دمشق – «القدس العربي»: أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، من دمشق، أمس الجمعة، أن بلاده منخرطة في حوارٍ فاعلٍ مع الدول المعنية بشأن رفع العقوبات عن سوريا، لافتاً إلى تلقيها «إشارات إيجابية» بخصوص ذلك.
ووصل بن فرحان إلى سوريا، الجمعة، في أول زيارة له إلى العاصمة السورية دمشق منذ إسقاط رئيس النظام السابق بشار الأسد الشهر الماضي.
والتقى بن فرحان قائد الإدارة السورية أحمد الشرع في قصر الشعب في دمشق، قادماً من لبنان، في زيارة لم يُعلن عن مدتها ضمن سلسلة لوفود عربية وإقليمية ودولية وأممية للاطلاع على رؤية الإدارة السورية للمرحلة المقبلة.
وكان الشرع، قال في مقابلة صحافية، إنه سيزور السعودية أو تركيا، في أول زيارة له خارج البلاد، من دون أن يحدد موعداً دقيقاً للقيام بهذه الزيارة.
وعقد بن فرحان بعد لقاء الشرع مؤتمراً صحفياً مع نظيره السوري أسعد الشيباني، حيث قال وزير الخارجية السعودي إن بلاده منخرطة في حوارٍ فاعلٍ مع الدول المعنية بشأن رفع العقوبات عن سوريا، لافتاً إلى تلقيها «إشارات إيجابية» بخصوص ذلك.
وشدد على «أهمية الاستعجال ورفع العقوبات بسرعة عن سوريا لإتاحة الفرصة أمام هذا البلد نحو النهوض وتحقيق الاستقرار».
وعلى خلفية انتهاكات نظام الأسد ومجازره في قمع الثورة بسوريا منذ عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على هذا البلد العربي، شملت تجميد أصول، ووقف التحويلات المالية، وحرمانه من التكنولوجيا، وحظر التعامل مع نظامه.
وبيّن بن فرحان أن لقاءه مع الشرع، «يأتي في إطار دعم السعودية لسوريا».
وأكد دعم السعودية لـ «سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها».
أجرى مباحثات مع الشرع في أول زيارة منذ سقوط النظام… والشيباني: نتطلع لنكون جزءاً من مشروع عربي
وتابع: «جئت إلى دمشق للتعرف من أشقائنا السوريين مباشرة على احتياجات الشعب السوري، ونثمّن خطوات الإدارة السورية في انفتاحها على كل شرائح المجتمع».
ولفت إلى أن السعودية بدأت بإرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا، وتدرس مع الإدارة الجديدة لهذا البلد العربي الاحتياجات العاجلة.
في حين، اعتبر الشيباني أن «رفع العقوبات (عن بلاده) يمثل الخطوة الأساسية نحو تمكين الشعب السوري».
وأشاد بموقف الرياض إزاء بلاده، قائلاً: «للسعودية تاريخ طويل في دعم شعبنا، ونحتاج حالياً دعماً أكثر من أي وقت مضى». وأضاف: «نثق بأن التعاون السعودي السوري خطوة مهمة لمستقبل أفضل».
وأعرب عن تطلع بلاده لأن تكون «جزءاً من مشروع عربي يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة».
وتابع: «سوريا جزء من جامعة الدول العربية، وننتظر عقد أول مؤتمر قمة لها للمشاركة فيه».
وتهدف الزيارة حسب مراقبين وخبراء لـ «القدس العربي» إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين السعودية العربية السعودية، وشرعنة الإدارة السورية الجديدة بقيادة الشرع، ودعم عودة سوريا إلى محيطها العربي والمجتمع الدولي كدولة طبيعية لا ككيان مهدّد للاستقرار الاقليمي والدولي. كما اعتبرها محللون اعترافاً ضمنياً بهذه الإدارة ومحاولة فتح صفحة جديدة.
وعن الزيارة، قال الباحث والمستشار السياسي باسل الحاج جاسم لـ «القدس العربي» من المتوقع أن تكون المباحثات قد تناولت عدّة ملفات مهمة، لعل أبرزها: مناقشة سبل دعم الإدارة السورية الجديدة في تحقيق الاستقرار السياسي وتشكيل حكومة تضم مختلف مكونات المجتمع السوري.
بالإضافة لبحث فرص مشاركة السعودية في جهود إعادة إعمار البنية التحتية السورية المتضررة جراء الصراع الطويل. والتطرق إلى قضايا مكافحة الإرهاب وضبط الحدود، بالإضافة إلى مناقشة ملف إنتاج وتجارة المخدرات، مثل «الكبتاغون»، الذي كان مصدر قلق للدول الخليجية.
وزاد: الإدارة السورية الجديدة ترغب في إعادة بناء وتعزيز علاقاتها مع الدول العربية، بدءاً بالسعودية، لتعزيز الدعم السياسي والاقتصادي، والسعي للحصول على دعم السعودية في جهود إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ أوّل زيارة خارجية قام بها وزير الخارجية السوري الجديد كانت إلى الرياض.
