التدخلات الروسية المهينة لمؤسسة النظام العسكرية، لم تكن الأولى، فقد سبق أن تعمد أحد القادة العسكريين الروس منع الأسد من مرافقة بوتين خلال زيارته قاعدة حميميم العسكرية.

حصلت «القدس العربي» على وثيقتين مسربتين صادرتين عن هيئة العمليات في جيش النظام السوري في وقتين متباعدين قليلا بين نيسان (أبريل) 2022 وتموز (يوليو) 2022 وهي آخر فترة في عهد العماد علي عبد الله ايوب كوزير للدفاع وخلفه العماد علي محمود عباس. وجاءت الوثيقة الأقدم على شكل «تعميم» صادر عن العماد أيوب موجه إلى بعض القادة دون تسميتهم بأنهم قاموا بتكليف ضباط وصف ضباط وأفراد «للخضوع لدورات تدريبية لدى الأصدقاء دون الحصول على موافقة القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة».
ويأتي تحذير أيوب بعد المناورة البحرية التي أجرتها القوات الروسية في شرق المتوسط عقب غزو موسكو لكييف وتصاعد العداء مع الغرب. ويدلل التعميم على أن قطعات من البحرية الروسية وأخرى تتبع للفرقة 25 مهام خاصة التي يقودها اللواء سهيل الحسن الموالي لروسيا قد شاركت بتلك المناورات من دون الرجوع لقيادة جيش النظام.
وبهدف حماية المصدر، أخفت «القدس العربي» أرقام البرقيات واسم المحافظة التي وجهت إليها البرقية وتواريخ الرد على التعميم وتحويله إلى الوحدات العسكرية من قبل رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية.
ونتيجة ذلك، منعت قيادة الجيش حسب الوثيقة الصادرة في 9 نيسان (ابريل) 2022 إيفاد العسكريين السوريين لأي دورات تدريبية مع القوات الروسية في سوريا، والالتزام بتعليمات الجاهزية القتالية، والتقيد بالتعليمات التنظيمية الصادرة عن هيئة وإدارة التدريب في الجيش السوري.
وتعكس الوثيقة الثانية الصادرة في 23 تموز (يوليو) 2022 توتر العلاقات مع القوات الروسية بعد تولي العماد علي عباس حقيبة وزارة الدفاع وإصداره تعميما يمنع من خلاله «الأصدقاء الروس» بالدخول للتشكيلات العسكرية والأمنية إلا بعد التنسيق مع هيئة العمليات التابعة للجيش السوري، وبحضور ضباط أمن الوحدات العسكرية ومترجم سوري.
وجاء في التعميم الصادر عبر هيئة العمليات في وزارة الدفاع السورية، انه تبين دخول «الأصدقاء الروس للتشكيلات العسكرية والطلب من قادتها موافاتهم بأسماء الضباط بطريقة غير قانونية وفي حال عدم التجاوب من قبل قادة التشكيلات يهددونهم بإبلاغ قياداتهم بعدم التعاون». كما أشارت الوثيقة إلى ان الضباط الروس يستعينون بمترجمين لا يتقنون اللغة العربية بشكل جيد، وبشكل خاص فيما يخص الأمور العسكرية، وهذا ما من شأنه أن يتسبب بخلل وأخطاء ناجمة عن الترجمة. ان التبرير الذي يقدمه وزير الدفاع يعكس حجم الاستخفاف الكبير الذي يتعامل به الضباط الروس مع جيش الأسد، فهم يتعاملون مع الوحدات العسكرية على أنها تحت أمرتهم وتصرفهم ولا يكترثون باحترام أدنى التقاليد والتراتبيات العسكرية.
واختتمت الوثيقة الموقعة بيد وزير الدفاع في نظام الأسد، العماد علي محمود عباس، بطلب التقيد بما ورد فيها بعدم السماح للروس بدخول التشكيلات العسكرية، وبتحمل المسؤولية لكل مخالف.
اللافت بالأمر، ان التعميم الوارد في الوثيقة المسربة، صدر بعد أقل من شهرين على مناورات روسية ضخمة في البحر المتوسط، قبالة مدينة طرطوس السورية، وتزامنًا مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وبعد أقل من شهر على إعلان الكرملين عن فتح باب التحاق السوريين في الحرب الأوكرانية، حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان حينها، بافتتاح الروس لمراكز تجنيد لمقاتلين سوريين بالتعاون بين ضباط روس وعسكريين سوريين وقيادات ميليشيا موالية للنظام.
وفي وقت لاحق على التعميمين الذين تنشرهما «القدس العربي» لأول مرة، كشفت وثيقة مسربة حصلت عليها «شبكة السويداء24» المحلية عن استياء قيادة الفرقة 30 في الحرس الجمهوري في جيش النظام السوري، من المعاملة السيئة والمهينة من القوات الروسية في سوريا، للجيش السوري.
وجاء في الوثيقة الموصوفة بـ «سري للغاية» والموقعة بيد قائد الفرقة 30 حرس جمهوري، اللواء نزار كامل يونس بتاريخ 16 نيسان (أبريل) أنه عند الطلب من قائد مجموعة العمليات في القوات الروسية المسؤولة عن منطقة تلة الشلب الأحمر وينبيع بريف حلب الغربي، استكمال النقص الحاصل في ذخائر سريتين تابعتين للفرقة 30 خلال هجوم ما وصفها «المجموعات المسلحة» على مواقع السريتين، رد المقدم الروسي «ن مارتشنكوف» باتهام الفرقة باستخدامها للذخائر بطريقة غير مسؤولة، ومتهمًا لها بالفساد، بالإضافة لتوجيه الشتائم والألفاظ المسيئة لقيادة الفرقة والجيش السوري.
وورد في البرقية المرسلة لقائد الحرس الجمهوري، ولمكتب وزير الدفاع أن الضابط الروسي «وجه شتائم وألفاظا مسيئة لأعلى مستويات وقيادات الجيش ومن ضمنها منصب رئيس الأركان والقائد العام للجيش والقوات المسلحة» في إشارة لرئيس النظام بشار الأسد، باعتباره القائد العام للجيش السوري.
كما أشارت البرقية «المسربة» إلى أن هذا التصرف ليس الأول من نوعه، لافتة إلى أن إساءآت الضباط الروس على اختلاف رتبهم قد تكررت أكثر من مرة، وأنهم في معظم الأوقات يكونون تحت تأثير الكحول والمواد المخدرة.
وطالبت البرقية في نهايتها قائد الحرس الجمهوري ووزارة الدفاع إجراء اللازم لتجنب تكرار هذه الحوادث التي من شأنها أن تتسبب في توتر العلاقات مع جمهورية روسيا الاتحادية بسبب ما وصفها قائد الفرقة 30 ب «تجاوزات فردية لا تعبر عن العلاقة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين».
إن التدخلات الروسية المهينة لمؤسسة النظام العسكرية التي كشفت عنها الوثيقتان، لم تكن الأولى، فقد سبق أن تعمد أحد القادة العسكريين الروس منع رئيس النظام بشار الأسد من مرافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة الأخير لقاعدة حميميم العسكرية في 2017 كما أثارت صورة للقاء الأسد وبوتين برفقة وزيري الدفاع السوري والروسي في مركز تجمع القوات الروسية في دمشق في آب (أغسطس) 2020 حالة من السخرية من طريقة التعامل الرمزي للمؤسسة العسكرية الروسية مع وزير الدفاع السوري، حيث تعمد الجانب الروسي إظهار وزير الدفاع في حكومة النظام جالسا إلى يسار الأسد على كرسي منخفض بعكس نظيره الروسي.
الجدير بالذكر أن لروسيا قاعدتين عسكريتين في الأراضي السورية، الأولى هي قاعدة حميميم في اللاذقية والثانية قاعدة بحرية في طرطوس، استخدمتها القوات الروسية بموجب اتفاق وقعته مع نظام الأسد في 2017 يقضي بتوسيع الوجود العسكري البحري والجوي الروسي ضمن الأراضي السورية.
إن سحب عدد من منظومات الدفاع الجوي «اس-300» من سوريا ونقل عدد كبير من القاذفات الجوية الروسية والبحرية من قاعدة طرطوس يشير إلى تراجع الأولوية لدى الكرملين، فتعويض النقص الحاصل بمنظومات الدفاع الجوي والمقاتلات الجوية أهم من إبقائها مع التزام جميع الأطراف باتفاق خفض التصعيد في سوريا.
ومن الجائز القول إن التوترات العسكرية بين الجانبين سببها سياسي بطبيعة الحال، فالنظام يشعر بإهمال روسيا له وإجباره على الاستمرار بالمسار السياسي عبر اللجنة الدستورية ومسار أستانة الذي ترعاه موسكو مع أنقرة وطهران كضامنين للأطراف المتصارعة.