ينشغل بال جزء كبير من المغاربة منذ خطاب الملك الاخير بقضية بحث سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة عن بروفيلات وزارية ذات كفاءات عالية. كما ظهرت الكثير من المقالات الصحافية التي تجتهد في التخمين حول هوية من سيغادر الحكومة من «منعدمي الكفاءة» ومن سيدخلها من الاختصاصيين القادرين على إخراج المغرب من الأزمة العامة الخانقة التي يعيش فيها منذ سنوات.
كل هذا يعطي بعض الأمل لجزء من الرأي العام. والغريب أن هذا الأخير قد نسي أن جزءا لابأس به من الحكومة قد أُعفي سنة 2017 من منصبه لنفس الأسباب، أي انعدام الكفاءة أو الفشل في تنفيذ السياسات القطاعية المهمة كالتعليم والصحة أو مشاريع تنمية محلية كمشروع منارة المتوسط. نسي هذا الجزء من الرأي العام كذلك أن هذه الاعفاءات والتي سماها البعض بالزلزال السياسي لم تغير من أحوال المغرب في شيء بل أن الازمة قد ازدادت عمقا خلال السنة الجارية. ومن بين تمظهرات هذه الأزمة التدهور غير المسبوق للتعليم والصحة وتعدد الاحتجاجات والإضرابات التي دامت أحيانا أشهرا طويلة. السؤال الذي يمكن أن نطرحه الآن هو هل أزمة البلاد الحقيقية نابعة من انعدام الكفاءات التقنية في الحكومة؟
أي مُطّلع ولو مبتدئ على شؤون السياسة سواء في المغرب أو خارج المغرب، يعرف طبعا أن الجواب هو لا. فالمطلوب من الوزير أي وزير، بل ومن رئيس الحكومة نفسه هو التوفر على المشروعية السياسية والاجتهاد في تطبيق برنامجه الذي وعد به الناس الذين صوتوا له أو لحزبه وليس الكفاءة التقنية. فلو كانت الأمور بهذه البساطة «التقنية» لوضعت الحكومات الديمقراطية الناجحة في البلدان المتقدمة على رأس وزارة الصحة أحسن طبيب بالبلاد، وعلى رأس وزارة الفلاحة أفضل مهندس زراعي وعلى رأس وزارة التعليم والثقافة أول استاذ أو المثقف الذي ألف أكبر عدد من الكتب. إن تجربة البشرية خلال القرون الأخيرة تبرهن على أن الحاكم الكفء الوحيد – سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا-، هو ذلك الذي يحكم في صالح الأغلبية. كما أن هذه الأخيرة هي من تراقبه إذ لا يستطيع الوصول إلى مركز القرار إلا بإرادتها كما لا يقدر على الاستمرار في التحكم في مصيرها إلا إذا صوتت من جديد لصالحه، ونظرا لنجاح سياساته، في انتخابات عامة ودورية. هذا ما يسمى ربط المسؤولية بالمحاسبة وهذا أهم مبدأ من مبادئ الحوكمة الرشيدة. إن المسؤول السياسي في البلدان الديمقراطية يعلم أن عليه أن يؤدي الحساب في يوم معروف مسبقا وأن «القاضي» الذي سيعاقبه أو يجازيه هو الشعب أي الناخبة، ولهذا فإن هذا المسؤول أو الوزير سيختار أفضل الاختصاصيين وأوفى الناس في الالتزام بالمصلحة العامة، لينفذوا برنامجه الذي صوتت عليه الساكنة بكل حرية وعن وعي ومعرفة، مادام الإعلام في الأنظمة الديمقراطية حرا والاقتراع تعدديا.
أكبر كفاءة سياسية هي الحصول انتخابيا على ثقة الشعب ودعمه والاحتفاظ بهما، رغم ممارسة السلطة، من اقتراع نزيه لآخر أنزه. هذا هو ما يتيح في نفس الوقت فرض الإصلاحات والمبادرات الضرورية للنجاح في تحقيق التنمية البشرية
ولنتذكر أن التاريخ السياسي للمغرب المستقل يبرهن على أن أقل الحكومات كفاءة وشعبية كانت هي حكومات عبد الكريم العمراني التكنوقراطية بين السبعينيات وأواسط التسعينيات والتي انتهت باعتراف الحسن الثاني أن المغرب على حافة الهاوية أو ما سماه بالسكتة القلبية. لنتذكر أيضا أن من أقل الوزراء كفاءة في حكومة عباس الفاسي (2007-2011) هم بعض الوزراء «اللاسياسيين» الذين سموا تكنوقراطا. لنتذكر كذلك أن المرحلة التي كانت الأقل أمانا في تاريخ المغرب في القرن العشرين هي تلك المرحلة التي تكلف فيها الأمنيون التكنوقراط بتدبير الأمن السياسي المغرب بين 1965 و1972 والتي انتهت كما هو معروف بمحاولتي الانقلاب التي قادها على التوالي الجنرالان المذبوح وأفقير. إنه لا يعرف ممارسة السياسة الا السياسيون ولا مراقب لهؤلاء الا الشعب وقد استحال ناخبة تقرر في مصيرهم ومدى سلطتهم.
ولنضرب أيضا أمثلة من التاريخ العالمي الحديث، فشارل ديغول وهو عند الفرنسيين أنجح وأعظم رئيس عرفته فرنسا خلال القرن الأخير كان جنديا وشاعرا ولم يكن رجل اقتصاد أو إدارة. كما أن الرئيس تيودور روزفيلت الذي أخرج الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر أزمة اقتصادية-مالية عرفتها منذ تأسيسها وكادت أن تقضي عليها هو رجل قانون وليس بنكيا أو رجل أعمال، كما أن نفس الرجل قاد نفس البلاد لتخرج كأكبر منتصر في أخطر حرب عرفتها البشرية أي الحرب العالمية الثانية رغم أنه لم يكن ضابطا قويا في الجيش بل عجوزا مقعدا.
إن حكمة وكفاءة السياسيين والزعماء تتجلى في ثقتهم في حكمة الشعب ووجاهة اختياره واحترامهم لإرادته وليس في مؤهلاتهم التقنية التي، ومهما كان، لا يمكن أن تشمل كل ما تشمله السياسة، أي كل شيء أو يكاد. إن التاريخ يبرهن أن أكبر كفاءة سياسية هي الحصول انتخابيا على ثقة الشعب ودعمه والاحتفاظ بهما، رغم ممارسة السلطة، من اقتراع نزيه لآخر أنزه. هذا هو ما يتيح في نفس الوقت فرض الإصلاحات والمبادرات الضرورية للنجاح في تحقيق التنمية البشرية المبتغاة وولوج الدورة الحضارية الحالية والتي عمادها قيمتا المساواة والحرية.
٭ كاتب مغربي
تنفق نظريا مع كاتب المقال ، لكن ماهو الحل اذا كانت النخبة السياسية فاسدة ، الاحزاب التي ننتظر بركتها غارقة في المحسوبية والزبونية وتقسيم المناصب بالتوافقات ، اضف الى ذلك ان جل الازمات بالمغرب الحبيب سببها تجادب مصالح اللوبيات والاحزاب ، الكل يريد نصيبا من الكعكة ، وآخر شيء هو التفكير في المصلحة العامة ، لدرجة انه ينظر بازدراء لكل من يدافع عن مصلحة البلاد ، لكن هلى الفاسدين ان يعلمو امرا مهما ، انه اذا ما استمرو في عرقلة الاصلاح فلن يجدو بلدا بأكمله ناهيك عن مصالحهم ، الاصلاح يبدأ من اختيار الاشخاص الصالحين لاغير ، اما المزايدات والولاءات المزيفة لا تزيد الطين الا بلة
بربك الأستاذ منجب، اين هو هذا السياسي الذي تتحدث او تبحث عنه في المغرب؟؟؟ آخر العنقود الحزبي ورجالات السياسة كانت تجربة الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية الذين مع الأسف الشديد باعوا نضال المغاربة بالتهافت على مناصب وزارية وإدارية سامية وتنكروا لكل لما بشروا به المغاربة بمشروعهم في التغيير والتنمية والديمقراطية وووو…يضاف إليهم جيش الحقوقيين واليساريين الذين انغمسوا في ملذات المناصب والمسؤوليات والتقرب من السلطة….كان الرهان الشعبي معلقا عليهم كثيرا لكنهم صاروا كفص ملح داب في الماء….
المشكل يكمن في أن الأحزاب المغربية تعاني من ضعف عام في القيادة والتكوين ناهيك عن الانتهازية والمحسوبية والتملق. طبعا هذا الوضع قديم أسهم فيه بالخصوص الملك الحسن الثاني وفق منظور ماكيافيلي. كما أن الأحزاب افتقدت القيادات الوطنية النزيهة و الكاريزمية التي كانت تتوفر عليها. طبعا يريد الكاتب أن يعبر عن موقف المعارضة من أجل المعارضة دون أن يتبنى نهجا أو برنامجا بديلا . طبعا نعيش أزمات في المغرب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، لكن الوضع لدينا بالمقارنة مع بلدان مشابهة في محيطنا العربي والأفريقي أفضل بكثير. وليس هنالك رئيس لدولة من الدول في الفضاء الذي ذكرنا يتحدث رئيسها عن فشل المشروع التنموي أو عن ضرورة تجديد الأطر بكفاءات عالية.
السيد المعطي المغاربة لا يثقون في الأحزاب
، المعارضة مقعد مريح
ضرورة إختيار الوزراء على أساس الكفاءة بين صفوف الأحزاب السياسية الفائزة بثقة الشعب أمر بديهي لا يحتاج إلى خطب موسمية. لكن إذا كان المقصود تعيين تقنوقراط لم ينتخبهم الشعب فهناك محاذير وانعاكاسات سلبية من بينها أن التقنوقراطي يركز على المردودية ولا ينتبه لتضرر بعض الفئات من قراراته (كالطبقة العاملة أو ساكنة مناطق معينة مثلا) لأن القرارات الغير شعبية لا تؤرقه. التقنوقراطي يتخذ قرارته بشكل انفرادي فيما المنتمي إلى حزب سياسي يستفيد من استشارة أعضاء حزبه وخبرة أطره. التقنوقراطي لا يعتبر مسؤولية فشله تمتد لغيره بخلاف المتحزب فيدرك أنه ينعكس على الحزب السياسي برمته ويضر بموقعه. ثم إن التقنوقراطي لا يدين للشعب بقدر ما يدين بالولاء للجهة التي عينته ومنها يتلقى التعليمات. في المقابل يجب على الأحزاب السياسية أن تكون في مستوى ثقة الناخبين وفي مستوى التحديات المطروحة.
المتعارف عليه في الدول التي تحترم شعوبها أن الوزراء والقطاعات العمومية والهيئات الرسمية تخضع لتقييم ومراقبة من لجان برلمانية تقدم تقاريرها بشكل شفاف للرأي العام لينجلي للجميع مكامن الخلل فتطرح بعدها الحلول والبدائل المقترحة على طاولة النقاش. النخب والعوام سئموا نزول تعليمات فوقية فجائية تتجاوز الممارسات الديموقراطية وتفتقد للشفافية, الحكمة تقتضي معالجة أصل الداء وليس الأعراض الجانبية, تغيير الوجوه في الحكومة قد تم اللجوء إليه سابقا قي ظروف مماثلة دون جدوى فما السر وراء تكرار نفس الهفوات؟
الوضع السياسي بالبلد تشوبه مظاهر غير صحية منها التسلط وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة دون استثناء والزواج الغير مشروع بين المال والسلطة… الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إذا لم نعالج هذه العاهات المستديمة التي تجهض أي مشروع تنموي محتمل, أما الحلول الترقيعية فهي تطيل عمر الأزمة وتخدم مصالح فئات انتهازية. الحل الأمثل هو ملكية برلمانية والتجربة الإسبانية نموذج نقتدي به.
للتنبيه فقط عند محاولة مقارنة وضعية المغرب بدول افريقية أتعس منه. دولة السويد , دولة صناعية صغيرة بتعداد 10 ملايين نسمة عشرهم من أصول أجنبية, عند محاولة هذه الدولة الصغيرة مقارنة نفسها بدولة أخرى تختار دائما ألمانيا , الدولة الصناعية الكبرى في أوروبا والعالم. لماذا لايختار السويديون دولة ألبانيا أو كوسوفو ؟ لا , لأنهم سيخدعون أنفسهم وسيركنون للبخل والكسل. المقارنة مع الأفضل كي تتقدم وليس العكس.
بعض الإخوة يتكلمون و كأن حرائر المغرب تحتج على هذا الوضع بالكف عن إنجاب رجالات و نساء للمغرب من طينة من سبقوهم .. محنكين سياسيا .. و يفكرون أن الوضع نهائي و أن هذا قدر المغرب .. و هم هكذا يشرعنون الوضع البئيس .. و هو بذلك يأمنون
eat or die ..
.
لا أيها الأحباب .. حرائر المغرب انجبت و تنجب من هو قادر على العمل السياسي باقتدار، و لا أدري لماذا لا ترونهم و هم بيننا .. مشكلتهم العين بصيرة و اليد قصيرة ..
.
لكم في بنكيران المـــــــثـــــــــال الكبير، و من لا يرى فيه السياسي المحنك و الداهية رغم اعتراضه على مرجعيته، فلعمري يجب عليه التركيز على المصلحة العليا للبلاد قبل التدافع معه .. و الانحناء لهذه القامة التي أعطت للمغرب في ظل اربعة سنوات الكثير .. و لعل حل معضلات توارتها التقنقراط في الحكومات المتعاقبة .. لعل هذا يكفي لتخليد اسمه في تاريخ ساسة المغرب ..
.
نعم .. أنا جاد في ما أقول و بكل موضوعية ..
.
لا ينقص المغرب الكثير بل مجرد التأسيس لثقافة جديدة .. و بنكيران اسس لهذه الثقافة .. ثقافة اليد النظيفة .. و البرغماتية .. الدوائر المدارة من حزبه احسن حال رغم العصى في العجلة ..
يا سيدي فلنكن واقعيين فالفساد هو الداء الخطير الدي لا زال يهدد البلاد فبدون ازالته والقضاء على اسبابه وعوامله فلن يعرف المغرب طريقا الى التنمية او الاصلاح او التغيير.