واشنطن وطهران… تلفن عياش!

حجم الخط
0

مع الاعتذار من الفنان اللبناني زياد الرحباني، إلا أن حالة العلاقة بين الرئيسين الأمريكي والإيراني، تشبه إلى حد ما حالة هذه الأغنية، ورغبة كل من الرئيسين في أن يسمع رنين هاتفه ويجد على الطرف الآخر نظيره اللدود، الذي ليس هناك بد من صداقته، أو الصديق الذي ليس هناك بد من عداوته، أو كما قال الشاعر العربي في يتيمته:
«ضدان لما استجمعا حسُنا… والضد يُظهرُ حُسنَه الضد»
الرئيس الإيراني حسن روحاني يبدو أكثر انتظارا لأن يعيد سيد البيت الابيض الكرة، كما فعل سلفه باراك اوباما قبل سنوات، وأن يبادر ترامب إلى الاتصال، فيعيد الأمور إلى النقطة المفصلية في العلاقة التي بدأت بين البلدين، وبالتالي الإعلان عن بداية مرحلة جديدة من المفاوضات المباشرة، وعلى رؤوس الأشهاد بدل استراق الغزل والحديث بعيدا عن عيون العذال لأشهر طويلة، ومن دون الحاجة هذه المرة إلى وسطاء قريبين أو بعيدين.
مع نهاية مرحلة «الصبر الاستراتيجي» التي اعتمدتها طهران على مدى سنة من تاريخ إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض سلسلة من العقوبات الخانقة والمشددة، التي ترافقت مع تصعيد على المستوى العسكري، بحيث أثار الكثير من المخاوف بإمكانية دخول الطرفين في مواجهة عسكرية تشعل مناطق التماس بينهما على امتداد منطقة غرب آسيا. إلا أن الكثير من الخبراء في كلا الطرفين، يعتقدون بعدم إمكانية وصول الأمور إلى الهاوية، والدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، لمعرفة الطرفين حجم الثمن الكبير الذي سيدفعانه، خصوصا إيران في حال حصول المعركة بينهما.
الإيرانيون يعتقدون أن الإدارة الأمريكية تعرف حجم القوة التي يمتلكها حلفاء طهران في الشرق الاوسط، وعدم إمكانية السيطرة عليها أو محاصرتها، وعليه فإن واشنطن لن تسير بخيار المواجهة معها، ويستدلون في ذلك على التصريحات الامريكية التي تؤكد عدم رغبة واشنطن في حصول مواجهة، وان التحركات العسكرية ليست سوى محاولة أمريكية لإيصال رسالة لطهران بأن أي اعتداء ضد قواتها أو حلفائها سيقابل برد عسكري قاس ومدمر، وأن من الأفضل لإيران أن لا تلعب بهذه الورقة حتى لا تخرج الأمور عما هو مرسوم له.

الجمود والافتقار إلى الخطط يعتبر من أكبر العوامل المساعدة للإدارة الأمريكية في النيل من إيران

