هنا فلسطين!

حجم الخط
11

ما أصعب ان تكون كاتباً رياضياً، والنيران تشتعل في أرض فلسطين، وما أصعب ان تنقل خبر فوز فريق في مباراة وتألق لاعب بتسجيل هدف، وسكان حي فلسطيني يطردون عنوة، والمصلون في القدس يتعرضون لاعتداءات وحشية، وأهلنا في غزة يقصفون بصواريخ مدمرة، وأهلنا في الأراضي المحتلة في 1948 يشتبكون مع المتعصبين والعنصريين.
لا شك أن نصرة فلسطين للقاطنين في أوروبا، لا تتم الا عبر أعمالنا وحياتنا اليومية، ان كان بالتبرع او الكلمة او نقل حقيقة ما يجري لأصدقائنا وجيراننا وزملائنا، لكن في العصر الحديث لتكنولوجيا الانترنت وروعة «السوشيال ميديا» ومواقع التواصل الاجتماعي، بدأ العدو الصهيوني يستدرك انه خسر الكثير من متعاطفيه في السبعينات والثمانينات والتسعينات، عندما كانت المعلومة التي تقدم الى الشعوب الأوروبية والعالمية، مقتصرة على ما يطرحه الاعلام المملوك له، فكان الجميع لا يعرف سوى «الارهاب الفلسطيني» و»الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، واليوم تغير الحال تماماً عبر التكنولوجيا الحديثة، فباتت هناك وسيلة جديدة للمعرفة، أكثر سرعة ودقة وبالصوت والصورة، لتظهر الى العالم وحشية هذا العدو، وربما تعطي صورة ملطفة عما حصل قبل أكثر من 70 عاماً عندما أجبر مئات الآلاف على هجرة بيوتهم وأراضيهم ليسرقها المحتلون، على غرار ياكوف اليوم، المغتصب الصهيوني الذي قال بصراحة وقحة لسيدة فلسطينية في حي الشيخ جراح: «اذا لم أسرق منزلك أنا سيأتي غيري ويسرقه»!
أسلوب التواصل مع العالم، تطور في السنوات الاخيرة مع اجادة جيل جديد من المهاجرين العرب الى أوروبا لغات ولهجات البلدان التي يقطنونها، فأصبح ايصال الفكرة سهلاً وسلساً. وتضامن مشاهير كثر من كل الحقول مع معاناة الفلسطينيين، وبينهم نجمة هوليوود الاسرائيلية ناتالي بورتمان التي تبرأت من دولتها العنصرية، في حين أعرب العشرات من الرياضيين عموما، ونجوم كرة القدم خصوصا، وقوفهم مع الفلسطينيين، مستخدمين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتابعها مئات الملايين حول العالم، وأبرزهم النجم الجزائري رياض محرز، وهو أمر ليس مستغرباً على الشعب الجزائري العظيم، ومحرز الذي لديه 2.6 مليون متابع على «تويتر» نشر علم فلسطين في حسابه مع وسم #أنقذوا الشيخ جراح، ولاقى اعجاب نحو 190 ألف متابع، واعادة تدوير للمنشور من نحو 66 ألف متابع، و11.6 ألف تعليق، وبين هذه التعليقات كان لأحد معجبيه الاوروبيين، فسأله: ما الذي يجري في فلسطين؟ فرد عليه متابع عربي وشرح له باختصار مأساة الشعب الفلسطيني وعنصرية العدو الصهيوني واجباره على طرد الفلسطينيين من بيوتهم، فما كان من هذا المتابع الاوروبي، بفطرته الانسانية ان غرد على حسابه بصورة لقبضة يد ملفوفة بعلم فلسطين تقاوم المحتل. أما بطل إيطاليا مع الإنتر الظهير المغربي أشرف حكيمي، فنشر فيديو في حسابه على «تويتر» لفتاة محجبة يقوم عناصر أمن إسرائيليون بتوقيفها. وكتب المصري أحمد حسن «كوكا» مهاجم أولمبياكوس اليوناني: «لست بحاجة إلى أن تكون عربيا لتدعو من أجل فلسطين، أنت فقط بحاجة الى أن تكون إنسانا». ونشر بطل العالم الفرنسي بول بوغبا صورة له على «إنستغرام» علّق عليها: «العالم بحاجة للسلام والحب، العيد سيحل قريباً، فدعونا نحب بعضنا بعضا. الدعاء لفلسطين». وأرفق تعليقه بوسم #صلّوا لفلسطين. ولو تفاعل 1% من متابعيهم مع هذه التغريدات وتعرفوا على مأساة فلسطين، فلن يتجرأ هذا العدو على المزيد من القباحة أمام أعين العالم، وهذا هو تأثير نجومنا العرب والمسلمين. لكن في المقابل توقعنا من أحد أكبر نجومنا هداف ليفربول محمد صلاح أكثر بكثير مما فعل، ففي حين انتظر الجميع تغريدة على حسابه على «تويتر» او منشوراً على «فيسبوك» أو «انستغرام»، تؤكد تضامنه الكامل مع القدس وأهل فلسطين، ورفض كل ما يتعرضون له من عدوان، فانه بعد 3 ايام من تفجر الاوضاع نشر تغريدة مبهمة تطالب رئيس الوزراء البريطاني وقادة العالم الى وقف اراقة الدماء، بدون أي ذكر للقدس أو فلسطين، ما قاد الى استياء الكثيرين من عشاقه، معتبرين انه فضل مصالحه الشخصية المرتبطة بالدعاية والرعاية مع شركات عالمية، على مساندة أبناء أمته والتعاطف مع أهله وناسه، رغم انه جميع النجوم العرب وغير العرب في اوروبا فعلوها، بينهم زميله في المنتخب المصري محمد النني، بل حتى حسابات الاندية الاوروبية أعربت عن تعاطفها مع فلسطين، رغم عدم الشك نهائياً في انتماء وولاء صلاح، خصوصا ان مثله الاعلى محمد أبو تريكة الذي يعمل محللا في قناة «بي إن سبورتس» القطرية أعلن تأييده بقوله: «تحية لأهلنا في القدس وأهلنا في فلسطين، ربنا ينصرهم ويثبتهم، ويعين من أعانهم ويُخذل من خذلهم، هم يحتاجون إلى الدعاء ونحن أيضا نحتاج دعاءهم، لأنهم أشرف وأطهر شرف الأمة، ربنا ينصرهم على الاحتلال».
المُدهش أنه رغم كل الضخ الإعلامي والسياسي المروج للتطبيع في السنوات الأخيرة، الا انه سقط في أول لحظة مواجهة، وكل التعويل على الزمن واختلاف الأجيال ونسيان الصراع تلاشى في لحظة صمود، وكل الاستثمار في تغيير المفاهيم والأفكار وتشويه القضية والمقاومين المرابطين انهار مع أول هتاف «هنا فلسطين».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تاوناتي:

    وحدها المقاومة الفلسطينية تعري الدعاية الإسرائيلية، و تفضح كل المقاومات الزائفة و المتاجرين في الدم الفلسطيني..أما اتفاقيات وقف إطلاق النار، و منح المحتل السلام و الطمأنينة فتسمح لهذا الأخير بالتمدد وفتح أبواب التطبيع ..

  2. يقول حسن حسن:

    هذا “شوط” آخر يفوز فيه الشعب الفلسطيني على أرضه رغم صمت “الحكم غير النزيه” حيال “ضربات الجزاء”. والقلب والعقل يهفوان إلى عدم الاسترخاء،درءا لفوز الخصم بـ”ضربات جزاء”، ولْتمدَّد المنازلة الشعبية في ظل قيادة تولد من رحم ما مضى من النضال من أزمان. ولا يفوتني أن أقول أنك أصبت بقولك كبد الحقيقة.

  3. يقول awadh:

    شكرا استاذ خلدون ، اوضحت لنا كيف يمكن ان تسهم المتابعات المليونية للنجوم العرب في اوربا في تصحيح وجهة نظر الرأي العام الغربي حول القضية الفلسطينية ن فما نسمعه ان الغربي لا يتابع الاحداث العالمية بسب انشغاله التام بلقمة عيشه وبقية اهتماماته الشخصية ، ويترك الشؤوون الدولية لحكوماته المزدوجة المعايير !

  4. يقول عبدالله السوري:

    علينا ان نحذر من الذين يطلقون اسماء أماكن مقدسة على ابنائهم او تسمية ابناؤهم إسلام او غيرها فهؤلاء هم قمة النفاق وقد رأينا أشباههم في سورية عندما كانوا يسمون ابناؤهم بعث او حافظ الأسد او باسل تيمناً باللص المقبور باسل ابن حافظ وغيرهم ولهذا لانحتاج الى من يسمي ابنته مكة القدس لكي يقنعنا بأنه مسلم بل سنحكم عليه من افعاله

  5. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي خلدون الشيخ. هي مفاجأة لماذا لم يشارك صلاح بحملة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وخاصة عندما دافع المقدسيين والعالم معهم عن حي الشيخ جراح الذي تهدده عصابات الصهاينة والعنصرية الإسرائيلية وهذا سبب مقنع لأن الرياضة من أهم الحقول للتخلص من العنصرية والتمييز والكراهية والتسلط والإستبداد في هذا العالم!