وتُظهر هذه الزيارات المتبادلة، حسب رؤية المتحدث، التزاماً من الجانبين بتعزيز التعاون والعمل المشترك لتحقيق مستقبل أفضل لسوريا والمنطقة.
أما الباحث السياسي لدى مركز الحوار السوري للدراسات الاستراتيجية أحمد القربي قال إن الأهمية الأساسية للزيارة، هي البعد الأمني، خاصة أن هناك الكثير من الدول لديها خشية من قضية امتداد الثورة خارج سوريا، والتصدي لتنظيم «الدولة» وهي أهم الملفات التي تذهب باتجاه تثقيل الدور السعودي في الملف السوري.
أهمية الزيارة تمكن وفق رأي القربي لـ «القدس العربي» بثقل السعودية الإقليمي، وخاصة أن السعودية في خضم 2030 هي الدولة الأساسية في الإقليم التي تسعى إلى تحقيق استقرار، ويهمها جداً تحقيق الاستقرار في سوريا، لما ينعكس على تحقيق الرؤية السعودية والتي تسير عليها، كما أن السعودية من أهم الدول العربية بعد تراجع الدور المصري.
وبيّن أن «السعودية العربية السعودية فتحت جسرَ دعم جوي وهي إحدى أهم الدول المعوّل عليها في ملف إعادة الإعمار والتعافي المبكر وذلك يزيد في أهمية دور السعودية المستقبلي في الشأن السوري».
وتحدث عن الجانب الأمني، فقال: «سوريا دولة مهمة في الإقليم، ولها حدود مع إسرائيل ولبنان والعراق، هذه الأمور تجعل، من سوريا حلقة أمنية مهمة، ومن الممكن أن تكون السعودية البوابة التي يمكن من خلالها أن تسعى الإدارة الجديدة لتأمين وإعادة تركيب المنظومة الأمنية الإقليمية خاصة أنه قد يكون هناك بعض الدول لديها تحفظ، فالإدارة تنظر إلى تعميق العلاقة مع السعودية لتذليل هذه الصعوبات، مما يساعد أكثر من دمج الإدارة الجديدة والبنية الجديدة للمؤسسات السورية، في المنظمة الأمنية الإقليمية».
الباحث السياسي طلال عبد الله جاسم اعتبر في حديث مع «القدس العربي» حول أن السعودية تشكل «عامل استقرار ومدخل لعودة سوريا إلى محيطها العربي الذي سيكون منفذها الى إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي كدولة طبيعية لا ككيان مهدد للاستقرار الاقليمي والدولي وهذه الرسالة كانت واضحة جداً في كل تصريحات القيادة الجديدة وفي أعمالها.
وبيّن الباحث في «مركز حرمون للدراسات المعاصرة» أن كل ما تريده السعودية العربية السعودية من سوريا قد تحقّق تماماً وهذا ما يفسر الرضا التام من قبل قيادة السعودية، فلا كبتاغون بعد اليوم، ولا تواجد لإيران وميلشياتها وحزبها اللبناني، ولا تآمر وعبث في الأمن الاقليمي كما أن احترام سيادة لبنان كان أمر مهم».
وتعوّل الإدارة الجديدة، برأيه، أن تساعدها قيادة السعودية في العودة إلى الحضن العربي والإسلامي والدولي، والاعتراف بها ودعم إغاثي سريع لأن سوريا في وضع كارثي ولاحقاً دور السعودية مهم في إعادة الإعمار وأيضاً في تقديم خبرات اقتصادية لسوريا لتستطيع النهوض من كبوتها.
وتقوم السعودية بذلك بشكل مثالي، من وجهة نظره «فقد عقدت أهم لقاء دولي حول سوريا في الرياض وبمشاركة وزير الخارجية السوري، كما أن زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق تعتبر تتويجاً لثقة سعودية بأن الإدارة الجديدة ستقوم بالأمور الصحيحة داخلياً وإقليميا».
وإزاء ما تقوم به الإدارة الجديدة من توجيه تطمينات للداخل كما الخارج، قال المتحدث إن «تأكيد الإدارة الجديدة أن سوريا تتحوّل إلى دولة حيادية، يعني أنها لن تصبح مقراً ولا ممراً لتهديد دول الجوار. وهناك التزام بتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة. وتحويل الجيش إلى جيش احترافي لا عقائدي والأمن إلى مؤسسة تحمي أمن المواطن في الداخل وأمن الدولة من الخارج. إضافةً إلى التأكيد على مدنية سوريا والتشاركية وحيادية سوريا المستقبل أمام جميع مواطنيها والتي سيكون لها دور كبير في تقارب السوريين فيما بينهم وتجنب الكثير من التوتر بين مكونات المجتمع».