الإعلان عن القرار تم من تونس، لكن مفاتيح الاتحاد المغاربي ظلت في العاصمتين الجزائرية والمغربية. والنتيجة هي فك طوق ضرب على الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي على مدى السنتين الأخيرتين بوجه خاص، كان أبرز مظهرين له هو سد قنوات التواصل بالكامل بين الأمين العام وسلطات بلاده، واتهام الجزائريين له بأنه بات «منتحل صفة». غير أن خروج سياسي مخضرم مثل الطيب البكوش من المشهد المغاربي، بعد شهور طويلة من تجازوه السقف الزمني المحدد لانتهاء عهدته، وبعد كل اللغط والجدل الذي رافق ذلك حول اهتزاز أدائه والاتهامات التي طالته من الجانب الجزائري، بالانحياز لطرف على حساب الآخر قد يمثل بارقة أمل جديدة لكل شعوب ودول المنطقة.
وبهذا المعنى فهو لا يمكن أن يعد لا نصرا للدبلوماسية الجزائرية، ولا فشلا أو انتكاسا لنظيرتها المغربية، رغم ما قوبل به الإعلان من ابتهاج وارتياح واضحين في الأوساط الإعلامية في الجزائر، إذ لم يكن متوقعا أن يستمر الحال على ما هو عليه لمدة أطول، ولا أن يصدر أيضا قرار بتمديد مهام البكوش لفترة أخرى، لا بمبادرة من سلطات بلاده، ولا باقتراح من باقي الدول الأعضاء في الاتحاد، كما أنه لم يكن ممكنا أن يغادر الرباط، من دون أن يكون هناك خط أخضر وموافقة واضحة من جانب السلطات المغربية على ذلك.
خروج سياسي مخضرم مثل الطيب البكوش من المشهد المغاربي، بعد شهور طويلة من تجازوه السقف الزمني المحدد لانتهاء عهدته قد يمثل بارقة أمل جديدة لكل شعوب ودول المنطقة
والواقع أن الفاعلين الأساسيين في الموضوع كانا الجزائر والمغرب. لقد حدث تقاطع نادر بين حسابات كل واحد منهما وتقييمه لمصلحته في الحفاظ على ذلك الهيكل الإقليمي، ما قاد إلى نوع من التوافق الضمني على مسألة تعويض البكوش وبالتالي إزالة واحدة من العقبات التي كانت تعطل الاتحاد المغاربي من الداخل. ولعل هناك من سيقول الآن وهل بقي هناك أصلا ما قد يتوافق عليه الغريمان اللدودان، بعد أن تفرقا واختلفا تقريبا على كل شيء، بدءا من رسم على قميص رياضي، وانتهاء بطبق كسكس أو قطعة زليج؟ لكن من قال إن الاستثناء لما بات يعد، وللأسف الشديد، قاعدة ثابتة، قد فقد تماما ولم يعد موجودا بالمرة؟ أليس هذا واحدا من الأدلة التي تؤكد ذلك؟ ففي غمرة الخلافات والمشاحنات والصراعات المحتدمة بين الجزائريين والمغاربة، التي تمتد على أكثر من ثلاثين عاما، كانت المفارقة هي أنهما توصلا أخيرا للتوافق على الشخصية التي ستعهد إليها في السنوات المقبلة إدارة منظمة إقليمية ينتميان إليها هي اتحاد المغرب العربي. لقد تم الأمر بشكل سريع ومفاجئ، لكنه لم يحدث بطريقة اعتباطية، أو بمحض الصدفة رغم أن الملابسات والحيثيات التي جرى فيها تبقى إلى الآن غامضة وغير معروفة. والسؤال الذي قد يطرحه كثيرون هنا هو، ما الذي جعل البلدين يتفقان على إزاحة البكوش في هذا الظرف بالذات؟ وكيف أمكن لهما أصلا أن لا يختلفا مثلما دأبا على ذلك، ولو على ما قد ينظر إليه البعض على أنه مجرد تفصيل هامشي أو بسيط، أي اختيار الشخص الذي سيرأس الأمانة العامة للاتحاد؟
الثابت هو أن الإعلان عن تعيين الدبلوماسي التونسي طارق بن سالم في تلك الخطة، خلفا للطيب البكوش الذي انتهت عهدته منذ عدة شهور، لم يكن ليحصل لو لم يتم تقارب في وجهات النظر بين الجزائر والمغرب حول ذلك. أما كيف جرى الأمر؟ فالبيان الذي أصدرته الخارجية التونسية الاثنين قبل الماضي لم يتطرق إلى المسألة لا من قريب ولا من بعيد، واكتفى بالإشارة إلى أن ذلك التعيين «يأتي وفقا لمقتضيات معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي لسنة تسع وثمانين وتسعمئة وألف وباقتراح من رئيس الجمهورية قيس سعيد، وبعد موافقة جميع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد»، من دون أن يضيف مزيدا من التفاصيل ويشرح مثلا كيف أمكن لأولئك القادة الذين لم يجتمعوا منذ عدة عقود، أن يوافقوا على ذلك الترشيح؟ وهل تم ذلك مثلا من خلال القنوات الدبلوماسية، وبالاتصال الثنائي بين الجانب التونسي وكل دولة على حده؟ لقد ظل العائق الموضوعي أمام استبدال البكوش الذي انتهت عهدته الصيف قبل الماضي هو عجز الدول المغاربية عن تنظيم قمة تسمح لهم بتصعيد بديل له، فقد كان أحد بنود معاهدة مراكش التي قام على أساسها ذلك الاتحاد ينص على أن «لمجلس الرئاسة – وهو يتألف من رؤساء الدول الأعضاء كما ينص بند سابق – وحده سلطة القرار. وتصدر قراراته بإجماع أعضائه»، ولطالما نبه البكوش نفسه إلى ذلك العائق، واستفاد منه في الوقت نفسه، حتى يواصل رئاسة الأمانة العامة لما يقرب من سنتين بعد انتهاء عهدته. والسؤال هنا هو كيف أصدر مجلس الرئاسة الذي لم يجتمع منذ عقود مثل ذلك القرار؟
يذكر البيان التونسي هنا أمرين وهما، أن التعيين تم وفقا لمقتضيات تلك المعاهدة، أي معاهدة مراكش، ثم إنه تم «بعد موافقة جميع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد». ومن دون الدخول في جدل قانوني بحت حول مدى مشروعية اتخاذ إجراء ما دون انعقاد مجلس الرئاسة، فإنه من الواضح أن الإرادة السياسية للدول المغاربية يمكنها أحيانا أن تتغلب على أي عائق تشريعي، لكن من المؤكد أيضا أن أكبر عقبة ظلت تقف أمام تلك الإرادة هي الخلافات والصراعات المزمنة بين الجارتين الجزائرية والمغربية، ما يعيدنا من جديد إلى ضرورة وجود تفاهم بينهما على تلك الخطوة. لكن هل توسط طرف ما بين الجانبين؟ وكيف أمكن لتونس التي تتميز علاقتها مع الرباط منذ سنتين بنوع من الفتور والبرود أن تنجح في ذلك المسعى؟
إن الوسيلة التي حلت بها العقدة تبقى اليوم غامضة، لكن هل وجد البلدان المغاربيان نفسهما، أمام حتمية القيام بذلك التغيير؟ لقد طالب الجزائريون ومن دون شك ومنذ فترة من التونسيين بأن يقوموا بتعيين دبلوماسي آخر بدل البكوش، غير أن الإشكال الذي كان يواجههم هو كيف يمكنهم أن يجازفوا بتقديم مرشح ما دون أن يحصلوا على ضمان قوي بأن لا تعترض عليه الرباط. والواضح أن حدوث مثل ذلك السيناريو كان يعني بالنسبة لهم نهاية التوافق غير المكتوب الذي حصل عند توقيع معاهدة مراكش على أن يترأس تونسي الأمانة العامة للاتحاد المغاربي، وبالتالي إعادة خلط الأوراق والمرور إلى مرحلة أخرى بعد التجميد وهي نسف الاتحاد وانحلاله التام. ولعل أهم نقطة كانت السياق الذي تمت فيه العملية. إذ أنها جاءت بعد أقل من شهرين من عقد أول اجتماع لقادة ليبيا وتونس والجزائر ضمن الاجتماعات الدورية التي اتفق عليها في الجزائر في مارس/آذار الماضي للبحث عن تكوين تكتل مغاربي جديد بما قد يشير ضمنيا إلى تراجع أصحاب تلك الفكرة عنها. لكن هل سيغير تعيين أمين عام جديد من الواقع شيئا؟ ربما ستكشف الطريقة التي سيستقبل بها طارق بن سالم في العواصم المغاربية جزئيا عن ذلك.
