هل تنجح قوات أوروبية بدل الأمريكية في سوريا؟

استبدال القوات الأمريكية شمال سوريا بقوات أوروبية هو مقترح أمريكي، والهدف أن تكون هذه القوات بديلا عن القوات التركية، حيث تسعى أمريكا لإقامة منطقة آمنة شمال سوريا تحت وصايتها للاحتفاظ بأهدافها المستقبلية، ومنها مشروعها لتقسيم سوريا في فترة مقبلة، وحيث أن تركيا تخشى بقاء المنطقة بأيدي قوات سوريا الديمقراطية، فإنها تخشى أن تكون المنطقة الآمنة بأيدي غير تركية أيضاً، بل أن تركيا لا تريد شريكاً لها في حماية المنطقة الآمنة، كما صرح وزير دفاعها آكار في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أسبوع تقريبا، لأنها لا تطمئن لأي قوة أجنبية ترتبط بالمشاريع الأمريكية بوسيلة أو بأخرى، وهذا سبب قلق أمريكا من نوع القوات التي سوف تحل محلها في شمال سوريا، وبالأخص أن قوات سوريا الديمقراطية لن تستطيع الصمود وحدها في شمال سوريا، مع وجود التهديدات التركية بمنع إقامة شريط إرهابي على حدودها الجنوبية، فأمريكا في حيرة وقلق على مستقبل مشروعها في سوريا.
من مؤشرات القلق الأمريكي توجيهها تهديدا وتحذيرا لقوات سوريا الديمقراطية بعدم إجراء أي اتفاقيات مع حكومة بشار الأسد، أو مع الحكومة الروسية، لأنها تعلم إلى أن اتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع الأسد أو روسيا سوف يهدم كل ما بنته لسنوات، فأمريكا زودت هذه القوات بمئات الملايين من الدولارات وبالأسلحة والعتاد والإمكانيات اللوجستية، والبنتاغون الأمريكي لن يوافق على تنفيذ قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب خلال ثلاثة اسابيع ولا ثلاثة أشهر، إذا كان ذلك القرار ضد رؤية البنتاغون لسوريا والمنطقة، بل إن قيادات فرنسية وألمانية عليا عبّرت عن مخاوفها على الأمن الأوروبي، من جراء القرار المفاجئ لترامب بالانسحاب من سوريا، وقد تكون التصريحات الأوروبية المنتقدة لقرار ترامب بالانسحاب، سواء من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هي من دوافع الاقتراح الأمريكي، بإحلال قوات أوروبية مكان القوات الأمريكية شمال سوريا، وقد يكون المقترح الآخر الذي تقدمت به بعض الأحزاب الكردية أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، مطالبة بحماية دولية لشمال سوريا هي من أفكار دوائر المخابرات الغربية، للحيلولة دون تمكين القوات التابعة للأسد من السيطرة على تلك المناطق بدعم روسي وإيراني.
لم يصدر قرار تركي رسمي حول مطالبة الأحزاب الكردية بنشر قوات حماية دولية شمال سوريا مكان القوات الأمريكية، ولكن صدر موقف تركي يعبر عن عدم معارضته لإجراء اتصالات أمنية واستخباراتية مع استخبارات الأسد، بحكم أن هذه الاتصالات ضرورية للأمن القومي التركي، ولا بد أنها مؤشر على وجود مساع روسية أو إيرانية أو من كليهما على تشجيع هذه الاتصالات الأمنية بين الحكومة التركية وحكومة الأسد، ولكن لا مؤشرات على موافقة الحكومة التركية على إمكانية السماح لقوات الأسد أن تسيطر على شمال سوريا، وإن كانت تضمن لها عدم قيام كيان انفصالي للأحزاب الكردية، ولكنها لا تضمن لها حماية قطاع كبير من الشعب السوري، وبالأخص من الذين لجأوا إلى تركيا بإرادتهم، أو ممن شاركوا في الثورة وخدعوا من امريكا ومن المجتمع الدولي أن يقدموا لهم الدعم لتغيير النظام السياسي، أو لإقامة دولة سورية مدنية وديمقراطية، فهؤلاء المواطنين السوريين سواء كانوا شمال سوريا أو في جنوبها بحاجة إلى حماية دولية ومن دول الجوار للحفاظ على أرواحهم وأرواح أبنائهم ونسائهم، وليس من الممكن تركهم ضحية انتقام قوات الأسد والمليشيات الطائفية الأخرى.

انتهت المعارك الكبيرة في سوريا وانتهت آمال الانتصار لأحد الأطراف عسكريا، وبقيت معركة الحلول السياسية الدولية

كما لم تصدر مواقف رسمية من الدول الأوروبية لإرسال قوات أوروبية أو دولية لحفظ الأمن، أو إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، ولا تزال التصريحات الصادرة من واشنطن ومن موسكو كلا من جهته على أنه يجري مع الحكومة التركية والجيش التركي مباحثات حول شمال سوريا، يتولى هذه المباحثات من جهة تركيا وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بين استقبال متواصل لوزراء الدفاع الروسي أو الأمريكي كلا على حدة في انقرة، أو في زيارات متواصلة معهما في موسكو وواشنطن، وهذا يرجح أن تركيا تبذل جهودا سياسية كبيرة لجعل الوضع شمال سوريا نقطة انطلاق لحل سياسي أوسع، أو مرحلة تمهيدية آمنة توفر مناخا دوليا قادرا على تشكيل لجنة صياغة الدستور، التي بشّر وزير الخارجية الروسي لابروف بأنها على وشك التحقيق قبل أيام قليلة، والتسريع بإيجاد لجنة تشكيل الدستور، قد يبشر بقرب إيجاد حل سياسي قريب، قد يستدعي أو يوجب بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وأن يكون في حالة عدم انتخابه رئيسا لسوريا في المستقبل آمناً من الملاحقة الأمنية والقضائية، فالتصور الدولي الذي تفرضه أمريكا واوروبا والعديد من الدول العربية، أنه لا يمكن الشروع بإعادة إعمار سوريا مع وجود بشار الأسد في السلطة السياسية، وروسيا لن تعتبر بشار الأسد عائقا لإعمار سوريا، ولكنها تشترط أو تفاوض على مستقبل آمن له، وأمريكا قادرة على الضغط على إيران للتخلي عن بشار الأسد مقابل الاتفاق على منع نشوب حرب معها، أو تخفيف أو إلغاء العقوبات عليها، أو في حالة التوصل لاتفاق نووي جديد معها، وقد يكون ذلك في نظر الحكومة الإيرانية مجرد تأخير للحرب معها وليس إلغاءً لها. لقد انتهت المعارك الكبيرة في سوريا، أو انتهت آمال الانتصار لأحد الأطراف عسكريا، وبقيت معركة الحلول السياسية الدولية، وليس من مصلحة الدول الأوروبية أن ترسل قواتها إلى بؤر صراع لا مصلحة لها بها، فضلاً عن أن برلماناتها من الأرجح أن ترفض مثل هذا الاقتراح، وبالأخص أنها تحاول تجنيب نفسها تحمل مسؤوليات الصراع الدولي في سوريا منذ نشأته، وتبقى المعضلة الأمريكية في سوريا قائمة وفي حالة خلاف شديد بين المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.
كاتب تركي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية