ربما حاول البعض بطريقة أو بأخرى أن يلمح لذلك، ولعل هناك من يرى أن آخر وأحدث محاولة في ذلك الاتجاه كانت مجرد زوبعة في فنجان، وأن الأجدى هو أن توصف بالحدث الهامشي الذي لا معنى له. لكن ألن يفتح الأمر وبغض النظر عن تباين المواقف ووجهات النظر نحوه أعين كثيرين على جملة من الأسئلة الحقيقية التي تطرح نفسها اليوم بقوة على البلد المغاربي؟
ليس من المستبعد أن تقود مزيد من التراكمات نحو ذلك، والثابت هو أن تلك الأسئلة ستبدو في ذلك الوقت أعقد وأصعب بكثير من السؤال التقليدي عن عدد شهداء الجزائر، إذ سيكون بمقدور أي صبي جزائري أن يقدم وعلى طبق، الجواب الكلاسيكي وهو أنهم مليون ونصف المليون شهيد. أما المختصون وبعض المؤرخين فقد يرفعون الرقم عاليا إلى خمسة ملايين شهيد، بل ربما حتى إلى أكثر من ذلك. لكن هل كان الفرنسيون وبعد مضي أسابيع قليلة فقط على توقيعهم مع الجزائريين على اتفاقية ومذكرة مشتركة قالت عنها الإذاعة الرسمية في الجزائر، إنها تهدف «لاسترجاع الأرشيف الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية، وممتلكات لا تقدر قيمها التاريخية بثمن في قلوب الشعب الجزائري»، يأملون في أن يخرج شخص ما، حتى إن لم يكن من أهل الذكر أو الاختصاص، ومن داخل بلد عربي بالذات ليحصر الرقم في مئة وستة وخمسين شخصا فقط، «قتلوا في سجن وهران وسجن قسنطينة وسجن الجزائر العاصمة»، خلال سنوات الاستعمار التي استمرت لأكثر من قرن وربع القرن؟ من المؤكد أنه لم يدر بخلدهم أنه قد يوجد في بلد بعيد عن قارتهم، لم يسبق له أن عانى من ويلات الاستعمار الفرنسي من يمكنه أن يكون فرنسيا أكثر من الفرنسيين أنفسهم، ولعل الشاعر السعودي عبد الرحمن الشمري حاز في هذا الجانب سبقا ما. والسؤال هنا هو كيف أمكن للرجل أن يتوصل إلى تلك النتيجة العجيبة؟ وما هي المصادر أو الأدلة أو الوثائق العلمية التي استند إليها؟
تصريحات انتشرت كالنار في الهشيم شككت في التضحيات والدماء السخية التي بذلها الجزائريون في فترة الاستعمار، وهو ما لم يقدم حتى غلاة الفرنسيين ومتطرفوهم على فعله
ليس معروفا حتى الآن أي جزئية ولو بسيطة حول ذلك. لقد كانت على ما يبدو كلمة خرجت من فمه بوعي، أو ربما من دون وعي وتم الأمر باختصار شديد وببساطة أيضا ومثلما قال هو نفسه فقط من خلال ما وصفه ببحثه البسيط في الموضوع، من دون الكشف لا عن طبيعة ذلك البحث، ولا عن منهجيته، ولا عن أدواته، ولا عن الوقت الذي استغرقه. لكن ما الذي جعل أديبا وليس باحثا مختصا في التاريخ مثلا يقحم نفسه أصلا في قضية معقدة يتداخل فيها التاريخي بالسياسي ويشتبك فيها الماضي بالحاضر بشكل وثيق؟ حتى الآن تبدو الدوافع الحقيقية وراء تلك العملية غامضة ومجهولة. وليس مؤكدا بعد أن كانت التحقيقات التي تعهدت بفتحها السلطات السعودية ضد الشمري ستميط اللثام عاجلا أم آجلا عما إذا كان يمكن أن يكون وراء ذلك التصرف الفردي في الظاهر جهة ما، وتقود بالتالي إلى معرفة كل التفاصيل والحيثيات المحيطة بالمسألة، وبغض النظر عما يمكن أن يتكشف في وقت لاحق فليس هذا المجال المناسب بالتأكيد للرد على تلك التصريحات التي انتشرت كالنار في الهشيم، بمجرد أن بثت مؤخرا في برنامج على منصة «عكاس» لتثير جدلا واسعا، بعد أن تضمنت قدرا كبيرا من التشكيك في التضحيات والدماء السخية التي بذلها الجزائريون في فترة الاستعمار، بل حتى نوعا من المبالغة في التقليل والتهوين من أعداد الذين سقطوا شهداء برصاص الاستعمار الفرنسي، وهو ما لم يقدم حتى غلاة الفرنسيين ومتطرفوهم على فعله. ولا شك في أنه سيكون من السهل على أي أحد أن يفند أطروحة الشمري بمجرد أن يعدد مثلا بعض المجازر الشهيرة التي ارتكبتها القوات الاستعمارية الفرنسية في حق الجزائريين. وربما يكفي هنا ذكر واحدة منها فقط وهي مجزرة الثامن من مايو عام خمسة وأربعين الشهيرة والتي قتل فيها بالرصاص الحي ما لا يقل عن خمسة وأربعين ألف متظاهر جزائري خرجوا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية للتعبير عن مطالبتهم للسلطات الاستعمارية بالوفاء بوعدها لهم بمنحهم الاستقلال. لكن بعيدا عما قيل في حق شهداء الجزائر، ألا يبدو توقيت مثل تلك التصريحات مريبا؟ لقد تزامن تقريبا مع توقيع الجانبين الجزائري والفرنسي الشهر الماضي، ومثلما أشرنا إلى ذلك، على اتفاقية لم يكشف بعد عن كامل تفاصيلها، إلا أنه يفترض أنها ستفتح الباب أمام الحصول على نوع من الاعتراف الفرنسي بالجرائم الاستعمارية في الجزائر، قد يفضي لاحقا إلى تقديم اعتذار رسمي من جانب باريس عنها، مع تعويضات مادية ورمزية، ما قد يسمح في الوقت نفسه، وكما كتبنا في مقال سابق، لتونس والمغرب بالخصوص بمطالبة الفرنسيين بالتوقيع على اتفاقيات مماثلة. كما أن من شأن تلك الاتفاقية أن تعبد الطريق أمام زيارة مرتقبة للرئيس الجزائري إلى باريس، سبق أن تم تأجيلها أكثر من مرة. ولعل هناك من قد يقول وفي صلة بذلك أن تصريحات الشمري، أخذت حجما أكبر من حجمها، وأن ربطها بأي سياق سياسي هو نوع من التعسف والإجحاف. فما الرابط بين كلام طائش، أو زلة لسان قد يكون ارتكبها أحد الفنانين، ومسألة معقدة وشائكة بحجم ملف الذاكرة، الذي لا يزال يقف حجر عثرة أمام أي تقارب كبير بين باريس والجزائر؟ ولنفترض جدلا أن الأمر تم بشكل معاكس، وحصل على الطرف الآخر، أي أن هناك شاعرا أو أديبا أو وجها إعلاميا معروفا من دولة غربية مثل سويسرا مثلا، خرج في إحدى المحطات الإذاعية أو القنوات التلفزيونية بتصريحات تؤكد أن فرنسا أجرمت بحق الجزائريين وبحق باقي الشعوب المغاربية أيضا، وأنها أبادت أكثر من عشرة ملايين جزائري على امتداد فترة احتلالها المباشر لذلك البلد. فهل كان الفرنسيون سينظرون إليه على أنه مجرد موقف أو رأي لا يلزم غير صاحبه؟ أم كانوا سيعتبرونه محاولة للتشويش على ملف حساس لا يرغبون بالتورط في دفع تكلفته، التي قد تكون باهظة جدا لا بالنسبة لعلاقتهم بالجزائر فقط، بل بباقي الدول المغاربية والافريقية أيضا؟
لقد قال الرئيس الجزائري وفي آخر خطاب ألقاه في وزارة الدفاع الشهر الماضي وفي إشارة إلى ارتباط مستقبل الجزائر بماضيها إلى أنه «عندما نتكلم عن الذاكرة فإن كثيرين يلوموننا، والشعب الذي لا جذور له ولا سلفا صالحا له، فإن مصيره مجهول»، غير أن بقاء ملف الذاكرة بين الجزائريين والفرنسيين مفتوح منذ أكثر من ستين عاما يجعل البعض يتساءل عما ستكون عليه الجزائر في اليوم الذي يلي أي اتفاق نهائي على غلق ذلك الملف. ولعل واحدا من الأسئلة الصعبة التي ستطرح نفسها على الجزائريين والتي يتعين عليهم وحدهم أن يجيبوا عنها هو ما شكل وطبيعة البلد الذي سقط الشهداء دفاعا عنه ويطمح الاحفاد للعيش فيه؟
كاتب وصحافي من تونس
