هل عجّلت باريس بانتخابات الرئاسة في الجزائر؟

حجم الخط
13

في غياب عمل إعلامي جاد وبعد تكهنات عن احتمال تأجيلها وردود رسمية حادّة عن أنها ستجري في موعدها، قرر عبد المجيد تبون تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في الجزائر بداية الخريف المقبل.
شكَّل القرار نصف مفاجأة. النصف الآخر كان سرا معلوما.
يتمثل السر المعلوم (جانب اللامفاجأة) في كون تبون سيترشح لولاية ثانية وسينالها بسهولة مثلما نالها الذين سبقوه في استفتاءات تزكية أكثر منها انتخابات. هناك أسباب عدّة للجزم بأن تبون مقبل بحماس على ولاية ثانية، منها أن وسائل الإعلام الجزائرية، حكومية وخاصة، والمنصات الموالية للرجل تدق منذ شهور طبول ترشحه وتروّج بقوة لـ«إنجازاته» وخططه المقبلة.
لا تفسير لهذا التسخين سوى أنه حملة انتخابية سابقة لأوانها لولاية رئاسية ثانية.
إلى جانب الإعلام لم تتأخر الأحزاب السياسية (ذاتها التي سارعت للترويج لبوتفليقة وقبله زروال والتطبيل لـ«إنجازاتهما التاريخية») إلى الإشادة بالقرار «الحكيم» الذي اتخذه تبون والالتزام بأنها ستفعل ما بوسعها لإنجاح «العرس الديمقراطي» في السابع من أيلول (سبتمبر).
إضافة إلى أن الظروف الإقليمية تشجع أيّ حاكم على البقاء في الحكم أكثر مما تشجع على الزهد فيه والتداول على السلطة. وتبون لن يكون الاستثناء في منطقة تعجّ بالمتمسكين بكراسي القيادة إلى الموت بدواعي حفظ الاستقرار وصدِّ المؤامرات الخارجية ومواصلة مسيرة الإنجازات الكبرى.. إلخ.
وفوق كل هذا، لم يبدر من تبون ومحيطه ما يشي بأن الرجل زاهد في الحكم.
مع انتشار هذه الذهنية محليا وإقليميا، وحتى دوليا، يصبح عدم ترشح تبون لولاية رئاسية جديدة هو الاستثناء والمفاجأة التي تستحق الوقوف عندها.
ما يستحق فعلا النقاش في قرار تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، تاريخ الاقتراع وملابساته. يسبق السابعُ من أيلول (سبتمبر) المقبل الموعدَ الطبيعي والقانوني للانتخابات بحوالي ثلاثة أشهر. وبهذا لا هي انتخابات مبكرة فعلا ولا هي في موعدها القانوني.
هناك إشاراتان لا يجوز تجاهلهما في خصوص تاريخ الانتخابات: يعقب فوراً فصل الصيف وأثقاله، ويسبق بقليل زيارة تبون المقررة إلى باريس وملابساتها.

الظروف الإقليمية تشجع أيّ حاكم على البقاء في الحكم أكثر مما تشجع على الزهد فيه والتداول على السلطة. وتبون لن يكون الاستثناء

