الدوحةـ»القدس العربي»: تواصل الولايات المتحدة مشاوراتها مع قطر ومصر بشأن ملامح اتفاق وقف إطلاق نار نهائي، وتعتبر أن عدم قبول الطرفين اتفاقاً نهائياً تعتزم واشنطن تقديمه قد يعني نهاية المفاوضات بقيادة أمريكية.
ومؤخراً أجرى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مباحثات في عدد من العواصم الأوروبية ضمن جولة شملت دولاً مثل السويد والنرويج. وتأتي الزيارة تزامناً وجهود تبذلها قطر لتحقيق اختراق في مسار الوساطة التي تقوم بها مع الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، للتوصل لاتفاق ينهي الحرب الإسرائيلية على غزة.
وكانت لأمير قطر مباحثات مع كبار المسؤولين السويديين خلال زيارته للعاصمة ستوكهولم، شملت الأوضاع في قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية. وقال الديوان الأميري إن أمير دولة قطر عقد جلسة مباحثات رسمية مع رئيس وزراء مملكة السويد أولف كريسترسون في مقر رئاسة الوزراء «روسنباد» في ستوكهولم الأسبوع الماضي. كما ثمن يوناس غار ستوره رئيس وزراء مملكة النرويج، التبادل الجيد لوجهات النظر مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، حول الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقال رئيس وزراء النرويج، «تم تبادل وجهات النظر حول الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار في غزة، والوضع الهش في الشرق الأوسط، وكذلك أفغانستان وأوكرانيا» مؤكداً «أن قطر شريك قيم في عملية السلام والمصالحة».
وتستمر قطر في أداء دورها في مجال الوساطة، ومناقشة تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة في مختلف المحافل الدولية. كما تستضيف الدوحة جولات مفاوضات اللجان الفنية التي تبحث المقترحات الأمريكية، في محاولات لجسر الهوة بين إصرار تل أبيب على البقاء في غزة، والامتناع عن تقديم التزام حقيقي بإنهاء حربها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومنذ أشهر، تقود مصر وقطر والولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، غير أنها لم تسفر عن اتفاق بسبب رفض إسرائيل مطلب حماس بإنهاء الحرب وسحب قواتها من قطاع غزة وعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع.
إدارة بايدن تلعب ورقتها الأخيرة
وتحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يستعد لتوديع البيت الأبيض بعد انسحابه من سباق الرئاسة على تجديد ولايته، لعب أوراقها الأخيرة للتوصل لاتفاق. ومؤخراً كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن واشنطن تخطط لتقديم مقترح اتفاق نهائي لوقف الحرب في قطاع غزة. وصرّح مسؤولون للصحيفة بأن واشنطن والقاهرة والدوحة كانوا يعملون على الاقتراح النهائي قبل العثور على جثث الأسرى المحتجزين. كما أكد مسؤول أمريكي أن مقتل الأسرى لا يعطل التوصل إلى الاتفاق بل يجب أن يكون دافعا إضافيا لإنجازه في هذه المرحلة الختامية.
وركزت المباحثات الأخيرة على محتجزين سيتم تبادلهم مع سجناء فلسطينيين محددين أسرى داخل إسرائيل، وأن المرحلة الأولى كانت تضم الأسير الأمريكي الإسرائيلي المقتول إلى جانب نساء ومسنين ومرضى وجرحى. وتتخوف واشنطن من أن عدد الأسرى الأحياء قد لا يتجاوز العشرات، وأن المفاوضات أصبحت الآن أكثر تعقيدا بعد التأكد من مقتل الأسرى الستة. ويرأس مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، الوفد الرئيسي عن الولايات المتحدة المفاوض، ويتشكل من مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين الأمريكيين الذين يعملون على صياغة مسودة المقترح. وتضم المجموعة منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن.
عقبات أمام التوصل لاتفاق في غزة
يهدف المقترح الأمريكي الجديد للتوصل لصفقة، إلى حل نقاط الخلاف الرئيسية التي أدت إلى الجمود المستمر منذ أشهر في المحادثات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر سعياً إلى التوصل إلى حل للصراع. وتتمثل العقبتين في مطالب إسرائيل بإبقاء قوات في محور فيلادلفيا، وهو منطقة عازلة في جنوب غزة على الحدود مع مصر، وفي هوية الأسرى الفلسطينيين الذين ستشملهم صفقة مبادلة المحتجزين لدى حماس بفلسطينيين أسرى لدى إسرائيل. واستبق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المقترح الأمريكي الجديد، بتأكيد إصراره على بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا. وقال في مؤتمر صحافي إن إسرائيل لن تسحب قواتها من محور فيلادلفيا، حتى يتم ضمان عدم استخدام المنطقة كشريان حياة لحركة حماس. ويزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه في حال خفف الضغط عن حماس بمغادرة ممر فيلادلفيا فلن تتمكن تل أبيب من إعادة كل الرهائن. وحتى الآن تنسف مناورات تل أبيب جهود الوساطة التي تقودها قطر والولايات المتحدة الأمريكية ومصر.
ارتفاع فاتورة
الضحايا الفلسطينيين
وبدعم أمريكي تشن إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 حرباً على غزة، خلّفت أكثر من 135 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، مؤخراً، أن حصيلة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ نحو 11 شهراً، بلغت 40878 شهيدا على الأقل. وذكرت الوزارة أن «الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرتين في القطاع أسفرتا عن وصول 17 شهيدا و56 مصابا إلى مستشفيات القطاع» خلال 24 ساعة، لافتة إلى أن عدد الجرحى الإجمالي ارتفع إلى 94454 منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
حماس تشترط التزام إسرائيل
تشدد حركة المقاومة الإسلامية حماس على ضرورة التزام إسرائيل بوقف الحرب، والانسحاب من كامل أراضي القطاع المحاصر، وعدم العودة مجدداً لشن هجوم.
وتحذر حماس، من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُفشل التوصل لاتفاق لوقف الحرب بقطاع غزة وتبادل الأسرى عبر التشبث بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي بين القطاع ومصر. وتعتبر الحركة أنه لا توجد حاجة إلى مقترحات جديدة لوقت إطلاق النار، وإن المطلوب الآن هو الضغط على نتنياهو وحكومته وإلزامهم بما تم التوافق عليه خلال المفاوضات السابقة. وتؤكد حماس أن قرار نتنياهو بعدم الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) يهدف لإفشال التوصل لاتفاق لوقف الحرب بقطاع غزة وتبادل الأسرى.
مخاوف من حرب إقليمية
بالرغم من تأكيدات الإدارة الأمريكية أن الحرب الإسرائيلية على غزة ما تزال محصورة في جغرافيا محدودة، ومن الصعب توسعها، لكن تزداد المخاوف من توسعها. وتتمحور تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» من أن الصراع لا يزال محصوراً في غزة، لكن تجمع التحليلات الرزينة أن بوادر توسع الحرب ما تزال قائمة، وإن كانت المواجهة الحالية بين إسرائيل وحزب الله ما تزال في حدها الأدنى. وبعد ختام زيارته لإسرائيل، قال الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية: «على المدى القريب، انحسرت إلى حدٍّ ما مخاطر اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط» لكن الخبراء يتخوفون من امكانية توسع نطاقها، في انتظار بلورة طهران موقف نهائي.
ويحرص المجتمع الدولي على ضرورة تطويق الأزمة الحالية وتلافي توسع مداها الإقليمي خشية نشوب حرب شاملة في المنطقة.