هل تطمح إسرائيل بأن تحقق عصا ترامب ما لم تستطع هي تحقيقه بحربها على غزة؟

حجم الخط
2

لم تحقق إسرائيل أهداف الحرب ضد حماس بتدمير قدراتها العسكرية والحكومية. لا تزال المنظمة قائمة، على الرغم من أن حجم الضربات التي تلقتها تفوق إنجازاتها. ولذلك، على إسرائيل أن تركز على جهدين رئيسيين الآن: استكمال المنحى لإعادة المخطوفين نظراً للالتزام بقضية الأسرى مقابل الفدية وقيمتها لدى الرأي العام الإسرائيلي؛ واستغلال فكرة طرد سكان قطاع غزة التي اقترحها ترامب لتعزيز المشاركة الفعالة للدول العربية في استقرار وإعادة إعمار قطاع غزة ومنع حكم حماس هناك.

في وثيقة استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي (2015)، تم تعريف النصر بأنه “تحقيق أهداف الحرب التي حددها المستوى السياسي والقدرة على فرض شروط إسرائيل على العدو لوقف إطلاق النار والترتيبات السياسية والأمنية بعد الحرب”. لم تتحقق هذه الأهداف في حرب “السيوف الحديدية”. على الرغم من إطلاق سراح بعض الرهائن، فقد قُتل أكثر من 17000 إرهابي – حوالي نصف القوة المسلحة لحماس؛ وتم القضاء على القيادة العسكرية والمدنية للمنظمة؛ وتفكيك معظم الهياكل العسكرية لجناحها العسكري؛ وتدمير معظم أراضي قطاع غزة بالكامل. ومع ذلك، لم تحقق إسرائيل أهداف الحرب التي حددها المستوى السياسي: لم يتم تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، وكان الإفراج عن الرهائن، حتى هذا الوقت، جزئياً فقط. لا يعكس مخطط إطلاق سراح الرهائن فرض إسرائيل لشروطها لوقف إطلاق النار، بل حل وسط مع مطالب حماس، التي تسعى إلى البقاء بكل الوسائل اللازمة. ويبدو أن الواقع المنشود، الذي لا تسيطر فيه حماس على قطاع غزة ولا يشكل القطاع تهديداً لإسرائيل، بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.

وبالنسبة لحماس أيضاً، فإن ثقل الضربات التي تلقتها يفوق إنجازاتها:

    حماس قتلت وذبحت 1163 يهوديًا في يوم واحد وجرحت الآلاف؛ واحتلت مستوطنات يهودية ودمرتها لعدة ساعات؛ واختطفت 251 مدنياً وعسكرياً وهربتهم من أجل إقناع إسرائيل بالإفراج عن مئات الإرهابيين الملطخة أيديهم بالدماء من السجون؛ حماس تهرب الأسلحة، وكل الآليات التي كانت تهدف إلى منع قوتها المتجددة تآكلت حتى قبل أن تنشأ؛ كما تعد المنظمة المتفجرات من شظايا قنابل الجيش الإسرائيلي؛ وتجدد جناحها العسكري تدريجياً وكوادرها العملياتية من خلال تجنيد الشباب؛ ونجت حوالي نصف شبكتها السرية؛ وتتولى السيطرة على المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، وتوزعها وفي المقابل تجمع مبالغ باهظة من السكان وتستخدمها لاستعادة قوتها. ومنذ بداية وقف إطلاق النار، تعمل على إعادة تنشيط السلطات المحلية في القطاع؛ ويثبت نشطاء حماس وجودهم في جميع أنحاء القطاع؛ وتنتشر الشرطة المدنية التابعة لحماس في القطاع وتثبت وجودها؛ وتجدد أجهزة الأمن الداخلي نشاطها، من خلال إطلاق النار في الشوارع وفرض الإرهاب، واستجواب معارضي حماس والمتعاونين مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

   رغم ذلك، تلقت حماس ضربة عسكرية هائلة؛ لقد فشلت في إثارة حرب إقليمية ضد إسرائيل، بل وبادرت إلى تطورات أدت إلى إضعاف المحور الإيراني الشيعي؛ ولم تحرر ذرة واحدة من أرض إسرائيل. لقد تم محو خط قيادتها؛ وتدمير بنيتها التحتية لإنتاج الأسلحة. وتشير التقارير الرسمية إلى مقتل أكثر من 46 ألف شخص، منهم نحو 17 ألف إرهابي. 80 بالمائة من القطاع مدمر وغير صالح للسكن؛ ومن المتوقع أن تستمر هذه الظروف المعيشية القاسية لسنوات طويلة. وما دامت حماس تسيطر على القطاع، فإن فرص التعافي ضئيلة، وإن فترة التعافي ستستغرق سنوات طويلة.