فصل الصيف في الجزائر، وخصوصا شهر آب (أغسطس) مرادف لمناخ لا يطاق واستسلام البلاد لخمول اجتماعي كبير وشلل إداري وسياسي تام. من الصعب تخيّل حملة انتخابية لاقتراع رئاسي تجري في هذا الشهر في المناطق الداخلية مثل الصحراء حيث تناهز الحرارة الخمسين درجة مئوية. أما في الشمال والساحل فإما رطوبة خانقة أو حرارة قاتلة، وأحيانا تجتمع الحرارة والرطوبة فتتحوّل الحياة إلى جحيم. من الصعب تخيّل الجزائريين يحضرون مهرجانات انتخابية أو يهتمون بأي حدث عام في مثل هذه الظروف حتى لو كانت انتخابات رئاسية مبكرة.
من الصعب أن ينجح الإعلام المحلي في إقناع الجزائريين أو إغرائهم بالمشاركة الإيجابية في انتخابات تجري في مثل هذه الظروف المناخية. علما أن العزوف الانتخابي أصبح ثقافة سياسية تتجذر سنة بعد أخرى في الجزائر.
هل تعمّد تبون ومحيطه اختيار السابع من أيلول (سبتمبر) لتمر الحملة الانتخابية والاقتراع وسط لامبالاة وملل، وبالتالي بلا مشاكل؟
بعد الاقتراع بأقل من شهر هناك زيارة رسمية (شغلت البلدين وانتُظرت طويلا) من المقرر أن يؤديها تبون إلى باريس. لو كانت الزيارة مقررة إلى جوهانسبرغ أو إسلام آباد أو أيّ عاصمة أخرى لَما اكترث أحد، لكن مع باريس يختلف الأمر. بل ليس من المبالغة التكهن بأن تاريخ الاقتراع اختير عمدا ليسبق الزيارة إلى باريس ويسهم في ضبط إيقاعها.
من المهم التذكير بأن الجزائر رفعت خلال السنوات القليلة الماضية سقف المناكفة والنديَّة مع فرنسا عاليا لأسباب بعضها وجيه وبعضها ليس كذلك. هذا السقف العالي يتبعه ثمن، وإذا جرت في غضونه زيارة رسمية فيجب أن تكون محكمة التنظيم والتفاصيل، لوجستيا وسياسيا، لا تشوبها شائبة.
الجوانب اللوجستية في متناول اليد وتحت السيطرة جزائريا، لكن الجوانب السياسية في حاجة إلى تكتيك وجهد يتضمن أن يزور تبون باريس رئيسا قويا غير منقوص. كيف؟ سيشعر تبون أنه في وضع أفضل على التفاوض مع الفرنسيين إذا زار باريس في بداية ولاية جديدة صلبة وليس في نهاية ولاية محفوفة بالشكوك والتساؤلات داخليا وخارجيا.. ماذا أنجز وماذا لم ينجز؟ هل سيترشح لولاية ثانية أم لا يترشح؟ النظام كله متوافق عليه أم لا؟ ما موقف المؤسسة الأمنية؟ ما هي نواياه تجاه المغرب؟
كانت مثل هذه الحسابات ستبدو من ضروب المبالغة لو تعلّق الأمر بزيارة رئاسية إلى أي دولة أخرى. لكنها في العلاقات الجزائرية الفرنسية ضرورية بل حاسمة حتى في الظروف الطبيعية. أما إذا تمت الزيارة بعد سنتين أو ثلاث من توتر العلاقات والصعود والنزول، تصبح هذه الحسابات أكثر من هامة، ليس فقط للجانب الجزائري وإنما أيضا للجانب الفرنسي كذلك. فالرؤساء الفرنسيون يفضلون زيارة الجزائر فور انتخابهم أو أثناء الحملة الانتخابية، ومَن لا يفعل يبقى «التقصير» محفوظا في دفتر رئاسته.
ولأن الطرف الزائر جزائري، وبالنظر لحساسية العلاقات الثنائية وتعقيداتها، فالزيارة تعني كل المجتمع السياسي الفرنسي، بيمينه ويساره ومعتدليه ومتطرفيه، ولا تعني الرئيس ماكرون وحكومته فقط.
كما هناك مزيد من الحساسية في الجزائر إزاء زيارة رئاسية إلى فرنسا تجري قبل ثلاثة أشهر من الاقتراع الرئاسي: الخوف من أن يقال في الجوار والخارج، وفرنسا تحديدا، أن تبون ذهب يطلب تزكية باريس. الأمر الذي قد يجعل السابع من أيلول (سبتمبر) أكثر ملاءمة للطرف الجزائري.
وإذا وضعنا كل هذه الاعتبارات جانبا، تبقى الجوانب العملية مثيرة للقلق هي الأخرى، وتحديدا ما يتعلق بمصير أي اتفاقات ومعاهدات تُوقَّع لو زار تبون باريس قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته ووسط غموض حول نواياه والانتخابات الرئاسية المقبلة.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ali:

    و مذا لو ألغيت الزيارة الي فرنسا في آخر لحضة و هذا وارد جدا.

    1. يقول SOUAD paris:

      ان الغيت الزيارة سيقولون تما دالك بي طلب من فرنسا ويتم زج انف باريس رغما عن انوف كل الدنيا ـ ـ يجب ان يدخل عقل كل جزائري ان الصحفي الحر هو الموجود في الخارج وانا يقتنع يقينا انه المعارض الحقيقي موجود في باريس ولا يمكن ان تكون معارضة في الجزائر ومن يحكم كدالك موجود في باريس ولندن عليك ان تتقبل الفكرة ولو اكراها . ان من في الخارج هو المعارض وهو الحر وهو الكوفئ المتمكن وفي نفس الوقت تقنع نفسك ان الحاكم كدالك وكل ما يقره ياتي من الخارج واشنطن باريس لندن . كيف لا وقد طردهم الحراك المبارك من الجزائر هم واللوبيات والشركات والجمعيات الفرنسية وزج بهم في السجون وصودرت املاكهم و اموالهم وحشرت لغتهم الفرنسية وانقطع نفودهم كما دكر مؤخرا السفير الفرنسي السابق في الجزائر

  2. يقول رشيد من الجزائر:

    تحليل معقول .صح فطوركم.

  3. يقول ملاحظ:

    تحليل واقعي منطقي ، تظهر أن فرنسا لا زالت قادرة على ضبظ الايقاع

  4. يقول حسن المغرب:

    مهرجانات انتخابية. أما الانتخابات في الوطن العربي غير موجودة بالمرة. فقط يظنون أنهم يخدعون شعوبهم. والشعوب أصلا لا تكثرث لها أبدا فهي تعرف من الفائز وتعرف حتى نسبة النجاح المزورة ونسبة المشاركة المزورة لإضفاء الشرعية المزيفة التي يعلم العالم كله أنها مزيفة. الشعوب العربية محكومة بالحديد والنار من طرف حكام محميين من طرف الغرب وينفدون أوامره. وهنا لا فرق بين زعيم وأمير وملك ورئيس وعسكري ووووووو.

  5. يقول سليمان الجزائر:

    تبون ليس بحاجة لفرنسا أو لغيرها فهو كسب قلوب الجزائريين إنجازاته العديدة خلال فترة قصيرة من توليه الحكم و خاصة الشباب منهم،

    1. يقول جمال:

      تبرك الله عليك

    2. يقول ملاحظ...:

      من فضلك اعطنا بعض الأمثلة.

  6. يقول عمي صالح من باتنة:

    اعتقد انه لا دخل لفرنسا في تقديم او تأخير انتخابات الجزائر ففرنسا اليوم اوهن من بيت العنكبوت. حتي ولو افترضنا جدلا انها تستطيع التحكم في دواليب سلطة الجزائر كما يحلو للبعض ان يكون . في هذه الحالات أعني قصر المدة التى تفصلنا عن انتهاء عهدة الرئيس تبون ثلاثة أشهر تقريبا هذه مدة قصير جدا لا اعتقد ان فرنسا و لا اي دولة أخرى ستحشر انفها في اشياء كهذه وهي في غنى عنه ٣ أشهر لا تساوي شي .ولا تستحق تدخل .في اعتقادي هناك احتمالات يقفان خلف تقديم الانتخابات هو أن الدولة الجزائرية ستدخل مرحلة مهمة لا تحتمل إجراء انتخابات خلالها .او ان تبون سيتنازل عن السلطة نتجة لخلافات عميقة داخل أجهزة الدولة الجزائرية .بالإضافة الي الرد من خلال تقديم الانتخابات علي الاشاعات التى انتشرت في الآونة الأخيرة وكانت وراها دول و معاهد اكادمية تقول ان هناك احتمال تأخير انتخابات الرئاسة وهذا السبب ضعيف ..

    1. يقول Nacer:

      تصريحات عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة إعادة الإعمار، حليفة الحكومة، هو أول من أشار إلى أن «فرضية» تأجيل الانتخابات مطروحة على الطاولة ، وليس دول ومعاهد خارج الجزائر. يبدو أن قرار تعجيل الانتخابات اتخذ حتى قبل ظهور فرضية التأجيل . رمضان كريم وكل عام وانتم بخير أن شاء الله.

  7. يقول م/ب اولاد براهيم:

    السؤال الذي يتبادر الى الذهن بعد كل هذا اللغط والتقويل والتسويف والتخمين والتأويل . قرار اتذه رئيس جمهورية منتخب تشرف عهدته على النهاية ومن منطلق الصلحيات التي خولها له الدستور . هل الجزائر وحدها في هذا العالم التي ستجرى فيها انتخابات رئاسية .؟ وهل هذا الجراء يخالف الدستور .؟ وماهو موقف الطبقة السياسية الجزائرية من هذا الاجزاء .؟ الى حد حزب واحد من 45 حزبا معتمدا لم تستجيب مع القرار ولم يطعن ولم ينكر وهو الارسيدي .. فلماذا كل اللغط والبهرجة والتيه في التأويل والتزمير .؟ ولو تجوز المقارنة بين ماحدث في السينغال ( التأجيل ) – وما يحدث في الجزائر التقديم . لفضلنا التقديم على التاجيل ..؟؟؟؟

  8. يقول محمد أمين:

    أظن أنه لم يعد أحد في الجزائر يعطي أهمية لفرنسا التي خسرت اسمها و قوتها و نفوذها في كثير من الدول و الشعوب

  9. يقول عالية:

    نتمنى أن يكون إلى جانب الرئيس تبون مرشّحٌ آخر، وأن تُفتح أمامه وسائل الإعلام العمومية، وأن يحظى بالدعم المالي من خزينة الدولة لكي يتمكن من تنظيم حملته الانتخابية بشكل متساوٍ مع الرئيس الذي ينافسه، وأن تجري الانتخابات في ظروف تطبعها الشفافية والنزاهة، وأن يصوِّت المواطنون الجزائريون وفقا لقناعاتهم الشخصية بعيدا عن كل إكراه. وإذا فاز حينئذ الرئيس تبون، فإنه سيؤكد للعالم أجمع أنه رئيس منتخب حقا من طرف الشعب الجزائري. لكن إذا حدث العكس، سيكون رئيسا مفروضا

اشترك في قائمتنا البريدية