هل يكره «حزب الله» بشير الجميل؟

حجم الخط
0

لا يعيد الصحافي الموالي لـ«حزب الله» باعتباره بشير الجميل “قتيلاً” وليس “شهيداً”، الجدل السياسي بين الجماعات في لبنان إلى زمن الحرب الأهلية، بل هو يستكمل انقساماً تاريخي متواصلاً، مستدعياً عن عمد، شخصية، تمثل الحدود القصوى لهذا الانقسام.
فالجميل، في كل سيرته، أي منذ تأسيسه مليشيا «القوات اللبنانية» وصولاً إلى “انتخابه” رئيساً بضغوط على نواب الأمة، لم يكن فقط فاقداً للإجماع، بل كان موضع انقسام حاد يعطل التفاوض والتسويات، وكان كذلك مشروع استقواء وغلبة وإخضاع يرفض التفاهم مع المختلفين إلا ضمن شروطه. هذه الصفات في بشير الجميل مثلت لدى المسيحيين، الذين شعروا في منتصف السبعينيات بانحياز عربي وإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية، يهدد وجودهم، مصدر قوة، فالتفوا حول “منقذهم” متجاهلين مجازره، حتى تلك التي ارتكبت داخل مجتمعهم نفسه.
هكذا شكّل الجميل وجدان المسيحيين الجمعي في لبنان ليس بوصفه قوياً، وإنما لشعور من أحبه بالضعف والتهديد. وبين قوة “المخلص” الوهمية وضعف أتباعه الحقيقي تكونها لحظة تاريخية قصوى من تاريخ البلد، طالت الخصوم أيضاً، إذ إن المحور “الوطني” كما كان يسمى، الذي ضم معظم المسلمين، اعتبر الجميل تهديداً وجودياً له، واغتياله ضرورة لا بد منها. ما جعل حدث مقتل “الرئيس المنتخب” حدثا مفصلياً، وعلى نقيض ما اعتقد آنذاك أن موت الجميل طوى صفحة من تاريخ لبنان، فإن ما حصل عام 1982 زاد من عطالة هذا التاريخ وجعله أسير لحظة تتواصل فاعليتها في وجدان الجماعات، بوصفها أداة تعريف لهم. فالمسيحيون، هبت عليهم رياح حولت مساراتهم السياسية وتحالفاتهم في اتجاهات متناقضة، لكن ساستهم، لا يزالون حتى الآن، يتنافسون على وراثة بشير الجميل لما للأخير من رصيد عند جمهورهم.
والمسلمون طغى عليهم الانقسام بين السنّة والشيعة، بعد انهيار تسوية “الاقتصاد مقابل المقاومة” باغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن خصومتهم مع الجميل تحولت بحكم التحالفات، تيار المستقبل مع القوات اللبنانية – وحزب الله مع التيار الوطني الحر، إلى إحراج يجب مداراته وعدم طرحه أمام الجمهور المسلم الذي يعتبر بشير “عميلاً اسرائيلياً”. والحال، فإن الصحافي الموالي لـ”حزب الله”، لم يسع، حين فتح سجالاً حول شخصية الجميل وموقعها بين الجماعات، للخروج عن المداراة التي تنهجها “المقاومة”، بل إن كلامه أقرب لعلاج موضعي لهذه المداراة مسرحه الإعلام والسوشال ميديا، ينتهي مفعوله مع انتهاء الكلام نفسه.
“حزب الله”، بهذا المعنى، لا مشكلة لديه مع بشير الجميل بدليل تحالفه مع بعض ورثته السياسيين، هو مهتم بمشروعه داخلياً وتحقيق وظائف لتابعيه إقليمياً وخارجياً، ومشكلته الفعلية، في هذا السياق، مع جمهور الشيعة، الذي يحتاج من وقت لآخر إلى من يعالج تناقضات سياسة “المقاومة” وهذه المهمة غالباً ما توكل إلى “شيوعيين” واهمين، الصحافي “الشجاع” أحدهم.

*كاتب سوري من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية