هل يمكننا الحديث عن الإبستيمولوجيا السردية؟

حجم الخط
7

سبق لي أن كتبت عن إبستيمولوجيا السرديات في جريدة «القدس العربي» (2022) وشاركت في مؤتمر نواكشوط بمداخلة عن إبستيمولوجيا الدراسات السردية (2021). في هذين البحثين كنت أناقش كيفية التعامل مع السرديات الغربية، والنقد السردي العربي من وجهة نظر تركز على قضايا إجرائية تتصل بالاختصاص وتداخل الاختصاصات، ومدى التلاؤم بين ما هو نظري يسهم في تطوير علاقتنا بالسرد من خلال الدراسة والبحث. لكن موضوع هذه المقالة يختلف عن سابقيه لأنه يطرح سؤالا يتعلق بإلإبستيمولوجية السردية على غرار حديثنا عن إبستيمولوجيا العلوم بصفة خاصة، أو عن إبستيمولوجيا العلوم الإنسانية والاجتماعية بصورة عامة.
لا شك في أن المطلع على نظريات الإبستيمولوجية ونظريات المعرفة الغربية سيتفاجأ بهذا السؤال، ويراه بعيدا عن أن يكون موضوعا للتفكير. لكن من اطلع على مقالتي حول «نقدية» الخطاب النقدي (1984) سيلتمس بعضا مما يتضمنه هذا السؤال. إن مفاجأة السؤال طبيعية لأن الإبستيمولوجيا لا تهتم إلا بالعلوم والمعرفة العلمية، وهي متربطة بظهورها في القرن التاسع عشر. إنها تتعلق بالنظر في ما تنتجه هذه العلوم من زاوية النظر في مدى ملاءمتها العلمية. وهي كما يعرفها لالاند: «الدرس النقدي لمبادئ مختلف العلوم وفرضياتها ونتائجها، الرامي إلى تحديد أصلها المنطقي، وقيمتها ومداها الموضوعي». فهل يمكننا الحديث مع السرد (الخيال) من جهة، والدراسات السردية، من جهة أخرى عن الإبستيمولوجيا؟ سؤال صار يطرح منذ بداية الألفية الجديدة، ويصوغه جاك بوفيريس على النحو التالي: «هل هناك إبستيمولوجيا للمعرفة أدبية، وهل يمكن أن تكون؟ (2014) على اعتبار أن الإبستيمولوجيا، كما هو معروف، لا تهتم إلا بالمعرفة العلمية.

لقد أدى التفكير في هذا السؤال إلى طرح سؤال آخر بات مطروحا بشدة مؤخرا: هل يمكننا الحديث عن المعرفة الأدبية، أو عن علاقة السرد بالمعرفة إجمالا؟ سؤال تفرغ للجواب عنه ديفيد نوفيتس في مقالته المطولة عن «المعرفة والفن» (2004) لينتهي إلى أن ما قدمه في خلاصته ما يزال يستدعي الكثير من البحث. لقد ابتدأ نوفيتس بتتبع تاريخ الفكر الغربي من أفلاطون إلى الآن، ليقف على التصورات التي ظلت تهيمن في كل التاريخ الغربي، خاصة مع انفصال العلوم عن الفلسفة، التي سعى من خلالها إلى طرح السؤال التالي: كيف نفسر، ونفهم أن المعرفة يمكن أن تتصل بالفن عموما؟ ولقد وقف من خلال معاينة متأنية للفكر الغربي في تاريخه، أن طبيعة الفن، القائمة على المحاكاة والخيال، تتعارض مع المعرفة العلمية، وأنه لا يمكننا اكتساب معرفة حقيقية عن العالم من خلال الأدب أو السرد. كما أنه توقف على من يقولون إن الأدب مستقل بذاته، ولا يمكنه أن يعنى بتقديم معرفة عن الأشياء أو عن العالم. وبعد هذه المناقشات التي تشكك أو تنفي أي علاقة للأدب مع المعرفة، يعمل على نقض كل هذه التصورات، مؤكدا أن العلاقة قائمة ولا تتحقق بالكيفية التي نجدها مع الاختصاصات غير الأدبية، وأن ما قام به يدخل في نطاق تعبيد الطريق لتعميق فهمنا لطبيعة العلاقة بينهما. وفعلا نجد الآن اهتماما متزايدا بالعلاقة بين السرد والمعرفة مع تزايد الاهتمام بالسرد، وما يتعلق به في الدراسات السردية العالمية المعاصرة.

