التمرد العسكري، الذي كان يقوده حزب العمال الكردستاني، والذي يعرف اختصارا بـ»بي كاكا» من أكبر التحديات التي واجهت الدولة التركية خلال العقود الماضية. تبني الحزب، المتأسس على عقيدة هي مزيج من الشيوعية والإلحاد، لأعمال العنف والإرهاب، كان يزيد من حالة التوتر الأمني، ويجعل البلاد في حالة تأهب دائم. بجانب ذلك، فقد شكل ذلك التمرد، مدخلاً يمكن للدول المنافسة أن تضغط به على تركيا، سواء عبر توفير الحماية والدعم والرعاية للمتمردين، أو عبر غض الطرف عن تحركاتهم، ورفض ملاحقة عناصرهم، بمن فيهم من تورط في عمليات إرهابية، وهو ما كانت تقوم به دول إقليمية وأوروبية، على الرغم مما يجمعها بتركيا من اتفاقات وشراكات أمنية وعسكرية.
تمرد «بي كاكا»، وبجانب سعيه لتشويه صورة تركيا، وإظهارها كبلد غير آمن عبر تبنيه تنفيذ عمليات إرهابية، كان أيضاً يقدم صورة خادعة عن حقيقة الأوضاع، فيصور الأكراد كأقلية مضطهدة لا تجد حريتها الكاملة ولا الحق في إبراز لغتها وثقافتها، فتحتاج وفقاً لذلك للحزب، الذي سيأخذ لها، بزعمه، حقوقها أو يقدم لها وطنّا مستقلاً.
الحزب، ومثله في ذلك كل حركة متمردة، كان يجد من يدعمه بسخاء من الرعاة الخارجيين، فالحروب مكلفة والسلاح المتقدم لا يشترى بمساهمات الأعضاء. ارتباط الحزب بالمجموعات المسلحة السورية، التي كانت مدعومة من الغرب بغرض مكافحة «تنظيم الدولة»، الذي نشط في منتصف العقد الماضي، كان يخلق جوا مليئاً بأعمال الإرهاب، التي كانت السيارات المفخخة والعبوات الناسفة هي بعض مظاهرها. في الداخل التركي كانت الحكومة تتعامل بحسم مع المتعاطفين مع الحزب، أو مع ما يقوم به من إرهاب، خاصة حين يكون أولئك قصار النظر لدرجة تجعلهم يشجعون هذه العمليات نكاية في الحزب الحاكم، الذي يختلفون مع سياساته، أو الذي يتمنون إسقاط حكومته.
إجراءات الحكومة تجاه المتعاطفين مع الإرهاب، كانت تشكل أيضاً مدخلاً للضغوط والتدخلات الخارجية بذريعة الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، ما يجعل الحكومة مجبرة في كل مرة على شرح أمور بديهية مثل، أن دعم الإرهاب وقتل الأبرياء لا يمكن أن يدخل في إطار حرية التعبير، أو أن لا فرق بين إرهاب المتشددين الدواعش وإرهاب اليساريين المتطرفين. الأمر كانت له تداعيات داخلية أيضاً. المنافسون السياسيون الناقمون على حزب «العدالة والتنمية»، كانوا يعتبرون أن نجاح أي عملية إرهابية لا يعني سوى فشل الحكومة، التي عجزت بنظرهم عن حماية مواطنيها والتصدي للمهاجمين، كما عجزت عن الوصول لصيغة تفاوض تنهي الصراع بشكل نهائي. حتى حينما أرادت الحكومة أن تتجه لنزع الحصانة عن البرلمانيين، المتعاطفين مع الإرهاب، فإن ذلك لم يمر بسهولة، فلأن أولئك كانوا في غالبهم أكراداً من حزب «الشعوب الديمقراطية»، كانت المعارضة تتعمد تصوير الأمر وكأنه مجرد ذريعة للتخلص من البرلمانيين الأكراد.