كاتب وصحافي من تونس
ربما يمكن للكاتب أن يفيدنا بمعلومات إضافية و حصرية بما أن تونس هي التي أعلنت الخبر و بحكم أنه تونسي أيضا.
المسألة بسيطة جدا …
أولا البكوش إنتهم مدة ولايته مند زمن …
ثانيا بوجود البكوش أو بغيره فالإتحاد ميت سريريا…
ثلثا سياسة المغرب براغماتية ولا تعنيه الصراعات المجانية خصوصا في مواضيع لن يكون لها تأثير على قضاياه … لذلك فبالنسبة له تغيير البكوش بشخصية تونسية أخرى في منصب الأمين العام لإتحاد هو أصلا موقوف التنفيد لن يشكل له موضوع لصراع أصلا لا فائدة منه
شكرا للكاتب نيزار و گأنه يريد لم شمل الأتحاد من جديد . يا أخي الأتحاد اقبر من زمان والان حل محله الاتفاق الثلاثي الذي بدأ نتائجه الملموسة تظهر للعيان في انتظار إنتخابات موريتانيا للحاق بهذا التكتل المبارك .قضية الصحراء الغربية اثرت كثيرا على علاقات المغرب بموريتانيا و الجزائر لا يمكن إقامة إتحاد دون حل اممي يكفل للشعب الصحراوي تقرير مصيرهم.
الشعب الصحراوي هو الشعب المغربي ليس لدينا فرق بين مراكشي وفاسي وأمازيغي ودكالي وجبالي وصحراوي ، الكل شعب مغربي أصيل
اي اتحاد ان لم يكن فيه احترام تام للدول الأعضاء فهذا ليس بالحادث اكثر ما هو ضحك على الشعوب و تقدير للمال العام بدون جدوى .
اكثر من نصف قرن و الجارة تتحرش بحدودنا و تدعم انفصال جزء من خريطتنا بينما ترفضه على خريطتها أليس هذا بالنفاس البين.
لا اتحاد و لا هم يحزنون نفضل إخواننا في أفريقيا على هذه الشردمة المجرمة التي امعنت في قتل شعبها بالآلاف.
ماذا سننتظر من هذا النظام المجرم .
فليدعبوا هم واتحادهم إلى الجحيم
كيف يكون في الاتحاد المغاربي عضوا حليف لدولة عدوة لجميع اعضاء الاتحاد.
…تكوين تكتل مغاربي جديد بما قد يشير ضمنيا إلى تراجع أصحاب تلك الفكرة عنها…. يا سيدي هل من تصريحات من إحدى العواصم الثلاث حول هذا الموضوع.
واضح جدا ان تغيير الامين العام من نتائج الاجتماع الثلاثي الذي حرك المياه الراكدة ، وليبيا لعبت دور التواصل مع المغرب وموريتانيا .
