كشفت التصفية الطويلة لمجمع الحديد والصلب وبيعه الفرق بين إدارة مُؤمِنة وأخرى فاسقة، وقدسية الإدارة الأولى مباركة مزعومة وقداسة مزيفة لاحتكارات مهيمنة، وتتولى تصفية ما تملك تقربا وغفرانا، وخدمة احتكارات هذا الزمن فتنال البركات غير المباركة، أما الإدارة الوطنية «ليس لها في هذا نصيب» ويُنظَر إليها بتوجس شيطاني يقتضي الاجتناب والاجتثاث، بسبب خطايا، واهتمام بالتغيير والتقدم ومحاربة الفقر.
والحكاية أنه في نوفمبر من العام 2020 تراجع وزير قطاع الأعمال عن بيع أراضي شركة الحديد والصلب المصرية، لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ويطرحها للبيع بالمزاد، وقتها صرح الوزير المنوط به تصفية الأصول العامة والمملوكة للدولة، فأعاد أرض الحديد والصلب، التي انتقلت ملكيتها للشركة القابضة للصناعات المعدنية بسعر 500 جنيه للمتر، أي ما يساوي 15 دولارا أمريكيا. والسبب المعلن لإلغاء نقل ملكية الأرض لصالح الشركة القابضة هو تغيير النشاط؛ حسب «الوزير المؤمن».
ومجمع الحديد والصلب الموضوع برسم البيع؛ للحصول على ما يغطي تعويضات العاملين، واستبدال ذلك بقرض قيمته 1.25 مليار جنيه، وبشرط الحصول على موافقة مجلس النواب، وتوفير الاعتماد اللازم من وزارة المالية بضمان الشركة القابضة، وبذلك يصل «الوزير المؤمن» هشام توفيق، ومن معه إلى مبتغاهم، ويطرحون أراضي مجمع الحديد والصلب للاستثمار العقاري، بعيدا عن أي استثمار صناعي وانتاجي أو خدمي؛ فيتمكنون من البيع بالمزاد العلني؛ لمساحة ضخمة ومغرية أسالت لعاب المطورين العقاريين وأباطرة المال والأعمال، وهي تعادل مساحة مدينة الشيخ زايد في محافظة الجيزة.
اختمرت فكرة «الوزير المؤمن» بشأن تصفية مجمع الحديد والصلب بحلوان من سنوات، وانتظرت فرصة مواتية، للتحول من النشاط الاستراتيجي في مجال الصناعة الثقيلة إلى مجال عقاري، يتم ترويجه، ويباع بالمزاد العلني، ويستغل في بناء منتجعات وأبراج وقصور، وانتشر وباء التطوير العقاري، فخربت ذمم كثيرة، ونفذ «الوزير المؤمن» هشام توفيق مهمة غير مقدسة، إنتهت بتصفىة مجمع الحديد والصلب وأغلاقه.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المجمع لم يؤمم في ستينيات القرن العشرين، وممول من الشعب؛ باكتتاب وطني عام، ومن طبائع المصريين، التي تبدو حميدة في ظروف المد الوطني هو اقبالهم على هذه المشروعات، ويقدمون لها أموالهم، المقتطعة من قوتهم، والمُدخرة من عوائد أعمالهم، وهذه الطباع تسببت في الإقبال على الاكتتاب في تفريعة قناة السويس، وانتهى بإصابة المصريين بإحباط بالغ بعد أن دفعوا 64 مليار جنيه في ثمانية أيام، ولم يكن الجنيه المصري قد سقط صريع التعويم والانهيار الذي حدث في نوفمبر 2016، والجنيه ما زال يصارع من أجل البقاء، وحول «المشير السيسي» الاكتتاب لشهادات استثمار بريدية، وكان المواطنون يتوقعون أن تكون صكُوكَا ملكية في تفريعة القناة؛ على غرار ما حدث مع أسهم وسندات الحديد والصلب في خمسينيات القرن الماضي، وخاب الظن، ووجد المواطن نفسه يعامل معاملة التلاميذ الذين يمنحون دفاتر توفير بريدية من أولياء أمورهم وأقاربهم!!.
والمهم أن صناعة الحديد والصلب كانت فاتحة نهضة النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى القارئ التنقيب عن حجم الصروح التي أغتيلت وأهملت وبيعت «برخص التراب» وهذه أموال شعب وليست ميراث آباء أولئك الوزراء المعقدين نفسيا وعقليا، وحين يدقق المرء في صورهم ولمعان بشرتهم ونعومتها لا يشعر بأنهم من طين أرض مصر الطيبة، وهم من هبوا كالجراد بعد انتصار أكتوبر 1973 العسكري العظيم، وفور إعلان الانفتاح عام 1974، وللعلم كان معدل التنمية قد تجاوز في 1969؛ بعد النكسة، وقبل حرب اكتوبر ووصل لـ9٪، وكان وقتها معدلا غير مسبوق، وتجاوزته الصين في عام 1978، وقلبت معايير الاقتصاد وموازين التنمية!!.
ألم يكن غياب التطوير لمدة 16 عاماً بسبب الأداء السيئ، والشركات التي خرجت عن السيطرة، هل كان يلزم تصفيتها، وهل عُرف سبب الخروج عن السيطرة؟
والنتيجة أن كل من جلس على مقعد الحكم في مصر منذ 1971 وبعد أكتوبر 1973؛ جمعهم إطار مرتبك واحد، فوجهوا سهامهم صوب الاقتصاد والإنجازات الكبرى، وما لم يُبَدد سُلِّم لهيئات ومؤسسات الإفقار والإقراض الدولية والإقليمية، وبرر «الوزير المؤمن» أفعاله المُجَرَّمة بمقولة ««إن التحدي الذي نعيشه الآن إما أن يستعيد قطاع الأعمال عافيته من جديد، وإما أن يظل كما هو عليه، ونظل نعبد الأصنام».. وقال عن نفسه إنه لا يعبد الأصنام، مع أن ما يفعله أخطر من عبادة الأصنام، وما زال يؤكد على «أنه مقتنع تماماً بقرار تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان» ولم ينس الاعتذار للشعب على التأخير لمدة عام على اتخاذ قرار التصفية!!.
وسوف يتَّبِع «الوزير المؤمن» نفس ما أتْبِعه مع شركات صفاها من قبل؛ يبدأ بتقييم الأصول، وإعلان مواعيد مزادات البيع، والبداية بوحدة الأكسجين، ثم الآلات، وصولا إلى الأراضي، ومساحة أراضي المجمع تبلغ 6 ملايين متر مربع؛ تُطرح في مزاد علني في فترة مقبلة، وكان «الوزير المؤمن» قد قرر من زمن، تحويل نشاط الحديد والصلب إلى نشاط عقاري، وبيعه بالمزاد، وبذلك يقضي على المجمع ويُغلقه. ومؤخرا صرح «الوزير المؤمن»؛ هشام توفيق، لموقع العربية، (01/ 12/ 2021) ان تصفية مجمع الحديد والصلب؛ تمت عبر بيع أراض مساحتها 6 ملايين متر (مربع) لسداد مديونيات بلغت 9 مليارات جنيه، وأكد على أن سياسة قطاع الأعمال العام هي عدم تأهيل شركات خاسرة لا أمل في إصلاحها، بينما لديه شركات خاسرة أخرى يبذل جهدا لإعادتها بدراسات استشارية بعضها لمكاتب عالمية، وتجاوز دوره حديد حلوان، فتولى إغلاق شركة القومية للأسمنت في 2018، وادعى صحة قراره، لوجود فائض في الطاقة الإنتاجية للأسمنت بالسوق، واعتاد على استسهال الإغلاق كعلاج، وهو مثل مريض يذهب لطبيب يشكو له من ساقه فيقوم ببتره، وهذا مستوى في الفهم والتفكير عقيم، ويمثل أعلى درجات سوء الفهم، ويثير الكثير من الشكوك، والحجة العجز عن تحمل الخسائر المستمرة، وهذا ليس مبررا، لكنه يبدو مدرب مع فرق «القتلة الاقتصاديين» للدول والأفراد.
وقد ألغى شركة أخرى تابعة للملاحة البحرية، وأشار إلى وضع مجمع الحديد والصلب في حلوان، كشركة ثالثة، وحجته الخسائر، التي تعدت 1.5 مليار جنيه في العام قبل الماضي، وفي العام الماضي خسرت 980 مليون جنيه، وتعدت مديونياتها 9 مليارات جنيه جرى سداد أكثر من مليار جنيه منها، واتخذ قرارا وصفه بالضروري بتصفية الشركة، ولو كان يابانيا لاقتصوا لأنفسهم منه، فهو عار على نفسه وعلى المجتمع والدولة!!،
ولم يشعر «الوزير المؤمن» بالخجل وهو يستعرض تصريحاته البائسة، ولم يخجل من التصريح بأن مجمع الحديد والصلب متقادم منذ 60 سنة، ولم يقل من الذي أوصله لذلك الحال طوال تلك المدة، التي ليست بالقصيرة، وقد يكون واحدا مثله هو المتسبب، أو طرف ثالث هناك من يحركه، ولا يعلمون عنه لتخريب البلاد وإفساد العباد. وكلها بلا معلومات وليس لها منطق، وقد تُعَرض الكل للمساءلة، ألم يكن غياب التطوير لمدة 16 عاماً بسبب الأداء السيئ، والشركات التي خرجت عن السيطرة، هل كان يلزم تصفيتها، وهل عُرف سبب الخروج عن السيطرة، وبشأن توزيع العمالة على مصانع أخرى، قال «الوزير المؤمن» ألا توجد لدينا شركات يمكنها تحمل العمالة حالياً، لأن لدينا فائض عمالة في معظم الشركات، ولا يمكن توزيعها على شركات أخرى.
وتابع: «نعيد تأهيل شركة أخرى أكثر عراقة من الحديد والصلب حاليا، هي شركة الدلتا للصلب بتطوير يقارب 850 مليون جنيه عبر بناء خطَّي إنتاج بطاقة 500 ألف طن «بيليت» تضاف لإجمالي طاقة إنتاجية للشركة نحو 6.5 مليون طن من «البيليت» وهو ما نحتاجه، فطاقة الدرفلة في مصر زادت عن الحد، ويقام مسبك للمشغولات الحديدية بطاقة 10 آلاف طن.
وأوضح «الوزير المؤمن» أن التصفية الطبيعية تأخذ مجراها ببيع وتخريد معدات غير مستخدمة المزادات، وبيع 6 ملايين متر في مناقصة مفتوحة لسداد تعويضات العاملين، وسداد جزء من المديونيات، وهذه من عيوب «الإيمان المظهري»؛ يغطي على التخريب وتصفية الصروح التي كانت، في نفس الوقت ازداد الاهتمام بصناعة الحديد والصلب، واعتماد صناعات أخرى عليها، ووقف دعم تلك الصناعة الاستراتيجية، وبدلا من البحث عن روافع لها، يتم اللجوء لمثل أولئك الوزراء المؤمنين، رغم سعيهم لوضع تشريعات تناسبهم، وتقدم تسهيلات تمكن القطاع الخاص وحده ( لا شريك له) من احتكار هذه الصناعة الحيوية، بدعوى ان شركات القطاع الخاص سجلت تقدما في مجال الحديد والصلب، لكن الواقع ينفي ذلك ويثبت عكسه!!
كاتب من مصر
قصة مجمع الحديد والصلب في حلوان وربما غيره تدل على اننا بارعون في الهدم بدلا من التحسين والاضافة مثل بقية خلق الله ويقيني لو ان عبد الناصر وعزيز صدقي قاما من قبريهما لقالا يا وردي عليكم و هو مثل شعبي مصري