إن دعاية حماس في ذروتها. الرسائل الرئيسية: لقد أثبتت فكرة الجهاد نفسها؛ حماس أذلت إسرائيل وتسببت لها في فشل عسكري لم تشهده منذ تأسيسها؛ ولا تزال يسيطر على القطاع عسكرياً ومدنياً. وفي الوقت الحالي، تعمل على نسف عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية؛ وتتاجر بالرهائن مقابل إطلاق سراح أعداد كبيرة من السجناء/الإرهابيين. لقد نجح نتنياهو في إقناع إسرائيل بتوقيع صفقة معها ـ في حين أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح بعيدتان كل البعد عن تحقيق إنجاز مماثل. وفي مراسم نقل الرهائن الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر في دير البلح، كُتبت عبارة “نحن اليوم التالي”، مؤكدة بذلك الرسالة التي تؤكد أن حكم حماس ما زال قائماً وسيظل قائماً.

صحيح أن الخطة الخاصة بإطلاق سراح الرهائن مقابل وقف إطلاق النار والإفراج عن الإرهابيين الفلسطينيين، التي وافقت عليها إسرائيل، تطبق مبادئ عدم التخلي عن المدنيين والجنود، والضمانة المتبادلة، ووصية فدية الأسرى، ولكنها خطة لها آثار سلبية أيضاً: (1) تشكل اعترافًا صريحًا بأن إسرائيل لم تحقق النصر الكامل (2) تمنح حماس المحاصرة أوكسجيناً تحتاجه لمواصلة حكمها وإعادة تأسيس نفسها (3) إطلاق سراح أكثر من ألف إرهابي، ومن المرجح أن يعود بعضهم إلى الإرهاب وقتل الإسرائيليين (5) تسمح لحماس بالاحتفاظ بعدد من الرهائن الذين يشكلون بوليصة تأمين لاستمرار بقائها.

ولكن في اللحظة الراهنة، ليس أمام إسرائيل بديل أفضل من مواصلة تنفيذ المخطط – توسيع المرحلة الأولى و/أو التقدم إلى المرحلة الثانية، التي لن تتنازل عنها حماس لأنها تشمل إنهاء الحرب وضمان وجودها.

لقد أحدثت فكرة ترحيل سكان قطاع غزة التي طرحها الرئيس ترامب ثورة في الخطاب، وربما تحدد شروط نهاية الحرب. بالنسبة للفلسطينيين، ترتبط فكرة المنفى بذكريات النكبة (1948) والنكسة (1967). إن الشعور السائد بين معظم الفلسطينيين هو شعور بالدهشة والقلق الشديد إزاء احتمال التخلي عنهم لمصيرهم وتحول الترحيل إلى خطوة مشروعة. وفي الوقت نفسه، وفي ضوء المخاوف الخطيرة التي تبديها مصر والأردن ودول عربية أخرى إزاء الهجرة الجماعية لسكان غزة إلى أراضيها، تتاح الفرصة لأول مرة لتجنيد هذه الدول للمشاركة النشطة والفعالة في استقرار قطاع غزة وإعادة تأهيله، مع تنفيذ الشرط المتمثل في أن حماس لم تعد تسيطر على قطاع غزة.

وعلى هذه الخلفية، فإن إسرائيل مطالبة بصياغة مواقف واضحة بشأن التقدم نحو المرحلة الثانية من الخطة الخاصة بالإفراج عن الرهائن وارتباطها بحالة نهاية الحرب (المعروفة باسم “اليوم التالي”)، وهو التعريف الذي تجنبته حتى الآن. وعلى إسرائيل أن تقدم الشروط الضرورية التالية:

 إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح: يجب على إسرائيل ألا تسمح بإعادة إعمار قطاع غزة ما دامت حماس تسيطر عليه ولم يتم تفكيك جناحها العسكري. ويجب طرح صيغة إعادة التأهيل مقابل التجريد، مع منح إسرائيل السلطة والحق في فرض التجريد من خلال حرية العمل العسكري.

 إقامة حكومة بديلة في قطاع غزة: تعمل مصر بمساعدة عربية على إقامة إدارة تكنوقراطية (لجنة مدنية) في قطاع غزة، تعتمد على السكان المحليين – بدون أعضاء حماس. وعلى إسرائيل أن تطالب الإدارة بتولي السيطرة المدنية على القطاع، وتوزيع المساعدات الإنسانية، وتفعيل السلطات المحلية، وإنشاء قوة شرطة بمساعدة عربية لفرض النظام العام. إن بديل عودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على قطاع غزة لن يتحقق إلا بعد تنفيذ الإصلاحات الشاملة والضرورية في السلطة وإثبات جدواها، وفقاً لرؤية الرئيس عباس “سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد”.