في نظري ليس هناك اي توافق بل ضغط بناءا على معطيات رسمية مارسته الجزائر مع اخواتها تونس و موريطانيا و ليبيا فارغم الجانب المغربي على الاذعان لمطالبهم اما بخصوص اسباب الخلاف الحقيقي فلقد جنت براقش على نفسها و ما عليها سوى تحمل نتائج سياستها ابتداءا من حادثة مراكش ابن فرضت الفيزا على الجزائريين اين قوبلت بغلق الحدود و انتهاءا باخراج مخابراتها في اليوتيوب ليصرحوا انه سوف يتم فرض اتاوات جديدة على انبوب الغاز المار في اراضيهم و احتمالية عدم تجديد العقد ما حذا بالسلطات الجزائرية الى قطع كل اشكال الابتزاز و الغاء كلي العمل بهذا الانبوب الجزائري الاسباني المار في المملكة
لا يمكن باي حال من الاحوال العودة الى هذا الاتحاد ولاول مرة اغلب الشعب الجزائري غير قابل لاتحاد المغرب الذي لا يخدم الا اسرائيل
ما الذي جعل البلدين يتفقان على إزاحة البكوش في هذا الظرف بالذات؟
التساؤل السالف طرحه الكاتب ولم يجب عليه. وبعيدا عن العواطف، والتمنيات، وتأسيسا على المعطيات الثابتة، إليكم الإجابة الشافية.
المغرب وافق مكرها على التخلي عن البكوش لأنه أصبح يضر بمصالحه، ويأمل بموافقته على طارق بن سالم استمالة الأخير، ثم تونس والجزائر لعل ذلك ينفخ الروح في جثة الإتحاد المغاربي ويعجل بوفاة المولود الجديد كما يأمل في ذلك وكثيرون.
أما الجزائر فبموافقتها ستعطي الانطباع لخصومها كما صرح بذلك رئيسها أن “الثلاثية” ليست بديلا عن الاتحاد المغاربي، لتصرف عنها صراخهم ومكائدهم إلى حين أن يشتد عود المولود الجديد.
ولأن قرار نفخ الروح في جثة الإتحاد المغاربي في يد جبريل، ممثلا في الجزائر، فإنه من المستحيل بعد التصريحات التي صدرت من أعلى المستويات في الجزائر، ممثلة في رئيس الجمهورية وقائد الأركان ووزيري خارجيتها السابق والحالي أن تعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها في المنظور القريب، وفي ظل النظامين الحاليين، فضلا عن جمود العلاقات بين المغرب وتونس، وهواجس موريتانيا من المغرب.
وبالتالي فإن موافقة الجزائر هو فقط لإعطاء الصبغة الشرعية لإعلان وفاة الإتحاد المغاربي بصفة رسمية والإشراف على توزيع تركته على ورثته.
لا توجد أي هواجس موريتانية تجاه المغرب.. بل
تعاون وضيط.. والشاهد هو مشروع نقل الغاز
من موريتانيا والسنغال عبر المغرب الى أوروبا…
وهذا ما يزعج البعض… لأن نقله سبتم عبر
الصحراء المغربية.. ما بفسر محاولات الاستقطاب
والضغط على موريتانيا من أجل الانضمام للاتحاد
المصغر… ما يفسر امتناع موريتانيا… وموريتانيا ليست
دولة قاصر.. ولا اخت صغرى لأحد.. وتعرف اين
مصالحها..
أحسنت تحليل أقرب إلى الصواب كفيت ووفيت …ضف إلى ذلك الصحراء الغربية ستكون العضو الخامس في الاتحاد الجديد مع موريتانيا و يكتمل التكتل.
إبن الوليد، نعرف أشخاص موريتانيين كثر ويتوجسون من المغرب كثيرا…، آخرها سنة 2022 قيل أن وجودها خطأ تاريخي وجزء من المملكة وقيل الكثير،فلا داعي للتبرير، أما عن الغاز فسوناطراك موجودة هناك وعملت عقود وطريق الزويرات على الأبواب.