هل ينتظر الإسبان طوفانا مغربيا؟

حجم الخط
36

التطورات التي حدثت في عملية طوفان الأقصى عجلت باعترافهم بالدولة الفلسطينية. فهل سيكون من الضروري أيضا أن يحدث طوفان مغربي هذه المرة ليدفعهم للاعتراف بمغربية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية؟ حتى الآن يسير التعاون والتنسيق بينهم وبين جيرانهم في الجنوب بشكل جيد للغاية، بل إنه يكاد يكون مثاليا في محيطهم الإقليمي. فيما تعرف الحدود الفاصلة بينهم حالة من الهدوء والاستقرار، لم تشهد لها مثيلا منذ عدة سنوات.
فما الذي يمكن في تلك الحالة إذن أن يزعج الإسبان، أو يشكل مصدر قلق لهم من جانب المغرب؟ إنها مسألة واحدة لا غير وهي مصير سبتة ومليلية، وفيما إذا كان سيظل مرتبطا أم لا بالتاج الإسباني، فليس من الواضح بعد، إن كان الإيبيريون واثقين تماما من أن مستقبل البلدتين اللتين ظلتا ولعدة عقود تحت سيطرتهم، سيكون مطابقا لحاضرهما؟ أم أنه سيكون مخالفا له. لكن الثابت هو أن هواجسهم ومخاوفهم حول تلك المسألة بالذات لم تتبدد على الإطلاق، رغم ما عرفته العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين من تحسن ملحوظ في الشهور والسنوات الأخيرة، خصوصا بعد اعترافهم بمغربية الصحراء.

يعرف الإسبان أن المغاربة لم يتخلوا، وفي أي وقت من الأوقات عن المطالبة باستعادة البلدتين المحتلتين، والجزر والصخور التي احتلوها في فترات سابقة

وتبدو أحدث الإشارات في هذا الصدد، في بعض الأحيان ملتبسة ومتضاربة بعض الشيء، فمع أن هيئة الأمن القومي الإسباني خلصت في وقت سابق إلى أن المغرب لا يشكل خطرا على المدينتين إلا أن ذلك لم يمنع مدريد وقبل شهور قليلة فقط من نشر عشرة آلاف جندي فيهما. وليس معروفا إن كان الدافع وراء ذلك هو محاولة امتصاص جزء من الضغوط القوية التي يمارسها اليمين المتطرف على السلطات الحاكمة، لمزيد تكريس إسبانيتهما؟ أم أن الهدف من ذلك الإجراء هو توجيه نوع من الإنذار المبطن والمبكر للجار المغربي، من مغبة التفكير في الإقدام على أي مغامرة عسكرية لتحريرهما. لكن ما الذي يمكن أن يحصل في البلدتين المحتلين غدا؟ وما الحدث الذي من شأنه أن يقلب الأمور فيهما رأسا على عقب؟ هل هو الإعلان عن تغير في السياسة الخارجية للرباط، يفضي إلى مطالبتها رسميا وفي المحافل الدولية بالجلاء عما تبقى من أراضيها المحتلة؟ أم حشدها لقواتها في البر والبحر والجو وقيامها بهجوم خاطف ومباغت لاستعاد الثغرين اللذين لا يزالان ومنذ عقود طويلة مع عدد من الجزر والصخور المغربية تحت السيطرة الإسبانية؟ من الواضح جدا أن ذلك يبدو أكثر الخطط التي ترعب الإيبيريين، وربما حتى أفظع كابوس يمكن أن يقض مضاجعهم. لكن هل يبدو ذلك واقعيا، أم أنه لا يعدو أن يكون ضربا من ضروب الخيال العلمي؟ من هنا إلى عام ثلاثين بعد الألفين، أي السنة التي سيشترك فيها البلدان في تنظيم أكبر مسابقة عالمية في كرة القدم مع جارتهم البرتغال، سيكون من غير المتوقع أن تقدم الرباط على عمل من ذلك النوع. غير أن جزءا كبيرا من الإسبان يرون أن تلك الفرضية قد تتحقق وبطريقة ما خلال السنوات التي تلي ذلك الموعد. إنهم يدركون جيدا أن العلاقات بين بلادهم والمغرب حتى إن كانت تمر اليوم بواحدة من أفضل مراحلها مثلما تحاول الحكومتان التأكيد عليه باستمرار، إلا ان حالة الصفاء تلك لا تعني أنه باستطاعتهم الآن أن يخلدوا إلى الراحة، ويتخلوا عن حذرهم وخوفهم مما قد تخبئه لهم السنوات المقبلة من مفاجآت، ربما يكون بعضها مزعجا بالنسبة لهم ويجعلهم يدخلون ولسبب من الأسباب في مواجهة تاريخية ومصيرية مع جيرانهم المغاربة داخل تراب القارة الافريقية، لن تعرف نتيجتها بشكل مبكر، وربما تعيد في الأخير كتابة مسار المنطقة بأسره ورسم خرائطها من جديد. ولعل أحدث دليل على جدية تلك المخاوف هو، ما أظهره استطلاع حديث للرأي أجرته بداية الشهر الجاري مؤسسة «سوسيومتريكا» لصالح صحيفة « أل إسبانيول»، وأثبت أن أكثر من سبعين في المئة من الإسبان يشعرون بالقلق على مستقبل مدينتي سبتة ومليلية ولا يستبعدون حدوث تحرك من جانب المغرب لاستعادتهما، خصوصا في ظل التقارب المغربي الأمريكي والفتور النسبي في علاقة مدريد مع الإدارة الجديدة في واشنطن. لكن لماذا يذهب الإيبيريون بعيدا ويرون أن ضغوطا أمريكية مفترضة هي وحدها من سترجح الكفة، وستدفع الإسبان للتخلي عن بقايا إرثهم الاستعماري؟
لنتأمل المشهد التالي: يقطع التلفزيون الرسمي المغربي برامجه العادية ويقول المذيع بنبرة حاسمة وقوية: أيها المواطنون أيتها المواطنات صاحب الجلالة يخاطبكم. لحظات بعد ذلك يظهر العاهل المغربي واقفا وعلى يمينه ولي عهده وعلى شماله شقيقه مولاي رشيد، وهم يستمعون إلى النشيد الوطني. وبمجرد الانتهاء منه وبعد أن يسرع ولي العهد لمساعدة الملك على الجلوس، يبدأ الأخير في إلقاء خطاب يستهله بالآية القرآنية التالية «فإذا عزمت فتوكل على الله»، ثم يقول: «فعلا شعبي العزيز لقد عزمنا وعزمنا جميعا ككل مرة في التاريخ قررنا أن نعزم عزمنا وقررنا أن نسير بمسيرة سلمية خضراء مدعمين بحقوقنا محاطين بأشقائنا ورفاقنا، معتمدين قبل كل شيء على إرادتنا وإيماننا… شعبي العزيز غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطالون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز». هل يبدو مثل ذلك المشهد اليوم غير مطابق للواقع؟ ربما. لكن ألن يكون ممكنا توقع مثله في المستقبل؟ لعل هناك من سيقول إن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني ألقى تلك الكلمات قبل خمسين عاما، حين قرر أن يرسل نحو ثلاثمئة وخمسين الف مغربي في مسيرة سلمية نحو الصحراء، بعد أن أعلنت إسبانيا تخليها عنها، ولا شك أن الظروف التي تمت فيها تلك المسيرة تختلف عن الظروف الحالية لسبتة ومليلية، لكن ما الذي يمنع المغرب من أن يعيد الكرة من جديد ويطلق مسيرة أخرى، لا نحو الجنوب بل نحو الشمال هذه المرة؟
يعرف الإسبان أن المغاربة لم يتخلوا، وفي أي وقت من الأوقات عن المطالبة باستعادة البلدتين المحتلتين، والجزر والصخور التي احتلوها في فترات سابقة. كما أنهم يدركون جيدا أن تركيز الرباط على غلق ملف الصحراء بشكل تام ونهائي أملته اعتبارات ظرفية وأولها الحرص على عدم فتح أكثر من جبهة في وقت واحد. لكنهم متأكدون تماما من أنها وبمجرد أن تطوي ذلك الملف فإنها ستفتح ملف الاحتلال الإسباني. أما كيف سيتم ذلك؟ وما الوسائل التي ستلجأ لها؟ وهل إنها ستتبع الطرق والأساليب الدبلوماسية فقط؟ أم انها ستستخدم القوة الاقتصادية أو حتى العسكرية أيضا؟ فكل ذلك يبقى تفصيلا. لكن المهم هو أن طوفانا سينطلق من المغرب نحو آخر المستعمرات الافريقية، في الوقت الذي يقرره المغاربة. وقد يبدو ذلك للبعض مجرد توقع لا أساس له، غير أن مدريد تأخذ الأمر بكثير من الجدية وربما الخوف أيضا.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Rachid:

    الاوطان المحتلة تحرر بقوة السلاح و النار والثورة ليس بانتظار ما يجود به المحتل. بالطبع هناك بلدان لايوجد في قاموسهم الا أعياد الطاعة والولاء

  2. يقول ملاحظ:

    إسترجاع سبتة وأمليليا مسألة وقت وحين الوقت المناسب .

  3. يقول عياش العياش:

    هل ينتظر الإسبان طوفانا مغربيا؟
    سبق أن أقتحم طوفان بشريا من ستة ألاف شخص مدينة إمليلية سنة 2021 للعبور إلى إسبانيا …

  4. يقول حنظلة:

    المسيرات لا تحرر الأرض لكننا كعرب نبدع في أساليب التخاذل كحالنا مع نصرة غزة !

  5. يقول Youness:

    لنركز اهتمامنا الان على قضية وحدتنا الترابية من أجل طرد مرتزقة البوليزاريو من الاتحاد الافريقي
    الفرصة الان متالية باعتراف الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ..وكذلك اهم الدول الأفريقية المحورية والاتي افضل بسحب نيجيريا..صاحبة أنبوب الغاز ..واتيوبيا..خصبة التربة
    المحتاجين للفوسفاط ..وبقية الدول ستأتي..
    دعونا نهتم بانجازات المونديال بشق الطرق ومزيدا من التيجيفي…وفتح قناة بين القارتين…
    وبعد 2030 سيكون المغرب قد حصل على مزيد من الأباتشي..و F35..وتغطية حربية إلكترونية مرعبة للصديق قبل الخصوم…
    سبتة ومليلية بمجرد انحاز ميناء طنجة المتوسطي..كسدت تجارة السبليون…راهم تينشو الدبان… غير بهاد الطريقة التجار سيرحلون..وتبقى مدينتي أشباح….وسيسترجعها المغرب بدون طلق رصاصة واحدة..

    1. يقول العطاوي:

      صدق الأخ” حنظلة ” نحن العرب نبدع في أساليب التخاذل !

  6. يقول اسماعيل:

    عاش الوطن، لحمة واحدة في زمن التفرقة…

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية