■ واشنطن – د ب أ: على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في نيودلهي يومي 8 و9 أيلول/سبتمبر الماضي، أبرمت الولايات المتحدة، والهند، وإسرائيل، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي اتفاقية إستراتيجية مهمة للربط بين بعضها البعض، وهي الاتفاقية التي أطلق عليها اسم «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا».
وأوضح الكاتب الهندي أبهيناف بانديا، في تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنتِرِست» الأمريكية أن «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا» هو عبارة عن مشروع متعدد الوسائل للربط بين الدول المشاركة فيه، ويتألف من سكك حديدية وروابط بحرية، تشمل ممراً شرقياً يربط الهند بغرب آسيا عبر البحر، ثم ممراً شمالياً يربط غرب آسيا بأوروبا.
ووفقاً لبيان حقائق صادر عن البيت الأبيض، يهدف هذا الممر الاقتصادي الطموح إلى ربط المراكز التجارية، ومد كابلات تحت البحر، وتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة، وتوسيع خطوط الاتصالات وشبكات الطاقة، وتعزيز تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وتحسين وصول المجتمعات المحلية إلى شبكة الإنترنت.
ومن خلال النقل الفعال من حيث التكلفة عبر الحدود ومن السفن إلى السكك الحديدية، من المتوقع أن يكمل هذا الممر الطرق البحرية والبرية الموجودة حالياً بطرق للسكك الحديدية وينشئ كابلات بيانات عالية السرعة وخطوط أنابيب لنقل الطاقة.
واقترح مبعوث الهند السابق إلى العديد من دول غرب آسيا السفير أنيل تريجونايات في مقابلة أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتمتع بإمكانات هائلة لبناء شبكات قوية للبنية التحتية والتجارة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز التصنيع، وضمان أمن الغذاء والطاقة، وتقليص الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وعلى الرغم من أن العديد من التفاصيل لم تحدد بشكل كامل بعد، سيربط الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بين ميناء حيفا في إسرائيل وميناء بيرايوس في اليونان بموانئ الفجيرة وجبل علي وأبو ظبي في الإمارات، ومينائي الدمام وراس الخير في السعودية. وهذه الموانئ بدورها سترتبط بموانئ موندرا وكاندلا وجواهر لال نهرو في الهند. وقال بانديا وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة «أوساناس»، وهي مؤسسة أبحاث معنية بالشؤون الجيوسياسية والأمنية مقرها الهند، وهو أيضاً مؤلف كتاب «التطرف في الهند: استكشاف»، أن حركة التجارة الحالية من الهند إلى أوروبا تمر عبر الطريق البحري، بشكل رئيسي عبر ممر قناة السويس. واعتبر أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يمكن أن يخدم كممر اقتصادي بديل وتكميلي، والذي وفقا لإحصاءات المفوضية الأوروبية من المرجح أن يقلص وقت السفر بنسبة 40% والتكلفة بنسبة 30%. ووصف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المشروع بأنه يمثل «شهادة على الجهد البشري والوحدة عبر القارات». كما أشاد به الرئيس الأمريكي جو بايدن بوصفه «اتفاقاً كبيراً حقاً».
ومن المتوقع أن تسهم الولايات المتحدة وأوروبا باقتصاداتها القوية والدول الخليجية بصناديق الثروة السيادية الضخمة التي تمتلكها بسخاء في تمويل المشروع. إلا أن الجوانب الأكثر أهمية لهذا المشروع ليست اقتصادية وإنما جيوسياسية، حيث يمكن أن يتعارض الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا مع «مبادرة الحزام والطريق» الصينية التاريخية وبالتالي النفوذ الإستراتيجي لجمهورية الصين الشعبية في الشرق الأوسط. وقال بانديا فيما يتعلق بالجانب الجيوسياسي للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، إن العلاقات المزدهرة بين بكين ودول الشرق الأوسط لم تسعد واشنطن لأن السعودية والإمارات وتركيا وقطر أعضاء في المبادرة الصينية.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضواً في المبادرة بشكل رسمي، فإن الصين تدير محطة ميناء حيفا وقد قدمت استثمارات ضخمة في البُنية التحتية والبناء والتكنولوجيا في إسرائيل. وتتنافس الشركات الصينية للفوز بعقد لبناء خط سكك حديدية في وسط البلاد.
وقد اعترض الأمريكيون على الوجود الصيني في ميناء حيفا نظراً لأن الاسطول السادس للبحرية الأمريكية يرسو هناك بانتظام، مما يجعله عرضة للتنصت والمراقبة من جانب الصين.
وأشار بانديا إلى أنه بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لديها علاقات متوترة مع تركيا وقطر بسبب تعاطفهما مع الكيانات الإسلامية النشطة، فإن تقارب الصين معهما يشكل خطوة إضافية في تقليص نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد رحبت إسرائيل في البداية بالاستثمارات الصينية، إلا أنها تشعر بالقلق الشديد من تحسين الصين لعلاقاتها مع إيران. والجدير بالذكر أن الصين وقعت في آذار/مارس 2021، اتفاق تعاون إستراتيجي لمدة 25 عاما مع إيران لتعزيز استثماراتها في قطاعات الطاقة والبُنية التحتية والدفاع في إيران. بالإضافة إلى ذلك، يقدم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لإسرائيل سببا إضافيا لتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
ورأى بانديا أنه بالنسبة للهند، يكتسب الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أهمية كبيرة لأمن الطاقة ولأمن مواطنيها المغتربين، حيث تستورد نيودلهي 53% من النفط و41% من الغاز من غرب آسيا.
كما يقيم في المنطقة 8.5 مليون عامل هندي مهاجر. في عام 2018، تدفقت من دول مجلس التعاون الخليجي الست 48.6 مليار دولار تحويلات مالية للهند من أصل 78.6 مليار دولار هي إجمالي التحويلات من المغتربين الهنود العاملين في مختلف دول العالم.
وتعد الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند، والسعودية رابع أكبر شريك اقتصادي لها. وبفضل اقتصادها سريع النمو وإئتمانها القوي الذي يمكنها من الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، تستطيع الهند المساهمة بدرجة كبيرة في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. كما تقيم الهند شراكة قوية وإستراتيجية مع إسرائيل.
ويرى بانديا أن «مبادرة الحزام والطريق» الصينية بدأت تصبح غير محببة في مختلف أنحاء المنطقة نظرا لبنودها المريبة و»شِراك الديون»، والتي تسببت في مواجهة بعض الدول الشريكة لركود اقتصادي وأزمات وخسارة أصول إستراتيجية في نهاية الأمر.
كما أن المشكلات المالية الداخلية في الصين تضر أيضاً بمصداقية اقتصادها. ويقدم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بديلا يتميز بالشفافية والمشاركة واحترام السيادة والسلامة الإقليمية، حيث تقوده دول ديمقراطية تؤمن بالمسؤولية المالية والجدوى الاقتصادية والمعايير التي تؤكد الحماية البيئية.
واختتم بانديا تقريره بالقول إنه على الرغم من العقبات الكبيرة، فإن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يعد فكرة تستحق الاستكشاف والدراسة.
ويحتاج العالم المضطرب بشكل متزايد إلى طرق إستراتيجية وسلاسل إمداد بديلة. ويمكن أن تنجح مبادرة ممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المتعددة الأطراف والقوية ماليا والقادرة تكنولوجيا إذا حظيت بالاهتمام والطاقة والموارد الكافية من داعميها.
مشروع مهم إن تحقق. لكنه لن يتحقق لأن حيفا مدينة فلسطينية وتنظيفها من البق الذي لصق بها منذ اكثر من 70 سنة أقرب مما يتخيله أصحاب المشروع..
موعدنا بعد سنتين..