غزة ـ «القدس العربي»: مجاعة تفرض نفسها على سكان غزة بعد دخول الحرب شهرها الخامس دون بوادر حل تلوح في الأفق، وسط عجز تام عن إيصال الغذاء والماء والدواء الى مئات الآلاف من سكان القطاع.
وصف المشهد خاصة في مناطق الشمال بات صعباً، لكنه يكشف عن عجز ترسانة من القوانين الدولية، التي صدرت منذ عقود واعتبرت «التجويع جريمة حرب».
محمد لبد، أحد سكان قطاع غزة من بيت حانون شمالي قطاع غزة، قال لـ «القدس العربي»: «قصفوا بيتنا، الله يقصف عمرهم، أنا أسكن في مستودع خربان مع زوجتي وابني، 6 سنوات، بعد ما مات لي أخوين كبار في القصف».
وعن محاولاته للحصول على الطعام والشراب، قال: «لا يوجد لا أكل ولا شرب. وجبة واحدة نتحصل عليها في اليوم. إن حصلتها! «.
ويتساءل: «كل هذا يحدث لنا في شمال قطاع غزة، بسبب رفضنا أن نترك أرضنا؟». وختم: «ساعات نأكل من القمامة، صرنا تعبانين ومرضى، ابني وزوجتي خسروا أوزانهم إلى النصف، وطول الوقت يسعلوا».
أما المواطن الفلسطيني، أحمد النجار، من سكان بيت حانون، فقد وصف الوضع الصحي شمالي القطاع بـ «الكارثي» وسط عدم توفر الأطعمة وغلاء الأسعار المبالغ فيه للغاية، موضحاً أنهم يمضون أيام طويلة جدا في أكل الزعتر أو خبز جاف أو أرز يصل سعر الغرام منه الى 30 دولارا، إذ تضاعفت الأسعار بشكل مخيف نتيجة شح السلع.
«القدس العربي» سألته عن كيفية توفير الخبز رغم عدم توفر الطحين، فأجاب: «توجهنا لشراء أعلاف الشعير والذرة ونطحنهم لإعداد خبز، نعرف أن الأعلاف والذرة أكل للحيوانات، لكن هذا هو الحل الوحيد، عدة أسر في شمال غزة تقوم بطحن بعض أوراق الشجر وتغليهم مع مياه وبعض التوابل وتأكلهم».
وإلى جانب سوء تغذية حاد، فإن المجاعة تؤدي إلى انتشار الأمراض، وبالتالي إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في عدد الوفيات، بسبب انعدام مياه الشرب النظيفة، وعدم توفر المساعدة الطبية للمصابين بالأمراض، وهو ما يفاقم من انتشار الأوبئة، وفق أحمد زقوت، مشيراً إلى انتشار العديد من الأمراض بين سكان شمال قطاع غزة.
شهادات لـ «القدس العربي» حول صعوبات تأمين الطعام في ظل الحصار
ويسجل شمال قطاع غزة أعلى نسبة من المصابين بأمراض فشل الكبد الوبائي، الكلى، السرطان، الجلد، المعدة، والصدر؛ بسبب تراكم النفايات ومياه الصرف الصحي والحيوانات النافقة ودمار المنازل نتيجة القصف الإسرائيلي، مؤكدًا أنه لم يعد هناك غزاوي في الشمال ليس مصاباً بنزلة معوية.
المواطنة الفلسطينية، منال المبحوح، لخصت معاناة أطفال شمال غزة في أنهم «يأكلون ورق الشجر وأرزا فاسدا (ضربه السوس)» مؤكدة أن أطفالها يعانون من التلوث، ما أدى إلى ارتفاع درجة حرارتهم وإصابتهم بنزلات معوية وألم شديد في المفاصل.
وأشارت خلال حديثها لـ «القدس العربي» في الوقت نفسه إلى طفح «المجاري» وغرق منازل وشوارع عدة في المياه الملوثة.
وأردفت قائلة: «من الشرائح الأكثر ضررًا من سوء التغذية في غزة، خاصة من هم دون الثالثة، إذ يحرمون من الفيتامينات والمعادن الأساسية للنمو، وبالتالي هم مهددون بالتقزم وحتى الموت».
واستطردت «بالإضافة إلى أن الحوامل أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، إذ ترتفع حالات الوفاة بينهن خلال الولادة، وقد سجلت حالات قاسية لولادة في ظروف تحت القصف والاستهداف الإسرائيلي».
ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي انضم قطاع غزة إلى الواقعين على حافة المجاعة كاليمن وأفغانستان والصومال وهايتي، فيما أظهرت أرقام تقريرٍ صدر هذا الشهر عن مجموعة التغذية العالمية، وهو تجمع لمنظمات غير حكومية ومنظمات تابعة للأمم المتحدة، أن 95٪ من الأسر في قطاع غزة قلصت من عدد وجباتها اليومية، إذ بات نحو ثلثي أسر القطاع يتناولون وجبة واحدة فقط يومياً، أما الحوامل فـ 90٪ منهن يتناولن مجموعتين غذائيتين فقط.
تقرير لفحوص التغذية في شهر يناير/ تشرين الثاني الماضي، أشار إلى أن أكثر من 15٪ من الأطفال دون السن الثانية في شمال قطاع غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما تقدر نسبتهم في جنوب القطاع وتحديدًا في رفح بنحو 5٪.
كما أظهر أن نحو 90٪ من الأطفال دون الخامسة مصابون بواحد على الأقل من الأمراض المعدية.
وحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مقياس تعتمده الحكومات والوكالات الدولية لتعريف مراحل الأمن الغذائي، تحدث المجاعة حين تواجه 20٪ من الأسر نقصاً شديداً في المواد الغذائية، ويعاني 30٪ من الأطفال من سوء تغذية حاد، وأن يتجاوز معدل الوفيات اليومي بسبب الجوع الشديد، أو نتيجة لسوء التغذية والمرض معًا حالتي وفاة بين كل 10 آلاف شخص.