  6. يقول الشاهد:

    المسألة ليست تكمن في تسجيل هدف فلسطيني في المرمى الإسرائيلي أو بالعكس ، كما يُفهم من سياق المقال والتعليقات بصورة عامة ، المسألة تكمن إذن في تحاشي الإقحام المتعمَّد للسياسة أو الدين أو كليهما في أي من مواضيع أو أنشطة الرياضة : ليس هناك أمقت وأبغض من منظر لاعب “عربي” أو “مسلم” يقرأ الفاتحة في ساحة ملعب أجنبي لنصرة فريقه الإنكليزي إلخ، تماما مثلما أنه ليس هناك أمقت وأبغض من منظر لاعب “عربي” أو “غير عربي” يرفع العلم الفلسطيني أو غيره في ساحة ملعب أجنبي بعد نصرة فريقه الإنكليزي إلخ !!!!؟

    1. يقول ادريس فرنسا:

      اخي الشاهد،
      ليس هناك امقت من إبادة شعب باكمله و هذه الدول التي تتبجح بالديمقراطية تعلن صراحة تضامنا مع المحتل.
      ليس هناك امقت من إنسان مسلم تغيب عن ذاكرته القدس و لو بدقيقة، فما بالك بتسعين دقيقة.
      ليس هناك امقت من اعلام غربي و عربي يساوي بين القاتل و المقتول.
      ليس هناك امقت من أن نغيب الحس الإنساني بدعوى عدم تسييس الرياضة،
      ليس هناك امقت من أن نعيش في بوتقة منقطعة عما يجري خارجها،
      أليس مما يثير الاشمئزاز ان يصبح حتى مجرد التضامن المعنوي مع شعب افقده الحصار و الظلم كل شيء عيبا؟
      مات كل شيء، ماتت النخوة، ماتت الإنسانية، و لم تبق الا الأنانية الميتة.
      انا لله و انا اليه راجعون

    2. يقول الشاهد:

      الأخ إدريس،
      أنا أتفهَّم وأقدِّر مشاعرك وعواطفك كل التفهُّم وكل التقدير، ولكنها للأسف مشاعر وعواطف قومية بدائية تم التعبير عنها قرونا وقرونا ولم تقدم شيئا ذَا قيمة إنسانية ووجدانية في آخر المطاف: تذكَّر أن الحس الإنساني والتضامن الوجداني مع أخواتنا الفلسطينيات وإخوتنا الفلسطينيين يمكن أن يُعبَّر عنهما بأشكال عديدة إلا الرياضة بالذات؛ تذكَّر أيضا أن معظم الألعاب الرياضية صناعة استعمارية (مثلا، لعبة كرة القدم صناعة إنكليزية بامتياز)، حيث أن كافة أشكال القومية البدائية تتجلى في ذهنيات الجماهير المشجِّعة لهذا الفريق أو ذاك الفريق – ناهيك عن أشكال العنصرية المتوحشة والطائفية الهمجية وما أشبه ذلك !!!؟؟

    3. يقول ادريس فرنسا:

      اخي الشاهد،
      ابادلك نفس الاحترام و اشكرك،
      ما يقوم به الاسرائيليون في غزة منطلقه قومي همجي بامتياز، و مع انه من القرون البائدة كما تفضلت و وصصفت به أحاسيس الملايين التي تقاسمني نفس المشاعر، فقد بلغت به ما بلغت و احكمت سيطرتهاعلى مفاصل المنطقة و العالم.
      اما اصل الرياضة و الصناعة ووو، فاقاسمك الرأي، لكم ما هكذا تقاس الأمور.
      اما ما احس به، و لاضعك في اطاره الصحيح، فمنطلقه إنساني صرف لا علاقة له بالقومجية الجوفاء و لا الاندفاعية الخرقاء. و كل إنسان فيه ذرة من الإنسانية و شيء من التوازن الذهني سيكون له نفس القياس.
      و شكرا

  7. يقول سمير:

    حتى google يقود حملة تضليل ضد الفلسطينيين، حيث أنه وبالصدفة عند بحثي عن مدينة اللد بالانجليزية (Lod), قمت بإلقاء نظرة على الجزء المخصص للأسئلة الأكثر طرحا على محرك البحث (people also ask), حيث كانت أغلب الأسئلة من قبيل: لماذا يهاجم الفلسطينيون اسرائيل؟ ومن بدأ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟ وكم عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس على اسرائيل؟….
    حتى هنا قد تبدو الأسئلة عادية، لكن عند إلقاء نظرة على الأجوبة التي يقترحها google كأجوبة على هذه الأسئلة، والتي يتم اقتطاعها خارج سياقها من مقالات لمواقع صحفية عالمية، نجد أنها كلها تعطي انطباع بأن الفلسطينيين هم الظالمون والبادئون بالأذى والغير محترمين للالتزامات، أما اسرائيل فهي فقط في حالة دفاع عن النفس.

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      وهذا هو مايحصل أخي سمير، كثير من الشركات الكبرى وخاصة مثل فيسبوك وغوغل وغيرها تروج دائمًا لأكاذيب والصهيونية. المشكلة هي أن المال والإعلام العربي يستطيع أن يتصدى أو يساهم بقدر كبير للتصدي لذلك، لكن للأسف الواقع على عكس ذلك.

اشترك في قائمتنا البريدية