قيل إن مجموعة (أم بي سي) الإعلامية، أنتجت عملا دراميا عن الشخصية التاريخية والإسلامية معاوية بن أبي سفيان، وأنه أصبح جاهزا للعرض في شهر رمضان المقبل. ويبدو أن الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، أعلن اعتراضه على هذا العمل الفني في تغريدة على موقع تويتر، متمنيا على القائمين على المحطة التراجع عن عرض المسلسل، لأنه يجرح مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، على حد قوله. ومن الواضح أن هذه التغريدة تُذكّر بشكل يقيني بالقطبية المرتبطة بالخلافات بين المذاهب الإسلامية، وعليه فإنها تعتبر أن هذا العمل الفني يمثل رؤية المذهب الآخر، تبعا للدولة التي تملك هذه القناة الفضائية، وليست رؤية المذهب الذي يعتنقه صاحب التغريدة. ولأن الرجل يعمل في السياسة أيضا، فهو يعتقد أن هذا النوع من الأعمال الفنية، تكون له نتائج سلبية على التطور الحاصل في العلاقات العراقية مع السعودية، ودول الخليج بشكل عام.
في حين أن المصادر القريبة من العمل، أكدت أن المسلسل، يتناول شخصية معاوية من الجوانب الإنسانية والحياتية فقط، وأنه عمل درامي إبداعي وليس حصة تتناول أحداثا معينة، بشكل يداعب الغرائز لأهداف سياسية أو دينية، إذن لماذا الاعتراض قبل عرض العمل؟
المشكلة الاساسية في هذا الموضوع ليست في الشخصية التي يدور حولها هذا العمل الفني، بل في الروايات المذهبية التي اكتسحت المخيلة الجماعية منذ قرون، وقد ازداد تأثيرها بعد المنخفض السياسي الذي خيّم على المنطقة بعد الثورة الإيرانية عام 1979، ثم تعزز بصورة أكبر بعد غزو واحتلال العراق، حيث أُنشئ الكثير من الفضائيات الطائفية من كلا الطرفين، كل واحدة منها تنفخ في قربة رواياتها التي تتعارض مع روايات الطرف الآخر، وبالتالي أصبحت هذه الروايات جزءا منا، وأصبحنا نحن أيضا جزءاً منها، رغم الفارق الزمني بين واقع الشخصيات موضوع الاختلاف وواقعنا الحالي. كما تحولت إلى قضايا فكرية كُبرى، وأصبحت موضع اهتمام كل مجالات البحث والتفكير المذهبي. فرانت تداعياتها الوجودية والاجتماعية والسيكولوجية والوجدانية على الإنسان أولا كذات، وثانيا على نوع العلاقات التفاعلية التي تحصل بين الذات والآخر، وكذلك تأثيرها في الثقافات والمجتمعات. وقد بدأت هذه الروايات تثير القلق، ومصدر هذا الشعور أساسه أن هذا الموضوع منفلت على الفهم ويخضع لتحولات، وانعدام الفهم يتصاعد ويتنامى بفضل وبسبب الكثير من الآراء والأقاويل والتفسيرات، التي في كثير من الأحيان تكون شخصية وليست صادرة من مراكز فقهية أساسية. بالتالي الطبيعة الانزياحية لهذه الروايات تجعل المرء أمام نوع من أنواع العجز على التمكن من الوصول إلى مصداقيتها والقبض على مضامينها وأبعادها وخلفياتها، وأيضا عن الرهانات التي تشتغل جهات كثيرة عليها من أجل التأثير في الأدمغة والأذهان وفي الإنسان والمجتمعات، لذلك يصبح رفض تناول شخصية تاريخية ما في عمل درامي، هدفه التشويش على النظر كي تبقى الاسطورة القائمة حولها صالحة للاستعمال.
