منذ الاستفتاء الذي اقترحه وقاده رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون في 2016 حول بقاء أو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي (بريكست)، لم تشهد بريطانيا استقرارا سياسيا. غياب الاستقرار السياسي الداخلي وتضافره مع مجموعة أخرى من العوامل الدولية، ومن ضمنها الأزمة الأوكرانية، أدى إلى حالة من الركود الاقتصادي والتضخم وارتفاع معدلات البطالة وانتشار مشاعر الإحباط والتشاؤم بين المواطنين البريطانيين بشأن المستقبل، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
منذ ذلك الاستفتاء المشؤوم تناوب أربعة زعماء من حزب المحافظين على رئاسة الوزراء في 10 داونينغ ستريت، آخرهم كانت ليز تراوس، التي بقيت في هذا المنصب لمدة 44 يوما فقط. وتعتبر ليز تراس رئيسة الوزراء السادس والخمسين في تاريخ بريطانيا والأقصر عمرا في هذا المنصب.
لعنة تطارد المملكة
هذا الاضطراب السياسي غير المعهود منذ بريكست والآيل الى التفاقم كما تشير المعطيات، حدا بالكثير من المحللين الى الاستنتاج بأن تزامن هذا الاضطراب مع خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي وكأن بريكست قد تحول الى لعنة تطارد وستطارد المملكة المتحدة لفترة مقبلة ومن المرجح أن تكون أكثر اضطرابا وفوضوية.
عندما عقد ديفيد كاميرون العزم على إجراء استفتاء حول طبيعة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 ، كان يرمي من وراء ذلك الى إيجاد تسوية للنزاع الحاد داخل حزبه حول هذه القضية. لكنه، في الوقت نفسه، لم يدرك أنه من خلال القيام بذلك، كان يدشن حقبة جديدة من غياب الاستقرار السياسي في بلاده.
القصة ببساطة كانت وما تزال موجة الشعبوية والاستقطاب بقيادة بوريس جونسون ونظرائه من المحافظين، التي اشتعلت والتهبت وتمددت في الفترة التي سبقت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلاها. هؤلاء القادة الذين خدعوا الناخبين البريطانيين بالتصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، وإن حصل ذلك بفارق ضئيل، من خلال تصوير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وكأنها بلاء على بريطانيا، وأن مغادرة الاتحاد الأوروبي ستجلب الرخاء والخير والحرية للشعب البريطاني، وكأن بريطانيا كانت محتلة من قبل الاتحاد الأوروبي! علما أنه ووفقا للعديد من الاحصائيات وآراء المحللين فقد كانت مكانة بريطانيا الدولية واقتصادها أفضل حالا بكثير عندما كانت عضوا في الاتحاد الأوروبي لمدة 47 عاما.
أصبحت المملكة المتحدة، التي كانت لفترة طويلة مثالا للاستقرار السياسي، بسبب السياسات المتهورة والأنانية لقادة المحافظين، رمزا لانعدام الثبات السياسي. وهذا يعكس، بشكل أو بآخر، خللا في النظام السياسي والانتخابي، وغياب الصفات القيادية الحقيقية عند زعماء المحافظين الذين يفضلون مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية والحزبية على مصالح الشعب البريطاني.
كافة الوعود التي قدمها قادة حزب المحافظين للناخبين البريطانيين قبيل وبعيد استفتاء ما بات يعرف ببريكست أصبحت سرابا. من الناحية العملية، لم يجلب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوى المزيد من الأعباء والصدمات ورتل لا ينتهي من القادة الفاشلين الذين لا يعترفون بأخطائهم الجسيمة ويصرون على الاستمرار في طريق الضياع وتحميل البريطانيين المزيد من الخسائر.
بعد كل الأضرار الجسيمة التي تكبدها الشعب البريطاني منذ خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، ما تزال قيادة حزب المحافظين تمعن في الكذب. الزعيم المحافظ الوحيد الذي احترم وعوده، وكان يتمتع بصفات وجاذبية القائد، كان ديفيد كاميرون. لقد تعهد قبل الاستفتاء بأنه سيستقيل من منصبه فيما إذا قرر غالبية البريطانيين مغادرة الاتحاد الأوروبي، بما أنه كان من أنصار البقاء ضمن الاتحاد الأوربي، وبالفعل أقدم على ذلك، على الرغم من أنه لم يكن مضطرا الى تقديم استقالته.
انتخابات مبكرة
أما بالنسبة الى بقية رؤساء الوزراء من المحافظين فقد قدموا استقالاتهم تحت الإكراه وبعد خضوعهم للتصويت بحجب الثقة من قبل رفاق حزبهم في مجلس العموم. بعد كل هذا وذاك، لا يتردد بعض هؤلاء القادة في الترشح من جديد لرئاسة الوزراء.
في ظل هذه الظروف والأوضاع الاستثنائية التي تعيشها بريطانيا، يبدو أن الحل الوحيد للإفلات من هذا المأزق المستعصي الذي صاغه وخلقه حزب المحافظين هو إجراء انتخابات عامة مبكرة. على الرغم من أن هذا البديل محفوف بالعديد من التحديات بسبب تشبث المحافظين بالسلطة، إلا أنه يبدو الأنسب والأكثر قابلية للتطبيق في ظل ندرة الخيارات.
كاتب سوري
ما كان عليكم الخروج من الإتحاد الأوروبي