سارعت قوى سياسية على إعلان دعمها لما جاء في بيان المرجع الشيعي الأعلى، رغم ما حمله من انتقاد لاذع للقوى السياسية والحكومات المتعاقبة.
بغداد ـ «القدس العربي»: شهد الأسبوع الماضي، حراكاً مكوكياً لممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق «يونامي» محمد الحسان، للقاء المسؤولين والسياسيين العراقيين، بهدف اطلاعهم على ما دار في اللقاء الأخير مع رجل الدين الشيعي البارز، علي السيستاني، والذي حمّل في طياته انتقاداً لاذعاً للحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد منذ عام 2003.
سارعت قوى سياسية على إعلان دعمها لما جاء في بيان المرجع الشيعي الأعلى، رغم ما حمله من انتقاد لاذع للقوى السياسية والحكومات المتعاقبة.
أبرز هذه القوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، الذي سارع لعقد اجتماعٍ عبّر فيه عن تأييده لبيان السيستاني، واعتبره «خريطة طريق لتنمية وأمن العراق».
كذلك، أعلن ائتلاف «إدارة الدولة» الحاكم في العراق، التزامه بما ورد في بيان السيستاني.
وخلال اجتماع عقده بحضور رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان الجديد، محمود المشهداني، أكد الائتلاف «التزام المبادئ التي شددت عليها المرجعية الدينية العليا في بيانها الأخير، التي تصب في بناء دولة المؤسسات وتعبّد الطريق لتحقيق مستقبل أفضل للبلد».
المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، يرى في اللقاء بين المسؤول الأممي والسيستاني، الذي استغرق نحو ساعة، بأنه تلويح صريح برفع «الغطاء الشرعي» عن الحكومة وقواها السياسية.
وذكر الحكيم لـ«القدس العربي» أنه «على الرغم من عدم استقباله الطبقة السياسية برمتها (سنة وشيعة وكرد) لتسع سنوات، وسكوت دام عدة سنوات من منبر صلاة الجمعة في كربلاء والبيانات السياسية، فاجأ المرجع الأعلى السيد السيستاني ببيان تفصيلي مزلزل بُعيد لقاء مطول أدام ساعة كاملة مع الممثل الجديد للأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، وهو بمثابة صفعة جديدة بوجه القوى والأحزاب السياسية المنخرطة في العملية السياسية منذ عام 2003 ولحد الآن».
ورأى الحكيم أن توجيهات السيستاني لن تجد طريقها إلى التنفيذ من قبل الكتل السياسية، رغم بيانات الترحيب من بعض القوى السياسية التي رمت توجيهات المرجع الأعلى عرض الحائط منذ 2003 كما رمت الدستور والقانون العراقي منذ 21 عاماً».
واعتبر أن أبرز هذه التوجيهات هي «السلاح بيد الدولة، عدم التدخل الخارجي، المناصب حسب الكفاءة والنزاهة، أخذ العبر من التجارب، القضاء على الفساد، تحكيم القانون، وضع خطط علمية لإدارة البلد».
وأفاد بأن «توجيهات المرجع خلال بيانه عبارة عن خريطة طريق، إلا أن القوى السياسية لم تنفذ جميع توجيهات المرجع، وهو أغلق الباب بوجه جميع السياسيين بعدما يأس منهم، معتقداً أن أغلبهم خذلوا الشارع العراقي والناخبين بنفس الوقت، ناهيك عن ان بيان المرجع الأعلى تهديد صريح برفع (الغطاء الشرعي) عن الطبقة الحاكمة برمتها».
ولفت المحلل السياسي العراقي إلى ما وصفه بـ«الأهم» في بيان السيستاني، والمتعلق بـ«توجيهه لأول مرة خطاباً مباشراً (للنخب المثقفة) بعدما يأس من الطبقة السياسية برمتها التي قدمت مصالحها الشخصية والحزبية على مصالح الوطن والمواطن، لذلك بيان المرجع الأعلى بمثابة نسف لكل الإنجازات الوهمية والوعود الفضفاضة لحكومة الخدمات التي وعد بها السوداني التي تعد حكومة الإسعاف الأخير».
وبيّن الحكيم أن «بيان المرجعية ينتقد بوضوح أداء النظام السياسي وفشله، ويمثل إدانة واضحة للعملية السياسية وللقوى والأحزاب الحاكمة، ولا يحتمل التأويل ولا يحتاج إلى تفسيرات من قبل الطبقة السياسية ومطبليها».
كما نوّه بأن البيان تضمّن تأكيداً على «شرعية احتكار الدولة للسلاح وحدها دون سواها» موضّحاً أن «القوى السياسية فصلت وجزأت بيان المرجع الأعلى وفق مصالحهم وتوجهاتم، بعدما عرى المرجع الأعلى جميع القوى السياسية وأحزابها».
وعدّ بيان السيستاني بأنه يمثّل «رصاصة الرحمة والتشييع الرمزي بحق النظام السياسي بعدما فقد بريقه وهيبته على كافة الأصعدة داخلياً وخارجياً وإقليماً ودولياً وخدمياً على وجه التحديد، بعدما يأس (السيستاني) بالكامل من الطبقة السياسية بالكامل التي أثبتت أنها لا تنوي تنفيذ توصيات وتوجيهات المرجع الأعلى منذ 21 عاماً».
ووفق بيان السيستاني فإنه «ينبغي للعراقيين – ولا سيما النخب الواعية – أن يأخذوا العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز اخفاقاتها ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار» مؤكداً على أن «ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات. ولكن يبدو أن أمام العراقيين مساراً طويلاً إلى أن يصلوا إلى تحقيق ذلك».
وفي كانون الثاني/يناير 2016 قرر السيستاني غلق أبوابه أمام السياسيين وإلغاء الخطبة السياسية التي اعتاد العراقيون عليها في كل جمعة.
وقال أحمد الصافي، ممثل السيستاني حينها، إن «بلدنا العزيز العراق يمتلك مقومات الدولة القوية اقتصاديا وماليا وبما انعم الله تبارك وتعالى من نعم شتى سواء من امكانات من عقول وسواعد أبنائه أو الثروات الطبيعية في باطن الأرض وظاهرها، ولكن الحكومات المتعاقبة على البلد منذ عقود من الزمن لم تعمل على تسخير هذه الامكانات لخدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة له، بل أهدرت معظم موارده المالية في الحروب المتتالية والنزوات الوقتية للحكام المستبدين».
وانتقد الصافي حينها عدم الأخذ بدعوات المرجعية، قائلا إن «أصواتنا قد بحت بلا جدوى من تكرار دعوة الأطراف المعنية من مختلف المكونات إلى رعاية السلم الأهلي والتعايش السلمي بين أبناء الوطن وحصر السلاح بيد الدولة، ودعوة المسؤولين والقوى السياسية التي بيدها زمام الأمور إلى أن يدركوا حجم المسؤولية ونبذ الخلافات السياسية التي ليس من ورائها سوى المصالح الشخصية الفئوية والمناطقية، ويجمع كلمتهم على إدارة البلد على ما يحقق الرفاه والسعادة والتقدم لأبناء شعبهم. هذا كله ذكرناه حتى بحت أصواتنا».