علمني التاريخ الملحمي ان هناك شخص واحد قاتل طواحين الهواء … هو دينكشوت دي لامانش … الشعب الجزائري العظيم والمقاتل الشجاع الشرس وأكثر الشعوب العربية عروبيييية ولن ينسى المحتل الابيض ماذا فعلت بهم حركة التحرير الجزائرية ( تحيا الامة العربية الجزائرية وفي قلب كل جزائري القدس والقضية الفلسطينية ) عجرمي من الاردن
(تابع) … فبحسب البراهين الرياضية، التي لا يكتنفها الشك، فإنه، إذا كان عدد سكان الجزائر يوم الاحتلال: 1830م، هو عشرة ملايين نسمة؛ وفي يوم النصر: 1962م، تناقص إلى تسعة ملايين نسمة، مع العلم أن الجزائريين، يحبون الإنجاب، ولم يكونوا يعرفون، يومئذ، ما يسمى، تحديد النسل، أو تنظيم النسل، ولذا، كُنا نجد في معظم الأسر الجزائرية، أكثر من سبعة أطفال. هذه بعض التوضيحات لكل المشككين والمرجفين. وللسيد سعدان من باريس نقول أيضا أن القتل حينذاك كان يتم دون وجود صحافة ولا كاميرات ولا تلفزيونات تنقل الأخبار؛ القتل يجري في ظل تعتيم كلي ويمكنك إبادة شعوب بأكملها دون أن يعلم بذلك أحد. ولمن يشكك أيضا نقول أين هم الهنود الحمر سكان أمريكا الشمالية والجنوبية الأصليين؟ أين هم سكان أستراليا الأصليين؟ فكفانا عنادا ومكابرة وإنكارا دون دليل.
بلغ الانحطاط الأخلاقي لدى البعض خصوصا المطبعين أن يشككوا في تاريخ الأحرار الذين يمثلون رمز المقاومة ضد الاحتلال و الظلم و الشر. لا يعذر الجاهل بجهله و لسنا مجبرين أن نبرر للبلهاء الذين ينبحون بالريموت كونترول من فنادق خمس نجوم مدفوعة التكاليف مسبقا. التاريخ والثورة الجزائرية تدرس في أعتى الجامعات الغربية. المليون و نصف شهيد جزائري هو حصري للفترة 1954-1962. أما فترة 132 سنة احتلال فشهدت ما يفوق 5،6 مليون شهيد موثقة لمن أراد التأكد. أما الغافلون الموجهون من جهات معروفة تشكك في تاريخ الأحرار فلا نعير لهتماما لنباحهم لأن قافلة النهضة تسير بوتيرة متسارعة و بخطى ثابتة و محسوبة جيدا.
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب..يا فرنسا أن ذا يوم الحساب…فا استعدي وخذي منا الجواب…إن في ثورتنا فصل الخطاب… جبهة التحرير اعطيناك عهداً وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر…فا اشهدو فا اشهدو
المقال يتحدث عن الجزائر، فما دخل المغاربة فيه؟ ألهذا الحد ينزعجون من كل ما يمت بصلة للجزائر؟ أما بالنسبة للسيد سعدان من باريس الذي يشكك في قتل فرنسا لـ05 ملاييين جزائري فنحن نقول أن من قتلتهم فرنسا طيلة 132 سنة أكثر من 05 ملايين بكثير. وحتى يزول عنه “الالتباس” إن كانت نيته حسنة أو يزول عنه “التلبيس” الذي ربما وسوس به شيطانه نقول: فرنسا دخلت الجزائر سنة 1830 وعدد سكانها كان حوالي 10 ملايين حسب إحصائيات السيد حمدان خوجة وبعد خروج فرنسا سنة 1962 تراجع عدد سكان الجزائر إلى 09 ملايين. يقول حمدان خوجة، الذي عاصر الاحتلال الفرنسي للجزائر: « إنني مكسور القلب من جرّاء الأخبار التي تصلني يوميا من الجزائر، والتي تقول: بأنّ الدماء تراق وديانا، وأن السخط عام، وأن بلدي يسير نحو الخراب..». ويقول أيضا: « لقد أكدت بأنّ عدد سكان إيالة الجزائر عشرة ملايين نسمة»، (يوم الاحتلال)، فتناقصوا إلى ثلاثة ملايين نسمة خلال ثلاث سنوات، فحمدان خوجة نشر كتابه بباريس باللغة الفرنسية، سنة 1833م. فإذا كان عدد الشهداء في ثلاث سنوات فقط، هو سبعة ملايين شهيد، فكم كان عدد الشهداء خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر لمدة: 132 سنة: (1830-1962)؟