هل فوتت إسرائيل فرصة القرن برفضها “مبادرة السلام العربية”؟

حجم الخط
1

قبل أكثر من 25 سنة قرر وزير الدفاع موشيه ديان بأن “شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ”. معظم الجمهور الإسرائيلي تبنى موقف بطل الحروب وسار بجموعه نحو بلدة الاستجمام التي تم تحويل اسمها إلى “أوفيرا”. وبعد مرور نحو 25 سنة على حرب فظيعة وزائدة كلفت إسرائيل آلاف القتلى والمصابين، يعود الجمهور الإسرائيلي إلى الانقضاض على العروض في “الشاطئ الذهبي” الذي أعيد لمصر في إطار الاتفاق. في هذا الأسبوع هبطت طائرة رئيس الحكومة نفتالي بينيت في مطار شرم الشيخ، الذي يرفرف فيه علم مصر بشكل استعراضي.

كان اتفاق السلام هو المرة الأولى والأخيرة حتى الآن التي تغلب فيها نموذج “الأراضي مقابل السلام” على صيغة “ولا أي شبر”. في السنوات الأخيرة تسيطر في إسرائيل حكومات تفضل “أريئيل” ومخيم شعفاط للاجئين بدون سلام على سلام بدون “أريئيل” وبدون مخيم شعفاط للاجئين. الاثنين الماضي، صادفت الذكرى العشرين على مبادرة السلام العربية التي اتخذت في قمة الجامعة العربية في بيروت، استمراراً لنشر “المبادرة السعودية”. المبادرة تقترح تحسين علاقات السلام مع مصر إلى تطبيع. في المقابل، مطلوب من إسرائيل الانسحاب من جميع المناطق التي احتلتها في 1967 (بعد ذلك تبنت الجامعة خيار تبادل الأراضي في الضفة الغربية وتنازلت عن المطالبة بالانسحاب من هضبة الجولان)، والسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع سيادة وعاصمتها في شرقي القدس. إضافة إلى ذلك، اقترحت المبادرة حلاً عادلاً لمشكلة اللاجئين يكون متفقاً عليه مع إسرائيل.

عشرون سنة وهذا الاقتراح ينتظر شريكاً، لكن إسرائيل لا ترد. خيار الدولتين آخذ في الانغلاق في هذه الأثناء، ومعارضوه آخذون في الازدياد. في كتاب “نظرة على المقاومة من الداخل”، الذي نشر في 2010، قال المخرب محمد عرمان، من كتائب عزم الدين القسام، إنه قبل بضعة أسابيع من مؤتمر القمة في بيروت تلقت كل خلايا المنظمة تعليمات من المستوى الأعلى في المنظمة لإحباط هذه المبادرة. وهكذا قبل بضع ساعات من مؤتمر القمة، حدثت العملية الانتحارية الأكثر صعوبة في تاريخ إسرائيل، قتل 30 شخصاً وأصيب 160 في الوقت الذي كانوا يجلسون فيه على طاولة عيد الفصح في فندق “بارك” في نتانيا، صور دبابات الجيش الإسرائيلي التي تشق الطريق بسرعة نحو مدن الضفة دفعت تقارير المبادرة الاختراقية إلى الزاوية. حماس حققت هدفها.

استعراض نشره البروفيسور المستشرق شمعون شمير في كراسة لمقالات حول المبادرة صادر من قبل مركز “شتاينميتس” لأبحاث السلام في 2010 يشير إلى أهمية كبيرة للخطوة العربية. شمير، الذي كان سفير إسرائيل في مصر وسفيرها الأول في الأردن، أكد أن قبول المبادرة بالإجماع من قبل جميع الدول العربية يعد انعطافة من الاتفاقات الثنائية التي تم التوقيع عليها حتى تلك الفترة إلى اقتراح لعملية سلمية متعددة الأطراف بين الدول العربية وإسرائيل. إضافة إلى ذلك، أشار شمير إلى أن المبادرة تقترح أن يكون اتفاق السلام نهاية للنزاع العربي – الإسرائيلي وليس فقط محو آثار عدوان 1967. كانت هذه المرة الأولى التي استخدم فيها العالم العربي مصطلح “علاقات طبيعية” مع إسرائيل.

اختتم شمير مقاله بكلمات “لقد حدث شيء ما في العالم العربي. الزعماء العرب توجهوا لإسرائيل في عرض سلام محترم: الكرة الآن في ملعب إسرائيل”. من الجدير أن يهمس هذا الآن في أذن رئيس الحكومة عندما يقوم شمير بمصافحته في الحفل الذي سيمنح فيه شمير جائزة إسرائيل لهذه السنة في مجال أبحاث علوم الشرق الأدنى.

