخر هذه العملية راجع، في جزء منه، إلى المخاوف من هذه التكلفة، ولهذا، لا تزال الجبهة محدودة، ويختصر تطوراتها الميدانية الإعلامي “خالد الخطيب” بالقول: “المليشيات تتفوق في المعركة بالتغطية النارية، في حين تتفوق المعارضة بأعدادها وعزيمة مقاتليها وفي الهجمات الليلية والإغارة، لكنها ما تزال تفتقد لعناصر قوة أخرى تؤثر في أدائها، كتوزيع المهام والأسلحة النوعية، والعمل ضمن غرفة عمليات تستوعب كل القوى المقاتلة”.
وفي هذا، يرى مراقبون أن الوضع العسكري في إدلب لم يتغير كثيرا بعد المعارك الأخيرة، ولا نتيجة نهائية لهجوم إدلب، على الأقل حتى الآن، وما حققه الثوار مهمَ لكن لا وزن له إستراتيجيا، ويبقى أنه مُحفز لو وُجدت لدى قادة الثوار والفصائل إستراتيجية قتال، فلا يمكن انكار الواقع الميداني الذي يشير الى أن النظام متقدم بالسيطرة على أكثر من عشر قرى حتى الان بعد بدء الهجوم ، هذا الهجوم الذي يبدو انه سيستمر ببطء لكن سيتقدم بنفس السيناريو ، موجة كبيرة للنظام وموجة مقابلة للفصائل وهكذا، ثم تتلاحق موجات النظام وصولا نحو مركز ادلب التي قد تحاصر بعد شهور عدة ، وبثمن باهظ على النظام .