تونس – الأناضول: تظهر الأرقام التي أعلنتها الحكومة التونسية في وقت سابق الأسبوع الماضي أن ميزانيتها المقترحة للعام المقبل أعلى بنحو 3.3 في المئة من ميزانية العام الحالي.
وحسب وزيرة المالية لتونسية، سهام البوغديري نمصية، ستبلغ قيمة قيمة النفقات في الميزانية 78.2 مليار دينار (25.2 مليار دولار) مقابل نحو 77 مليار دينار (24.96 مليار دولار)، وسيبلغ عجزها 10.1 مليار دينار (3.2 مليار دولار) وسيتم تمويله أساسا عبر الاقتراض الداخلي بشكل رئيسي مقابل تقليص الاقتراض الخارجي.
ووفق أرقام معلنة ستعمل الدولة على مضاعفة قيمة قروضها الداخلية، مقابل تخفيض القروض الخارجية.
وأظهر مشروع الميزانية أن الدولة ستسدد في 2025 نحو 9.7 مليار دينار (3.14 مليار دولار) من الديون الداخلية و8.4 مليار دينار (2.72 مليار دولار) من الديون الخارجية.
كما أظهر أن الحكومة سترفع الضرائب على الموظفين أصحاب الدخل المتوسط والعالي وعلى الشركات، وستخفض في المقابل الضرائب على أصحاب الدخل الضعيف.
غير أن الميزانية المقترحة لم تُدرِج المشاريع الكبرى التي تنوي الحكومة القيام بها، ولا مصادر تمويلها.
ويثير موضوع الاقتراض (داخلي أم خارجي) جدلاً في تونس بين الذين يرون أن الاقتراض الداخلي يقلص فرص النمو ويرهق البنوك المحلية، والذين يرون أن الاقتراض الخارجي يضع البلاد تحت ضغوط المقرضين.
وعن عدم إدراج تمويل المشاريع الكبرى في مشروع ميزانية العام المقبل، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي «عادة ما تلجأ الدولة إلى الضغط على هذا الباب وهو نفقات التنمية الخاص بالمشاريع الكبرى، نظراً للمصاعب التي تعترضها في توفير السيولة المالية الخاصة بنفقات العام».
وأضاف الشكندالي في مقابلة مع وكالة الأناضول «الدولة تلجأ إلى التقليص من هذا الباب نظراً للعوامل التي لا تتحكم فيها في تعبئة الموارد الخارجية».
وتابع القول «حالياً المشاريع التي تنوي الحكومة القيام بها خلال الفترة القادمة لم تبرز في وثيقة رسمية».
واقترضت الحكومة التونسية من القطاع المصرفي المحلي في 2024 نحو 21 مليار دينار (6.7 مليار دولار)، بزيادة 10 مليار دينار (3.15 مليار دولار) عن 2023.
واعتبر الشكندالي أن «هذا الاقتراض الكبير ستكون له تداعيات ليست بالجيدة، خاصة وأنه سيوجه إلى تمويل النفقات الاستهلاكية أي دعم الميزانية». وأضاف «الأصل، عندما يكون الاقتراض المباشر من البنك المركزي أن يوجه إلى نفقات التنمية أي إلى تمويل المشاريع الكبرى، وهذا ستكون له تداعيات جيدة ولكن ليس على المستوى القريب بل البعيد».
وقال أيضاً «الدولة ستلجأ إلى الاقتراض لسد العجز في المالية العمومية، نظرا للمقاربة التي يعتمدها الرئيس قيس سعَيِّد بالاعتماد على الذات، وتقليص الاقتراض الخارجي…هذه المقاربة ليست شاملة بالمفهوم الاقتصادي، لأن التعامل مع المؤسسات الدولية يوفر أولاً الموارد المالية بالعملة الصعبة بتكلفة قليلة حتى مقارنة بالتكلفة الداخلية لأن نسبة الفائدة مرتفعة جدا في تونس. وثانياً لأنه يُسَهِّل على البنوك التونسية وللبنك المركزي تحويل هذه السيولة لتمويل القطاع الخاص وبالتالي دفع النمو الاقتصادي».
وأردف الأكاديمي التونسي «عندما يتم الاقترض الحكومي من الداخل، هذا سيرهق القطاع البنكي ولا يمكنه من لعب دوره الأساسي وهو إقراض القطاع الخاص…وهذا ستكون له تداعيات على النمو الاقتصادي الذي سيتراجع ويُحدث ركوداً سيؤثر على الموارد الجبائية للدولة، بالتالي سيُسقِط سياسة الاعتماد على الذات التي تعتمد أساسا على الموارد الجبائية في الفخ».
وتقول الحكومة في مشروع ميزانية عام 2025 إن عدد موظفي الدولة بلغ 663 ألفا و757، وأقرت المواصلة في تشجيع الموظفين على التقاعد المبكر.
الشكندالي علق على ذلك واعتبره «مفارقة عجيبة مع أن الخيار هو عدم التوجه للاقتراض من صندوق النقد الدولي، ولكن في الوقت نفسه تتجه الحكومة التونسية إلى هدف أساسي يحبذه صندوق النقد الدولي وهو التخفيض في فاتورة الأجور». وأضاف «السيادة الوطنية والاعتماد على الذات، يمكن أن يحدث عندما نتفاوض مع صندوق النقد الدولي وتكون لنا رؤية اقتصادية نقنع بها الصندوق».
وتابع القول «ما وقع في السنوات الماضية، هو أن الفريق (التونسي) الذي يفاوض صندوق النقد الدولي كان يفاوض حول خفض النفقات، وليس على جودة السياسات الاقتصادية».
من جهة ثانية شكك الخبير الاقتصادي في إمكانية تحقيق نسبة النمو التي يتوقع مشروع الميزانية تحقيقها وهي 3% «لأن وزارة المالية لم توضح كيف ستحقق هذه النسبة».
وأضاف أن توقعات «صندوق النقد الدولي» لنسبة نمو تونس هي 1.6%هذه السنة واستقرارها السنة المقبلة.
وتعاني تونس أزمة اقتصادية نتيجة سنوات صعبة مناخيا أثرت على المنتجات الزراعية، وتبعات تضخمية تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا قبلها.
وفي ظل ذلك، تشهد تونس منذ أكثر من 3 سنوات عجزا في مواد وسلع أساسية، حتى أن صيف 2023 شهد طوابير طويلة أمام المخابز للحصول على الخبز، فيما تستمر ندرة مواد مثل السكر وزيت الطبخ المدعوم.
ولا يزال التضخم مرتفعا في البلاد عند مستوى 6.7 في المئة في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو أعلى من المستهدف البالغ 2 في المئة.
ويتوقع البنك المركزي أن يسجل التضخم حوالي 7.2 في المئة في كامل 2024، مقابل 9.1 في المئة في 2023.