مجتمعاتنا اليوم باتت مُعرّضة لاجتياحات تمارسها سلطات مجتمعية طائفية ومذهبية، وهذه الاجتياحات تحاول وضع خطوط حُمر أمام أشياء كثيرة، ومنها الاعمال الدرامية التي تتناول شخصيات تاريخية، لأن العمل الدرامي التاريخي يُحفّز المتلقي على البحث والدراسة والاستقصاء والمقارنة، بين ما وصل اليه سابقا، وما وصل إليه بجهده الحالي في البحث، فالأعمال الدرامية هي فكر بصري يشتغل على الإنتاج البصري، بكل المستندات التي تعمل على خلق هذا الذي يُسمى بالعمل الدرامي، كما أن هذا الفكر يدعو إلى استنهاض كل ملكات الإنسان، سواء كان عقلا أو مخيلة أو إحساسا أو إدراكا، أو أي شيء آخر يمكن للإنسان أن يُعبّئهُ من أجل أن يجد الحقيقة في الشيء الذي يبحث عنه. كما أنه يُركّز الوعي برهانات العمل الدرامي، ويُحفّز عناصر المقاومة والصيانة الذاتية إزاء هذه الأمور التي هي طاغية على الوعي المجتمعي، فبعض الظروف الاجتماعية والسياسية التي يمر بها مجتمع ما، تجعل الحواس والجسد هي التي تؤثر في عملية الإدراك وتختفي العقلانية تماما. وواضح اليوم أن هناك نوعا من أنواع التشويش والتلوث الذي يمس الحواس، سواء السمع أو البصر، بحكم المؤثرات المذهبية والاجتماعية والسياسية. وكل هذه تجعل الإنسان بصدد ضياع ـ نوعا ما ـ القوة الادراكية التي يمتلكها، بما يُعرض عليه من روايات تاريخية. كما أن هناك نوعا من أنواع عناصر إضعاف درجة الانتباه لما نسمع ونرى. إن الاعمال الدرامية الرصينة بقدر ما هي فضاءات للترفيه والتسلية ونسيان الذات، حينما نكتشف في العمل الدرامي روايات وحكايات، وربما نتماهى مع شخصيات وأبطال، بقدر ما هي هكذا ولها هذا الدور، بقدر ما تُقرّب بين الاتجاهات وتُقلّص الفوارق والاختلافات وتُزيح البداهات الزائفة. فهذه البداهات ربما لم تكن موجودة بالصيغة نفسها في الماضي، وفي الواقع الذي كانت تعيشه وتفعل فيه الشخصية موضوع العمل الدرامي. لكنها انتشرت بفعل الكتابات التي راجت بين البعض، خاصة أن العامة من الناس يتوهمون بأن ما يُقال هو الحقيقة، التي لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين أيديها. بينما هناك الكثير من الأمور مُغيّبة أو تم تغيّيبُها، فيما يتعلق بمسيرة هذه الشخصية التاريخية، أو الدينية، أو الاجتماعية أو السياسية أو غيرها. وهذا هو مجال فعل الأعمال الدرامية التاريخية الرصينة، التي من شأنها أن تُثير المشاهد وتُطلعهُ على ما هو مُغيّب في الضمير الديني، أو الضمير المذهبي. فتغيير زاوية نظر المشاهد يمكن أن تجعله يكتشف أن ما سمعه أو قرأه من خلال زاوية النظر السابقة، هو في الحقيقة نوع من الإنشاء البشري الذي جعل منه بديهيات، فالاعمال الدرامية الرصينة ليس هدفها إعادة تفسير أو تأويل البداهات الدينية أو المذهبية، بل النظر إلى هذه البداهات من زاوية أخرى، تاركة الحكم الأخير للمتلقي.
أن مجتمعاتنا اليوم بحاجة الى سيادة التُراث وليس سيطرة التُراث، فالتُراث يكون حيويا ويمكن إعادة البناء عليه، وإعادة ابتكاره عندما يكون سائدا، أي حرية قراءته ومشاهدته في أعمال درامية، لكن أن يتحول التراث إلى سلطة، فذلك يعني تسلّط التأويلات المتنافسة بين الطوائف والمذاهب. وعندما تتصارع هذه التأويلات، تتصارع بالمذاهب والطوائف، إذن على الجميع أن يسمح للتراث بالسيادة لا بالتسلط، وأن تُترك للمُتلقي حرية كيف يُدركه، ويبني عليه، ويستخلص منه قيما وأفكارا، وأن يشكل منه دلائل خاصة به، يتبادلها مع الآخرين كي يبقى التعايش قائما بين الجميع. السؤال الاخير، إذا كان عرض المسلسل سيجرح مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حسب نص التغريدة، ألم تستبق التغريدة ذلك الجُرح بجَرحْ مشاعر المسلمين، من خلال الكلمات والتعابير التي وصفت بها شخصية العمل الدرامي؟
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
عزيزي المحترم د. مثنى عبد الله , أفخر بأني لست مستقلاً فأنا دينياً من أتباع أهل النبي محمد صلوات الله عليه و عليهم أجمعين و هم أهل الكساء و بهم باهل أهل نجران حسب نص آية المباهلة الكريمة و الله يحشر المرء يوم القيامة مع من يحب , و سياسياً , أنا من أتباع أمة الجهاد و المقاومة و الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية و خاصة مع شخص محترم مثلك , تحياتي .
شكرا جزيلا أخي علي على الرد . شكرا على تفاعلك معنا في هذا المقال . أكيد لا خلاف بيننا . هناك فقط أختلاف في الرؤى وهذا من حقك ..مع خالص التقدير
أٍذا كان المسلسل يعتمد ابراز الجوانب الانسانيه من حياة معاويه فهل سيذكر لنا ان امه ,
آكلة الكبود كانت من صاحبات الرايات
هذا كذب ! إتقِ الله !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
للأسف التاريخ والموروث الاسلامي مليئ بالمغالطات وتشويه الدين. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، انها اصبحت عاحزة عجزا شبه تام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال. وذلك اضافة الى التناقضات الكثيرة في كتب الموروث الديني، مع ايات التنزيل الحكيم، سواء بين الطوائف المتعدده او ضمن الطائفة الواحده، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي واختلاف طوائفه وتناحرها. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة وعلماء المسلمين (الاوائل والمعاصرين ومن مختلف الطوائف)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي عليه السلام وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المنصوص عليها في كتاب الله تعالى، والتي تؤكد أن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل ما حرمه علماء الفقه في كتبهم (أو ادّعوا أن الرسول عليه السلام حرّمه) خارج المحرمات الالهية المبينة في الايات المذكوره ما هو الا منهيات او محظورات لاترقى الى درجة التحريم.
ملاحظة لطالما راودتني أثناء زيارة المغرب و بالظبط مدينة وجدة الملقبة بمدينة ” ألف مئذنة ” و طبعا فمآذن تزين المساجد و لكل مسجد إسم .. و بصفتي مهتم بتاريخ المغرب وتراثه .. فأنا أعرف مئات مساجد وجدة ولكل مسجد إسم أغلبها سمي على إسم صحابة كرام مثل أبي بكر وعثمان وعلي و عمر و عمر بن عبد العزيز .. و مساجد سميت بأسماء من قبيل الرحمة والنور و الرضوان .. و لكن في المحصلة ليس هناك مسجد واحد سمي بإسم ” معاوية بن أبي سفيان ” و أعتقد أن الأمر يتعدى مدينة وجدة في المغرب فليس هناك في فاس ولا في الرباط ولا في الدار البيضاء بطولها و عرضها مسجدا يحمل إسم ” معاوية بن أبي سفيان ” .. هذا ربما يدل على أن صورة الرجل تاريخيا و في المخيال الشعبي صورة ارتبطت بإغتصاب الخلافة و مقتل أحفاد النبي صلى الله عليه و سلم …
د. مثنى اول مرة اسمع ان اهل المغرب العربي يطلقون اسم معاوية على ابناءهم !! انا مغربي ولم اسمع او صادفني اي مغربي يحمل اسم معاوية ! لكن اسم سفيان رغم قلته موجود. رغم اني من من يرفض خروج معاوية عن بيعة علي بن ابي طالب رضي الله عنه الا اني لا أكثرت كثيرا لهذا النقاش فهو من التاريخ و يجب على المسلمين تجاوز هذه الامور وخصوصا ان العلماء والفقهاء لم يحسمو فيها. يجب اعادة قراءة الثرات الاسلامي من منطلق اكاديمي تاريخي محض و تنقيته والاعتماد حتى على كتاب التاريخ غير المسلمين
أخ هشام أنت تطلب إعادة قراءة الثرات الإسلامي من منطلق أكاديمي تاريخي محض و تنقيته والاعتماد حتى على كتاب التاريخ غير المسلمين – يا أخي العزيز هناك من لم يحصل لهم أن قرأوا التراث الإسلامي أصلا حتى ترتقب منهم إعادة قراءة هذا التراث ، لا شك في أنك تطلب أمل إبليس في الجنة !!!
إنقلاب معاوية على شرعية الخلافة الراشدة بالقوة وتسببه في قتل الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب وقتل الحسن حفيد النبي صلى الله عليه وسلم بالسم ، وقتل إبنه اليزيد الحسين وحز رأسه ، وإلغاء الخالفة الراشدة وإحلال الحكم الوراثي العشائري القبلي القومي المستند لفصيلة الدم لا لاختيار المؤمنين وبيعتهم ، ليس نتاج الخلاف بين قطبي المذاهب سنة وشيعة ، وإنما حقيقة تاريخية تقر بها كتب السنة وأعلامها قبل كتب الشيعة وأعلامها ، وسنة الانقلاب والتوريث وقتل الحكام الشرعيين التي سنها معاوية لا زالت سارية ليومنا هذا على أيدي حكام العرب إلى يومنا هذا دون أي تغيير ولا تحويل ..
نحن نستدعي التاريخ لنعيش أخطاءه
ونستدعي أحداث التاريخ لنعيش بها حاضرنا لنزيد الآلام على الآلام … ولذلك يمثل لنا أي مسليل تاريخي إعادة التاريخ ونبش الجراح التي لم تصنعها الأحداث بقدر ما صنعها الفكر المذهبي الطائفي والتعصب المقيت ولذلك جاءت التغريدة لتقرأ المسلسل من زاوية معينة …ولو كان مسليلا للتيار الطائفي المقابل لصدرت تغريدات تطلب عدم بث هذه المسلسلات لأنها تنبش الجراح
وهكذا نعيش التاريخ لا لنيتفيد منه بل لنعذب أنفسنا مرات