  الضمانات الدولية: يجب ضمان أن تكون هناك إدارة تكنوقراطية خالية من أعضاء حماس تحتكر السلطة، وتشرف عليها لجنة دولية، وتتلقى المساعدات الخارجية اللازمة. وفي الوقت نفسه، هناك حاجة إلى الاعتراف الدولي بحق إسرائيل في العمل على منع نمو وتقوية حماس، وفرض نزع السلاح، وإحباط التهديدات. هناك اعتراف واسع النطاق في المجتمع الدولي وبين الدول العربية المعتدلة بأن إسرائيل هي العامل الوحيد الذي يملك القدرة والرغبة في منع نمو وتقوية حماس بالقوة. ولذلك، فإن حرية إسرائيل في العمل العسكري يجب أن تكون راسخة رسمياً في الاتفاق، ويجب أن تترك سلطة التنفيذ في أيدي جيش الدفاع الإسرائيلي

إصلاح نظام التعليم: لا بد من إنشاء نظام تعليمي جديد في قطاع غزة، ليحل محل نظام “الأونروا”. وقد تلعب أوروبا، التي تمول نظام التعليم الفلسطيني منذ سنوات، دوراً محورياً في إنشائه، إلى جانب الإمارات، التي تتمتع بتجربة ناجحة في مجال تعليم مكافحة التطرف.

    مراقبة الحدود: إنشاء آليات مراقبة وحاجز أمني متطور وفعال على طريق فيلادلفيا وعلى معبر رفح. وحتى في هذه الحالة، سيكون لإسرائيل الحق في إحباط تهريب الأسلحة.

   المحيط الأمني: الحفاظ على منطقة أمنية/منطقة عازلة بين قطاع غزة والأراضي الإسرائيلية، ما من شأنه تحسين الأمن والشعور بالأمن لدى سكان النقب الغربي.

  العودة إلى القتال: إذا استمرت حماس في الحكم واستعادت قوتها العسكرية بعد عودة الرهائن، فستعود إسرائيل إلى حملة عسكرية ضد حماس من خلال الهجمات المضادة والغارات في عمق قطاع غزة.

ملخص

إن إسرائيل مطالبة باتخاذ قرار يجمع بين التقدم في رسم الخطوط العريضة لإعادة المختطفين، وتشكيل الصورة النهائية في قطاع غزة ــ من دون حكم حماس، مع التركيز على إقامة إدارة تكنوقراطية بدعم ومساعدة قوة عربية مشتركة. ولتحقيق هذه الغاية، لا بد من استغلال إعلان الرئيس ترامب، الذي كان بمثابة “جرس إنذار” للدول العربية، وفي مقدمتها مصر والأردن، بسبب العواقب المتوقعة لنزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أراضيها على استقرارها الداخلي، وبالتالي توحدها لصياغة موقف عربي مشترك إزاء مستقبل قطاع غزة. وقد تجسد هذا الوعي في اجتماع ممثلي السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر، قبيل القمة العربية المقرر عقدها في القاهرة في 27 فبراير/شباط.

إن صحوة الدول العربية تقدم لإسرائيل فرصة: إن دوافعهم هي اتخاذ إجراء حاسم (على عكس الماضي) ربما ينهي قضية احتجاز رهائن حماس، وينهي حكم المنظمة في قطاع غزة، ويشكل قوة عربية مشتركة لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار القطاع ــ على افتراض أن حماس ستجد صعوبة في العمل ضدها ــ ودعم إنشاء إدارة تكنوقراطية فلسطينية في القطاع. وهذا بمثابة مخرج من التحدي الذي تفرضه عليهم فكرة هجرة سكان غزة.

أودي ديكل

منشورات خاصة/ معهد بحوث الأمن القومي 18/2/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    هه لولا عصابة البيت الأسود الصهيوني اليهودي يا دودي الذي يرسل أسلحته القذرة لقتل الفلسطينيين منذ 1948 بواسطة هذه العصابة التي زرعوها في قلب فلسطين العام 1948 لما كان هذا حال الفلسطينيين اليوم يا قوم ✌️🇵🇸☹️☝️🔥🐒🚀

  2. يقول فصل الخطاب:

    ههه عصابة تسمونها دولة، إنها مجموعة لصوص لقطاء تم جلبهم من شوارع أروربا القذرة قذارة النازية الصهيونية الفاشية العنصرية البغيضة المقيتة المتغطرسة لسرقة أرض فلسطين من الفلسطينيين منذ 1948 بدعم أمريكي بريطاني وغربي غادر حاقد جبان ✌️🇵🇸😎☝️🔥🐒🚀

اشترك في قائمتنا البريدية