ويجد المعقتدون بعدم وقوع الحرب من الإيرانيين في كلام المسؤولين الأمريكيين ما يدعم وجهة نظرهم، وأن ما تشهده الساحة من تصعيد وتوتير ليس سوى محطة على طريق العودة إلى طاولة المفاوضات، وقد عزز هذا التوجه كلام وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو، الذي علّق على إرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن إلى الشرق الاوسط بالقول «نحن لا نسعى للحرب مع إيران»، إضافة إلى تصريحات قائد الاسطول الخامس جيم مالوي، الذي أكد فيها على أن «الجيش الأمريكي لا يسعى للحرب مع إيران». وهي مواقف تتفق مع كلام ترامب الذي قال قبل أيام بأنه «لا نريد حربا مع إيران، نحن لا نريد اتخاذ أي خطوة».
الإيرانيون يميلون إلى الاعتقاد أيضا بان الإدارة الأمريكية ادركت عجزها عن فهم الموقف الايراني، وان المراهنة على استسلام إيران للشروط الأمريكية جراء هذه الضغوط هو رهان خاسر، واستخفاف بالموقف الإيراني الذي أثبت أنه لن يستسلم بهذه السهولة، وبالتالي فإن الرد جاء من خلال الإعلان عن وقف العمل ببعض التعهدات التي جاءت في الاتفاق النووي، بما يؤكد فشل سياسة الضغط التي مارسها الرئيس ترامب. في المقابل، لا يقدم هؤلاء الذين يؤكدون قدرة إيران على الرد وتحدي الضغوط الأمريكية، اي رؤية واضحة حول المجالات التي قد تستخدمها في هذه المواجهة السياسية والاقتصادية، سوى القول بان طهران، إضافة إلى ما تتمتع به من أوراق إقليمية ـ تخريبية، فإنها تمتلك ورقة الاتفاق النووي، وأنها قادرة على اتباع مسار تصاعدي في عملية الخروج أو التخفيف من التزاماتها ببنود وشروط هذا الاتفاق، وأن هذا الخيار سيعيد جميع الأطراف المعنية بالاتفاق إلى طاولة الحوار، ومحاولة لاقناع طهران للعودة إلى تنفيذه، وبالتالي تكون طهران من خلال هذه الاستراتيجية قد اقفلت الباب أمام المطالب الأمريكية وإلى حد كبير الأوروبية، بفتح باب حوار حول اتفاق جديد، حسب تعبير الرئيس الامريكي، أو اتفاق ملحق حسب تعبير الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبحث البرنامج الصاورخي والنفوذ الإقليمي لإيران.
وعلى الرغم من تأكيد طهران أن ما تقوم به من خطوات وإجراءات لا يصدر عن ردة فعل غير مدروسة، بل هو نتيجة لمسار استمر على مدى سنة من تاريخ اعلان ترامب الانسحاب، وان هذه الخطوات تعبر عن استراتيجية سيعتمدها النظام في المرحلة المقبلة، إلا أن أوساطا تخشى أن تكون هذه الاستراتيجية مشابهة للاستراتيجية الاقتصادية للحكومة، التي لم تأت سوى بالنتائج السلبية، وأن لا تأخذ بعين الاعتبار الهدف الرئيس للطرف الأمريكي الذي يسعى لإبقاء الوضع الإيراني في حالة من الشلل وعدم المبادرة، على غرار ما أصاب الإدارة الدبلوماسية بعد القرار الأمريكي، والتي لم تضع برنامجا سياسيا واضحا لمواجهة هذه التحديات. فالجمود والافتقار إلى الخطط يعتبر من اكبر العوامل المساعدة للادارة الامريكية في النيل من إيران، وعليه فإن من المفترض في هذه الحالة أن تمتلك إيران خططا واضحة لما بعد الأيام الستين التي منحتها كفرصة لمجموعة دول 4 +1 للحفاظ على الاتفاق النووي، وإلا فإن الارتدادات السلبية على إيران، عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ستكون كبيرة وبأثمان باهظة.
قبل سبع سنوات، كانت لدى الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما الرغبة في إحداث خرق في جدار العداء مع غيران، لذلك وحسب أحد الاستراتيجيين الإيرانيين، وافق سيد البيت الابيض على تلبية الرغبة الايرانية بالمبادرة للاتصال بالرئيس حسن روحاني، كبادرة حسن نية أمريكية في اطلاق المسار التفاوضي. لكن بعد مرور هذه السنوات والتوقيع على الاتفاق، فإن الصورة قد انقلبت، وبات الرئيس الامريكي هو من يرغب في المبادرة الايرانية للاتصال، وهذه المرة ليس فقط من قبل نظيره، بل من النظام بمجمله، معتبرا أن المعطيات الميدانية التي سمحت لايران في فرض رغبتها قديما قد تغيرت، وأن التصعيد العسكري الذي يمارسه، والعقوبات التي فرضها، والحصار المشدد الذي أقامه لا يسمح لطهران في فرض شروط أو رغبات، وعليها أن تنظر إلى الامور بمنظار جديد، وان تبادر هي للقيام بالخطوة الأولى، وتوافق على الجلوس إلى الطاولة للتفاوض ليس فقط على برنامجها النووي، بل على الدور والنفوذ الإقليمي والبرنامج الصاروخي، الذي يشكل مصدر قلق لواشنطن وجميع حلفائها في المنطقة. فهل سيبادر روحاني إلى رفع هاتفه والاتصال بترامب قبل أن تصل الامور إلى الحائط المسدود، ويتفادى تقديم تنازلات أكثر إيلاما في حال بادر إلى الاتصال، بعد دوي أول انفجارات الشرارة الاولى للمواجهة العسكرية؟
كاتب لبناني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية