لندن – «القدس العربي»: بعد نحو 14 شهرا على الحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة، والتي دفع المدنيون الفلسطينيون ثمنها الباهظ، لا تزال حكومة أقصى اليمين في إسرائيل تمانع في التوصل إلى اتفاق لإنهائها ، ضمن تسوية متوازنة تحفظ حقوق الفلسطينيين.
ولعلّ أبلغ وصف للموقف الإسرائيلي عبّر عنه جوزيف بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي المنتهية ولايته، الذي قال الخميس إن المجتمع الإسرائيلي «مستعمر من الداخل» عبر متطرفين يتسمون بالعنف.
إلا ان نجاح إدارة الرئيس جو بايدن في فرض اتفاق لوقف اطلاق النار بين لبنان وإسرائيل ، كان دافعا لكي يطلق الرئيس الأمريكي تصريحات أعلن فيها أنه سيكثّف الجهود مع إسرائيل من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة، بالتعاون مع قطر ومصر – الوسيطان اللذان لعبا دورا مهما في محاولة وقف إطلاق النار منذ أكثر من عام – ومع تركيا.
وكانت حركة «حماس» بادرت فور إعلان الاتفاق في لبنان إلى إصدار بيان عادت فيه لتؤكد التزامها «بالتعاون مع أيّ جهود لوقف إطلاق النار في غزة».
وقالت إنها معنية «بوقف العدوان على شعبنا، ضمن محددات وقف العدوان على غزة التي توافقنا عليها وطنياً، وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وانجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة».
وتطرح أسئلة كبيرة بشأن قدرة إدارة بايدن على تحقيق خرق في ملف غزّة، بسبب تعنّت الحكومة الإسرائيلية التي يطلق مسؤولوها كل يوم تصريحات تدعو إلى إعادة الاستيطان في غزة وإبقاء الاحتلال، ورفض أي دور للسلطة الفلسطينية بعد الحرب، على الرغم من انفتاح حركة «حماس» على خيارات إدارة القطاع، والتفاهمات المبدئية بينها وبين حركة «فتح» التي جرت خلال اجتماعات بين الحركتين في القاهرة.
ويرى السفير الأمريكي السابق لينكولن بلومفيلد، الذي شغل عددا من المناصب المهمة في خمس إدارات أمريكية من بينها منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأمريكي، في حوار مع ملحق «القدس العربي» الأسبوعي، إنه لا يستطيع أن يقول إنه متفائل، مذكّرا بأن «موقف حكومة رئيس الوزراء (الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، بما في ذلك بعض وزرائه، يتعارض مع السياسة الأمريكية التي اتبعها ثمانية أو تسعة رؤساء أمريكيين سابقين، والتي كانت دائمًا تستند إلى قرار الأمم المتحدة رقم 242 والضمانات التي قدمها الرؤساء الأمريكيون للأردن وآخرين بشأن تنفيذ هذا القرار».
ويرى بلومفيلد أن «أعضاء حكومة نتنياهو لا يقبلون ذلك»، و»بعضهم يتبنى وجهة نظر متطرفة تفيد بأن السكان الفلسطينيين في غزة لا ينبغي أن يعيشوا هناك. وهذا يختلف عن السياسة الأمريكية التي تعود إلى عدة عقود».
وتنسجم رؤية بلومفيلد، مع آخر التصريحات الإسرائيلية الخميس، فقد نقلت صحيفة «معاريف» عن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، تكراره تصريحات يدلي بها عن استيطان غزة واحتلالها.
وقال بن غفير الخميس «لدينا فرصة تاريخية لاستعادة قطاع غزة وتشجيع الهجرة الطوعية وهذا ما سيجلب الامن للجنوب».
ويعزز فرضية اتجاه حكومة إسرائيل لإبقاء احتلالها للقطاع، ما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين من أن «الجيش سيحتاج إلى سنوات من العمل داخل غزة لضمان عدم عودة حماس للسلطة»، فضلا عن التقارير التي نشرها الإعلام العبري في الآونة الأخيرة عن خطط الاستيطان العسكري وتقسيم القطاع بمحاور أمنية.
مسؤول أمريكي سابق لـ»القدس العربي»: موقف حكومة نتنياهو يتعارض مع سياسة واشنطن
أما وزير الخارجية جدعون ساعر فقال، خلال زيارة له إلى جمهورية التشيك، «سنكون بحاجة إلى شريك فلسطيني موثوق يكون بعيداً عن سياسات التحريض والقتل في غزة».
وأضاف: «إسرائيل ستنهي الحرب في غزة عندما تحقق أهدافها – استعادة المختطفين وإزالة قدرة حماس على السيطرة على القطاع». وزعم أنه ليس لديه «خطة للسيطرة على الحياة المدنية في غزة. السلام أمر لا مفر منه، لكنه لا يمكن أن يقوم على الأوهام».
وكان موقع «أكسيوس» نقل عن مسؤولين أمريكيين أن بايدن قال لنتنياهو خلال مكالمة هاتفية الثلاثاء إنه بعد اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، يجب أن يتركز الجهد الآن على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن وتحقيق وقف إطلاق النار في غزة.
وذكر الموقع أن بايدن يعتزم الاستمرار في الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن حتى آخر يوم له في منصبه، حتى لو حصل الرئيس المنتخب ترامب في النهاية على الفضل في الاتفاق.
وقال أحد مساعدي بايدن لموقع «أكسيوس»: «بايدن يعتقد أن عدم فعل أي شيء وإخبار عائلات الرهائن بالانتظار حتى 20 كانون الثاني / يناير سيكون أمرًا جنونيًا».
في هذا الوقت، أوضح مسؤول أمريكي كبير ماهية تصريحات بايدن بشأن دور تركي في المفاوضات.
وقال هذا المسؤول في إفادة للصحافيين، إن إدارة بايدن لا تعتبر تركيا وسيطاً جديداً بين إسرائيل و»حماس»، وإن «ما قصده الرئيس هو أن هناك أفراداً وأطرافاً معينة تقضي وقتاً الآن في تركيا، ولهذا تم ذكر تركيا. ولكن لم يكن ذلك للإشارة إلى أنها وسيط أو مفاوض. المقصود هو أننا لن ندّخر أي جهد في محاولة تحقيق هذا الهدف».
وكانت صحيفة «هآرتس» ذكرت أن وفداً أمنياً مصرياً وصل إلى القاهرة، ونقلت عن مصادر «دفاعية» أنه بات من الممكن دفع المفاوضات باتجاه اتفاق يؤدي على إطلاق المحتجزين.
وحسب «هآرتس» فإن المقترحات المصرية تتضمن إطلاق سراح الرهائن تدريجياً على مدى شهر إلى شهرين.
ويزداد الضغط الدولي للتوصل على اتفاق في غزة، مع تأزم الوضع الإنساني
وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان «خبر جيد وخطوة أولى نحو وقف دائم لإطلاق النار» مطالباً اتخاذ نفس الخطوة في غزة أيضاً.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة «خطوة متأخرة للغاية ولكنها مهمة».
وأوضح أردوغان، في مؤتمر صحافي، الخميس، عقده مع سلطان سلطنة عمان هيثم بن طارق، في المجمع الرئاسي التركي بالعاصمة أنقرة، أنه من غير الممكن الوصول إلى السلام الإقليمي والعالمي ما لم يتحقق وقف فوري وعادل ودائم لإطلاق النار في غزة.
وأضاف أن تركيا لن تتردد في بذل كل ما في وسعها لتحقيق الهدوء والسلام في غزة.