الشعور بتفويت الفرصة الذي يشعر به شمير ويشاركه فيه المستشرقون الكبار في إسرائيل، مثل الدكتور ماتي شتاينبرغ، الذي كان المستشار الخاص لرؤساء “الشاباك” للشؤون الفلسطينية، يشبه رفض إسرائيل لهذه المبادرة برفض الدول العربية لخطة التقسيم. هو يعتقد أن رفض خطة السلام من العام 2002 التي حصلت على دعم منظمة الدول الإسلامية، إنما هو تنازل إسرائيلي عن فرصة لتقيم تحالفاً ثابتاً معها في النضال ضد الجهات المتطرفة في العالم العربي والإسلامي.

يبدو أن اتفاقات إبراهيم دليل على أن الدهر أكل وشرب على المبادرة العربية، ويمكن أيضاً عقد سلام مع العرب وأكل ثماره الحلوة، وفي الوقت نفسه مواصلة سرقة الأراضي وهدم البيوت لعرب آخرين. وبسبب تجاهل إسرائيل المستمر للمبادرة العربية، تحولت اتفاقات إبراهيم فعلياً إلى مصيدة عسل تعلق فيها إسرائيل وتتجاهل ثمن الجمود السياسي. عشية التوقيع على اتفاقات إبراهيم في البيت الأبيض في أيلول 2020 أعلن السكرتير العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أنه في النقاشات مع الدول الأعضاء في الجامعة تم التأكيد على أن المبادرة العربية هي مصدر السلطة الحصرية لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، لارتكازها على صيغة “الأرض مقابل السلام”.

 وأعلن وزيرا خارجية الأردن والسعودية بأن المبادرة العربية والقرارات الدولية (مثل القرار 242) هي الطريقة الحصرية لحل النزاع. وأوضحت السعودية بأنها لن تذهب في أعقاب الإمارات بدون اتفاق سلام مع الفلسطينيين. أشار البروفيسور ايلي فوده، إلى ذلك في كتابه الجديد بعنوان “من زانية إلى معروفة لدى الجمهور” (إصدار عام عوفيد)، الذي تناول فيه علاقات إسرائيل السرية مع الدول العربية منذ إقامة الدولة وحتى اتفاقات إبراهيم. العلاقات مع دول الخليج والمغرب والسودان تحولت من سرية إلى علنية في التسعينيات عقب اتفاقات أوسلو. وتدهور العملية السلمية عقب انتفاضة الأقصى أدى إلى إغلاق ممثليات إسرائيل في هذه الدول.

يعتبر فوده موقف إسرائيل من المبادرة العربية تفويتاً آخر للفرص من تفويتات كثيرة، تشمل إحباط عمليات تلمس السلام السرية من قبل مصر في عهد عبد الناصر في الستينيات، التي كان يمكنها منع حرب الأيام الستة التي ألقت علينا كارثة الاحتلال والمستوطنات. وبعد بضع سنوات، في عهد الرئيس أنور السادات، أفشلت إسرائيل الاتصالات مع الجارة الكبيرة في الجنوب مرة أخرى، التي كان يمكنها منع كارثة 1973. حرب يوم الغفران حولت وزير الخارجية في حينه موشيه ديان إلى مؤيد متحمس للموقف الذي يقول بأن سلام بدون شرم الشيخ أفضل من شرم الشيخ بدون سلام. هل نحن بحاجة إلى حرب أخرى كي تتخذ القيادة الإسرائيلية الحالية قراراً؟

اتفاقات إبراهيم في الحقيقة فتحت أمام إسرائيل أبواب الخليج، لكنها في الوقت نفسه، قطعت الطريق على إمكانية ضم “المناطق” [الضفة الغربية]. حل المسألة الفلسطينية على حساب الدول العربية (مثل هذيان “الأردن هو فلسطين”)، أُزيل عن جدول الأعمال. وقد بقي أمامنا احتمالان: إنهاء الاحتلال وتقسيم البلاد على أساس المبادرة العربية والقانون والإجماع الدولي، أو التمركز في فضاء واحد من الأبرتهايد، مع الاعتماد على الحقوق التاريخية ورفض حق تقرير المصير لملايين الأشخاص. المقارنة بين الخيار الثاني وغزو روسيا لأوكرانيا بقيادة فلاديمير بوتين ملقاة على مسؤولية القراء.

بقلم: عكيفا الدار

هآرتس 25/3/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إبن آكسيل:

    و الجواب …نعم ..نعم ….نعم ….

اشترك في قائمتنا البريدية