ما تسرب من مطالب كردية مقابل إنهاء حالة الصراع، كالإفراج عن أوجلان وتثبيت حقوق الشعب الكردي دستوريا، والعفو عن مقاتلي «بي كاكا»، يبدو ثمناً مقبولاً للسلام
لكل ما سبق، فإن كثيرين تفاءلوا بما أشيع منذ العام الماضي بشأن قرب الوصول إلى تسوية بين الحكومة، وعبد الله أوجلان استجابة لنداء دولت بهجلي رئيس حزب «الحركة القومية» المتحالف مع الحزب الحاكم. بهجلي كان قد دعا أوجلان للعمل على وضع السلاح وفتح صفحة جديدة أساسها الحوار. عبدالله أوجلان الزعيم الروحي والتاريخي لحزب العمال الكردستاني، والمعتقل منذ26 عاماً أعلن قبوله أخيراً بالجنوح إلى السلم، والعودة إلى مظلة الدولة، بعد عقود من تبني خيار المعارضة المسلحة. تخلى أوجلان عن هدف الانفصال وإنشاء دولة كردية على الأراضي التركية، وهو ما أكدته دعوته، التي أطلقها قبيل بداية هذا الشهر، والتي طلب فيها من مجموعته العسكرية وضع السلاح ووقف العمليات العسكرية. قال أوجلان أن اتباع استراتيجية السلاح كان بسبب إغلاق منافذ الحوار والرأي في الحقب السابقة، وأن منهجهم سيتغير بعد فتح الحكومة باباً للتفاوض. كانت لاستراتيجية التسليح تلك آثار إنسانية أيضاً، حيث سقط بسببها عشرات الآلاف من الضحايا، كما اضطرّ الملايين للهجرة والنزوح من مناطقهم، التي لم تعد آمنة، فيما توسعت دائرة عدم الاستقرار لتمتد من جنوب شرق تركيا، وحتى الداخل العراقي والسوري. سوف يكون نزع فتيل التوتر في مصلحة أغلب الأطراف الداخلية، لكن خارجياً قد لا تبدو هذه التسوية، التي تظهر الدولة التركية بمظهر المنتصر، مريحة. تسوية مرضية كهذه تعني أن كل ما تم تقديمه من دعم من أجل تقوية المتمردين خلال العقود الماضية قد ضاع هباءً. تفكيك الـ»بي كاكا» يعني إضعاف المجموعات الكردية المقاتلة في داخل سوريا، والتي كانت تبحث هي الأخرى عن اقتطاع مساحة من الجغرافيا على غرار هدف المتمردين على تركيا، كما كان يعني تراجع المشروع الإسرائيلي وإعلان هزيمة التحالف، الذي كان يجمع الكيان بالمجموعات الكردية المسلحة. ما تسرب من مطالب كردية مقابل إنهاء حالة الصراع، كالإفراج عن أوجلان وتثبيت حقوق الشعب الكردي دستوريا، والعفو عن مقاتلي «بي كاكا»، يبدو ثمناً مقبولاً للسلام. المطلوب فقط هو أن يثبت المتمردون جديتهم، حيث تبقى قاعدة رفض التفاوض مع الإرهاب حاضرة، وهي قاعدة لا يمكن تجاوزها إلا بتحول القضية من صراع مع إرهابيين، إلى مجرد أزمة سياسية.
لأن الأزمة الكردية التركية لا تنفصل عن الجغرافيا السورية يتطلع الأتراك لتفكيك وحدات حماية الشعب السوري «واي بي جي» المرتبطة بــ»بي كاكا»، والتي تعتبر الميليشيا الأشرس، ضمن ما يعرف بـ»قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أمريكياً.
التطور السوري الأخير المتمثل في إسقاط الرئيس بشار الأسد وتنصيب حكومة جديدة صديقة لتركيا، أثر بالتأكيد على قرار أوجلان، الذي كانت قواته تواجه بالفعل هزائم متتالية. سوف تسهل هذه التطورات أيضاً مهمة محاصرة «واي بي جي»، التي استطاعت أن تقتطع مساحة من الأراضي السورية، والتي تعتبرها تركيا، التي كانت وجدت ألا مفر من التدخل العسكري، تهديداً. كان من اللافت هنا مسارعة مظلوم عبدي، القيادي في «قوات سوريا الديمقراطية» للنأي بنفسه عن كل ما يدور من عمليات تفاوض بين أوجلان والحكومة التركية، حيث علق على قرار أوجلان وقف العمليات العسكرية قائلاً، إن المجموعات الكردية في سوريا غير معنية به.
إن كل ما ذكر أعلاه من تعقيدات بإمكانه أن ينتهي إذا ما تم التوصل إلى سلام. سيكون ذلك إن حدث من أهم إنجازات الحكومة والرئيس أردوغان، الذي سوف تنتهي ولايته في عام2028 ، والذي كان قد عبر عن أمله أن يكون ذلك الخطوة الأولى لحقبة جديدة خالية من الإرهاب. يمكن أن تتفرغ الدولة التركية بعد إغلاق هذا الملف إلى قضايا أخرى وأن تسخر الوقت والجهد والميزانيات وتوجهها إلى مزيد من مشاريع التنمية والعمران. في الوقت ذاته، وبانتظار اكتمال مساعي الوقف النهائي لإطلاق النار، يتخوف مراقبون من تكرار سيناريو عام 2013، حين أدى تعثر التوصل إلى حل بين الجانبين، لدخول البلاد في نفق عمليات عنف وإرهاب عانت منها في المقام الأول المناطق الكردية، التي حولها المتمردون، الذين استغلوا الفوضى السورية، لساحة حرب. تلك الذكرى تجعل سكان تلك المناطق يصلون من أجل ألا تتكرر، وأن تكتمل مساعي السلام هذه المرة، لأن البديل سيكون موجة جديدة من عمليات الانتقام الأعمى.
*كاتب سوداني
القمع والترهيب والاضطهاد وارهاب الدوله والذى تمارسه الحكومات العنصريه التركية منذ اكثر من قرن من الزمن بحق الكورد المطالبون بحقوقهم المشروعه فى العيش بسلام وحريه وكرامه فى تركيا مكشوف و معروف لدى كل العالم ولا يحتاج الى برهان واثبات والحملات العسكريه التركيه الشرسه المستمره باحدث وافتك الاسلحه والمعدات والتهديد والوعيد بدفنهم من قبل اوردوغان على مرأى ومسمع العالم المنافق والمتخاذل اكبر دليل