لا نطرح في فضائنا الثقافي العربي مثل هذه الأسئلة. وبسبب تغييب الحديث عن العلم الأدبي يتعذر علينا تناول مثل هذه القضايا. ولما صرنا منذ الحقبة البنيوية نتحدث عن العلوم الأدبية، خاصة مع السرديات والسيميائيات السردية، بات السؤال يفرض نفسه عن ضرورة الوقوف على ما هو علمي في هذين العلمين. ويمكننا تلمس ما هو إبستيمولوجي في الدراسات السردية، من خلال الأدبيات المؤسسة على قاعدة علمية، وإن لم يكن المنخرطون فيها معنيين بالدرجة الأولى بتقديم تصوراتهم العلمية، وهم ينظرون ويطبقون نظرياتهم من خلال إشارات يمكن الانطلاق منها لإبراز ما يحدد علاقتهم بالسعي إلى تقديم دراسات علمية. لذلك كان السؤال الذي طرحناه في غاية الأهمية للتفكير في كيفية العمل، إبستيمولوجيا، لتحديد ما يمكننا الانطلاق منها في تأسيس هذه الإبستيمولوجيا، مستأنسين في ذلك بما أنجز من أبحاث تتصل باللسانيات، وما تقدمه إبستيمولوجيا العلوم الإنسانية والاجتماعية من مبادئ ومقدمات عامة. لكن على هذا الاستئناس أن يراعي خصوصية النص السردي، عامة، والسردية خاصة، لأنها مختلفة عن غيرها من الموضوعات التي اشتغلت بها العلوم الأخرى.
نرمي من وراء هذا السؤال جعل المعرفة الإبستيمولوجية ضرورية للباحث في السرد خاصة، والأدب عامة، لأنها تجدد طرق فهمنا وتفسيرنا للسرد، وتوفر لنا العدة للتعامل المنهجي والموضوعي معه، ومختلف ما يتصل به من قضايا وإشكالات تراعي المنطلقات والإجراءات العلمية للبحث في ملاءمتها العلمية. ولعل خصوصية السرد والدراسات السردية، التي أشرنا إليها تدفعنا إلى طرح أسئلة تتعلق بالمعرفة السردية، ومدى تحققها من جهة في النص السردي، ومن جهة أخرى في الدراسات السردية. وهل هذه المعرفة تتصل بالمضامين، أم بالأشكال أم بتضافرهما معا. وبذلك نضمن للإبستيمولوجيا السردية خصوصيتها، وموقعها، وشرعيتها ضمن إبستيمولوجيات العلوم القائمة.

كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    يجب الإنتباه إلى أن النقل الحرفي بين اللغات Transliteration شيء، والترجمة بين اللغات Translation شيء آخر،

    قبل صياغة أي تحليل مثل ما ورد تحت عنوان(هل يمكننا الحديث عن الإبستيمولوجيا السردية؟) https://www.alquds.co.uk/?p=3358060

    ثم يجب الإنتباه إلى أن إصلاح الإنسان (ة) ليس آلة، بمعنى آخر، زاوية رؤية أو سياسة/أسلوب تعامل (اترك له باب مخرج)

    https://youtu.be/SD1b19-Pyg4?si=R5KIMeaDPlGu-2SQ

    فكيف يمكن إصلاح، أي نظام بيروقراطي/ديمقراطي، إذن؟!🤭🤣🫣

    في أي حكم (ديمقراطي) عندما (لا تكون) هناك ثقافة (الحلال/الحرام)، فالنتيجة المنطقية والموضوعية إلى مفهوم (الأسرة الإنسانية) سيكون التالي:

  2. يقول S.S.Abdullah:

    وأيد النص نحو 130 من أعضاء مجلس الشيوخ وعارضه 4، وامتنع 18 عن التصويت. وسيُحال إلى الملك ماها فاجيرالونغكورن لتصديقه عبر نشره في الجريدة الملكية.

    وقالت الناشطة بليفا كيوكا شودلاد التي شاركت في العمل على صياغة القانون، “اليوم انتصر الحب على التحيز”. ومن المقرر إقامة احتفالات في وقت لاحق من اليوم، في القصر الحكومي، ووسط بانكوك.

    ويبدل التشريع الجديد الإشارات إلى “الرجال” و”النساء” و”الأزواج” و”الزوجات” إلى مصطلحات محايدة جنسانيًا مثل “الزوج” و”الشخص”.

    وبحسب “الغارديان” يمنح التشريح الحقوق ذاتها فيما يتعلق بتبني الأطفال، والموافقة على الرعاية الصحية، والميراث.

    وقبل التصويت، أشاد تونياواج كامولوغوات، عضو البرلمان عن حزب “التحرك للأمام” المؤيد للديمقراطية “بانتصار الشعب” الذي رسم “البسمة” على الوجوه في فترة تشهد اضطرابات سياسية.

    وحظي الزواج للجميع بإجماع يندر حدوثه في مملكة منقسمة بين الكتلة المحافظة المؤيدة للجيش والملك، والمعارضة التقدمية التي تدعمها الأجيال الشابة.

    وسبق أن أيد النواب مشروع القانون في مارس بأغلبية كبيرة.

  3. يقول S.S.Abdullah:

    ويتمتع مجتمع الميم بحضور واسع في المملكة البوذية المعروفة بتسامحها الذي يجذب السياح المثليين من الدول المجاورة المحافظة.

    ومنذ أن صارت هولندا أول دولة تحتفل بزواج المثليين في عام 2001، شرعت أكثر من 30 دولة هذا الزواج في جميع أنحاء العالم.

    وفي آسيا، لم تخطُ هذه الخطوة سوى تايوان ونيبال.

    وفي أكتوبر الماضي، رفضت المحكمة العليا في الهند منح الاعتراف القانوني بزواج المثليين، قائلة إنه يجب أن يقرره البرلمان.

    وفي تايلاند، يمكن الاحتفال بالزواج الأول في المملكة بعد 120 يومًا من صدور القانون، أي في الخريف.🤭🤣🫣

  4. يقول S.S.Abdullah:

    الجزيرة اختارت في الرابط التالي عنوان (معضلة مايكروسوفت.. الشركة التي تعتمد عليها الحكومة الأميركية ولا تستطيع مواجهتها)

    https://aja.ws/vzvmi6

    وأضيف إلى ما ورد في الرابط، كل ما يتعلق في أتمتة/رقمنة/Digitisation في أي دولة،

    فلذلك نظام التشغيل، في Google based machine أو نظام التشغيل في Apple أو نظام التشغيل في الأجهزة (الصينية) أو (الروسية) التي تقاطعها الحكومة (الأمريكية)؟!

    بمعنى آخر، حقيقة من يُسيطر على من، في أجواء بورصة أسهم سوق (العولمة/الإنترنت/الشّابِكة) أو التعامل (عن بُعد OnLine) من خلال الآلة/الروبوت التي في يد أي إنسان (ة) أو أسرة أو شركة أو (موظف) يؤدي (خدمة) في أي مكان في (العالم) على أرض الواقع؟!

    أو هل أصلا، يمكن السيطرة على هيكل/نظام تم تصميمه، ليكون ضد إمكانية السيطرة عليه، بل يمكن (إدارته وحوكمته)، فقط؟!

    حبيبي أبا ليلى، مجدي الخطيب، الخلاصة بكل صراحة، هذه الصورة للشعار والدولة، إلى الجندي، الذي يحارب في (غزة) بعد طوفان الأقصى يوم 7/10/2023،

    الإشكالية في أنصار غش وفساد وظلم (النظام) في الأمم المتحدة (بيروقراطية الديمقراطية)، التي ترفض أن تعترف بقباحة الصورة،

    عن عمد وقصد، مثل زميل الدراسة (نواف) أو (م حامد الحمداني) أو (د علي الفؤادي)،

  5. يقول S.S.Abdullah:

    أنا لا أستطيع (تغيير) أو لي رغبة في (هداية) أي إنسان (ة) أو أسرة أو شركة في أي دولة،

    لكن من يريد التعاون معي، أهلا وسهلا وهنا هي الإشكالية مع مناهج تعليم عقلية الآلة أو الهندسة العكسية، أي السرقة أو النهب أو التعدي على حقوق كل (مُنتِج)، كما طرحها الكويتي (محمد الشارخ) بكل وضوح من تجربته مع (العراق) أو (مصر)، أي الدول خارج نظام دول مجلس التعاون، تجد تفاصيل كثيرة من حواره في الرابط التالي

    https://youtu.be/SwsBJyeiojQ?si=qyg5qNu9EQrte7l-

    أنا ضد الوقوف، ضد دول شرق آسيا، أنا أحتاج المنافسة مع الصيني والكوري، في موضوع الأتمتة،

    نواف، أنا أتنافس في الخير والشر، مع أي إنسان له رغبة في التواصل أو التعامل معي،

    فانت من يختار زاوية التنافس، وليس أنا، تريد تستفيد، حياك الله، تريد بس تتعارك، كذلك حياك الله🤭🤣🫣

    حتى أصل، من خلال الحوار والتواصل معك أو غيرك، دوماً إلى معرفة/استنباط كيف أصل إلى أفضل Saleh Halal AI😉🤨
    🤑🙉🙊🙈🇺🇳✒️📟📓

    1. يقول مؤيد العلي:

      عزيزي السيد S.S.Abdullah
      Oblique speech in which the person constantly digresses to irrelevant topics and fails to arrive at the main point هذه يطلق عنها
      Tangentiality
      وهي بحاجة الى علاج فوري و مستعجل جدا
      انها احد علامات انفصام الشخصية

    2. يقول S.S.Abdullah:

      يا مؤيد العلي، هل انفصام الشخصية، مشكلتي أم مشكلتك؟!

اشترك في قائمتنا البريدية