لندن ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي يجمع فيه عالم كرة القدم على تحول فينيسيوس جونيور إلى واحد من صفوة نجوم الملاعب الإسبانية والأوروبية بعد انفجار موهبته مع ناديه ريال مدريد، ما زال الشاب العشريني يبحث عن ذاته مع منتخب بلاده البرازيلي، بمسيرة دولية أقل ما يُقال عنها لا تتناسب مع سمعته العالمية التي اكتسبها بعد دوره الكبير في حصول اللوس بلانكوس على كأسي دوري أبطال أوروبا عامي 2022 و2024، ما بين معاناته بشكل شخصي تحت ظل نجم الجيل نيمار، الذي كان الخيار الأول للمدرب السابق تيتي في مركز الجناح الأيسر المهاجم، وهو المركز المفضل لجناح النادي الملكي، وبين الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها بمقارنة مستواه وأرقامه المذهلة بالقميص الأبيض ببعض الومضات واللمحات الفنية وأرقامه الخجولة بقميص أبطال العالم 5 مرات، والسؤال الذي سنحاول الإجابة عليه معا هو ما أشرنا إليه في العنوان: هل يا ترى ستكون كوبا أميريكا بداية أسطورة فينيسيوس مع منتخب السيليساو؟
تاريخ
متقلب
صحيح أن قبل 18 شهرا، كان يُنظر لفيني على أنه عبء على منتخب السحرة، كما حدث في مباراة دور الـ16 أمام كرواتيا، تلك المباراة التي بصم خلالها اللاعب على واحدة من أسوأ المباريات في مسيرته، لدرجة أن أداء المنتخب تحسن كثيرا بعد استبداله في الدقيقة 64، بل أن نيمار نفسه تحرر بعد خروج زميله المدريدي، لكن الآن وقبل مواجهة كوستاريكا مساء الثلاثاء في ختام مواجهات الجولة الأولى للدور الأول لكوبا أميريكا، يبدو واضحا، أن نظرة الجماهير البرازيلية ومستوى التوقعات تجاه بطل أوروبا، قد تغيرت 180 درجة، على أمل أن ينجح في تقمص دور البطولة المطلقة في ظل غياب دابته السوداء نيمار، بعد سنوات من التخبط والفرص الضائعة على المستوى الدولي، والتي بدأت منذ حصوله على أول استدعاء لتمثيل منتخب بلاده الأول في فبراير/شباط 2019، كمكافأة على النسخة المبشرة التي كان عليها تحت قيادة مدرب ريال مدريد الأسبق سانتياغو سولاري، لكن من سوء طالعه تعرض لإصابة سيئة، على إثرها غاب عن وديتي بنما والتشيك في نفس العام، ثم خسر مكانه في التشكيل الأساسي للريال في ما تبقى من الموسم، ما تسبب في حرمانه من الانضمام إلى قائمة المنتخب التي خاضت منافسات كوبا أميريكا في نفس العام، إلى أن تحول إلى لاعب أساسي في المنتخب البرازيلي في فترة ما بعد جائحة كورونا، لكن في مراكز مختلفة عن مركزه المفضل في الرواق الأيسر، الأمر الذي ساهم بشكل أو بآخر في ظهوره بنسخة أقل جودة وحدة مما يبدو عليها تحت قيادة الميستر كارليتو في «سانتياغو بيرنابيو»، أو ما تُعرف بأطول سلسلة من العروض الدولية المخيبة للآمال، التي انتهت بتوقيعه على أول أهدافه في 2022، وصدق أو لا تُصدق عزيزي القارئ، أنه منذ ذلك الحين لم يهز شباك خصوم السيليساو سوى مرتين فقط.
فرصة
العمر
يرى بعض النقاد والمتابعين في البرازيل، أن غياب نيمار عن كوبا أميريكا، سيكون بمثابة هدية السماء إلى فينيسيوس، ليرد على حملات الهجوم والتشكيك في نزاهته مع المنتخب، مقارنة بالصورة الوطنية التي رسمها نيمار لنفسه مع منتخب بلاده، كلاعب يسارع لتلبية نداء الوطن وتقديم أفضل ما لديه، حتى لو كان عائدا لتوه من إصابة خطيرة، كما خاطر باللعب في نهائيات كأس العالم بعد عودته من إصابة طويلة، وقبلها ضحى من أجل الفوز بالذهب الأولمبي في 2016، في المقابل يُنظر لفيني على أنه واحد من ضحايا توهج نيمار مع المنتخب، وبالنسبة للبعض الآخر، لم ينجح في تكوين شراكة ناجحة مع هداف ونجم الجيل في الثلث الأخير من الملعب، ربما لتشابه الأدوار بينهما، وربما للقيود المفروضة على فينيسيوس وتحركاته مع المنتخب، مقارنة بالحرية التي ينعم بها تحت قيادة مدربه الإيطالي في الريال، لكن الآن وبعد مرور فترة طويلة على ابتعاد نجم باريس سان جيرمان سابقا والهلال السعودي حاليا، بدأت الأعين تراقب سجل فينيسيوس الدولي الهزيل، بانتقادات مستحقة لإنتاجيته المثيرة للجدل والحيرة مع المنتخب، بالاكتفاء بتسجيل 3 أهداف وصناعة 5 أهداف فقط من مشاركته في 30 مباراة بالقميص الأصفر الأشهر عالميا على مستوى المنتخبات، ولو أن هناك من يراهن على استمرار ومضاته الأخيرة، التي بدأت بظهوره اللافت للأنظار في ودية إنكلترا في تجمع مارس/آذار الماضي، وخصوصا مباراته الخاصة مع المدافع الأيمن الذي يخشاه جُل أجنحة العالم كايل ووكر، وبعدها بثلاثة أيام بصم على واحدة أخرى من أفضل مبارياته الدولية أمام إسبانيا، التي انتهت بالتعادل الإيجابي بثلاثة أهداف في كل شبكة، غير أنه مؤخرا كشر عن أنيابه كما ينبغي بمساعدة زميله المستقبلي إندريك في تسجيل هدف الفوز في المكسيك، وبشهادة الغريم قبل المؤيد، كان رجل الاختبار الأخير قبل بدء الكوبا، أمام الولايات المتحدة، الذي انتهى بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، كمؤشر على أنه يسير بخطى ثابتة على الطريق الصحيح مع المنتخب، كما هو متوقع ومنتظر منه في فترة غياب النجم الأول نيمار جونيور.
التحدي
الحقيقي
لا شك أبدا، أن فينيسيوس عانى من تذبذب في مستوى مع ناديه في السنوات الماضية، لكن الآن ومع استعداداه للاحتفال بعيد ميلاده الـ24، بدأ يلامس ذروة مستواه في عالم المستديرة، كما كان واضحا في دوره الكبير في فوز الريال بثنائية الليغا وكأس دوري أبطال أوروبا الخامسة عشرة، والأمر لا يتعلق بأرقامه الفردية المميزة، بتوقيعه على 24 هدفا بالإضافة إلى 11 تمريرة حاسمة في كل المباريات، رغم ابتعاده عن العملاق المدريدي في بداية الموسم بداعي الإصابة التي تعرض لها أمام كولومبيا في تصفيات كأس العالم، بيد أنه سرعان ما استعاد تألقه أكثر من أي وقت مضى منذ بداية العام الميلادي الجديد، مزاحما نجم الدور الأول جود بيلينغهام في دائرة الضوء والنجومية، بسلسلة من العروض الهوليوودية، منها على سبيل المثال، تسجيل هدفين في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام بايرن ميونيخ، والتسجيل في المباراة النهائية للكأس ذات الأذنين للمرة الثانية على التوالي، وصناعة هدفين في ربع النهائي في أصعب اختبار أمام مانشستر سيتي، بخلاف أهدافه الثلاثة (هاتريك) في شباك الغريم الأزلي برشلونة في نهائي الكأس السوبر الإسبانية، والمساهمة في هدفين في شباك نفس المنافس في كلاسيكو أبريل/نيسان في الدوري الإسباني، والتحدي القادم الأهم بالنسبة للنجم المدريدي، أن يترجم كل هذا التألق والتوهج على الساحة الدولية مع منتخب بلاده، بنفس الطريقة التي ساعدته على اقتحام عالم الشهرة والنجومية من أوسع الأبواب، بعد نجاحه في تسلم راية هجوم الميرينغي بعد أفضل لاعب في العالم عام 2022 كريم بنزيمة، بعبارة أكثر صراحة، بعدما أصبح الرجل الأول في هجوم نادي القرن الماضي بعد انتقال بنزيمة إلى الاتحاد السعودي الصيف الماضي، والدليل على ذلك، تزايد طمعه المشروع في منافسة بيلينغهام على جائزة «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب في العالم هذا العام، لكن هذا لن يتحقق إلا بحل المعادلة الصعبة، بالجمع بين النجاح والتأثير مع النادي والمنتخب في نفس الموسم، خاصة هذا العام، الذي يشهد اليورو والكوبا في نفس التوقيت.
الشاهد بالحقائق ولغة الأرقام، أننا نتحدث تقريبا عن أفضل موهبة صدرتها البرازيل إلى ملاعب كرة القدم الأوروبية منذ كبير السحرة نيمار، ولاعب أثبت أنه قادر على التعامل مع الضغوط الهائلة في سن مبكرة، والدليل على ذلك، الراتب الضخم الذي يتحصل عليه من ناديه الإسباني، بعد الإضافة الكبيرة التي قدمها للفريق بنفس قميص الأسطورة كريستيانو رونالدو مركزه القديم في «البيرنابيو»، كجناح أيسر مهاجم، لذا قد تكون الأسابيع القليلة القادمة فرصته المثالية، لتحقيق جزء كبير من أحلامه وأهدافه في رحلته الاحترافية، بقيادة منتخب بلاده للمنافسة بشكل حقيقي على بطولة كوبا أميريكا، ورغم صعوبة المهمة، في ظل وجود المرشح الأول للظفر باللقب والاحتفاظ به للمرة الثانية على التوالي المنتخب الأرجنتيني بقيادة البرغوث ليونيل ميسي، إلا أن هذا لا يقلل من حظوظ منتخب السامبا المتقلب، الذي سيتسلح بالشراكة المزدهرة بين ثنائي هجوم بطل دوري أبطال أوروبا وإسبانيا فينيسيوس جونيور ورودريغو غوس، بالإضافة إلى الزميل المستقبلي إندريك، فهل سينجح فيني في استغلال فرصة غياب نيمار ليثبت أنه نجم عالمي ناديه وبطل قومي مع منتخب بلاده؟ وبالتبعية سيعزز فرصه في الفوز بالبالون دور. دعونا ننتظر ما سيفعله لحفظ ماء وجهه أمام الجمهور البرازيلي.