«وقف النار» في لبنان بين دعائم الاستقرار ومخاطر السقوط

محمد نون
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: قال أمين عام حزب الله اللبناني الشيخ نعيم قاسم إن الهزيمة تحيط بكل جانب بالعدو الإسرائيلي، وإن لبنان حقق انتصارا عام 2024 أكبر من انتصار 2006، مستندا في ذلك إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان «بأن إسرائيل رفعت الراية البيضاء مقابل رفع حزب الله لأعلامه الصفراء».

ووفقا لهذا التوصيف أعطى حزب الله تقييمه الرسمي لاتفاق وقف إطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي الذي بدأ تنفيذه فجر 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعدما تم التوصل إليه برعاية من الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتعاون مع الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون.
ورأى قاسم أن حرب 2024 كانت أشرس وأطول من حرب 2006، وأن اتفاق وقف النار «ليس معاهدة بين لبنان وإسرائيل وليس اتفاقا جديدا إنما هو برنامج إجراءات تنفيذية لتطبيق القرار الأممي رقم 1701 ومحوره المركزي جنوب نهر الليطاني، وينص على خروج الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها وأن ينتشر الجيش اللبناني هناك» مضيفا «أن التنسيق بين المقاومة والجيش اللبناني عالي المستوى، وأن الاتفاق تم تحت السيادة اللبنانية، وكانت المقاومة قوية ومرفوعة الرأس في الميدان ومنعت العدو من تدمير حزب الله وإنهاء المقاومة رغم كل ما قامت به إسرائيل من ضربات وخاصة اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله ورفيقه السيد هاشم صفي الدين».
وأظهرت ضراوة المعارك بين إسرائيل وحزب الله معادلات قوة جديدة، كان من أبرزها لدى حزب الله الأجيال المتنوعة من الصواريخ البالستية والطائرات المُسيرة بأنواعها الهجومية-الانقضاضية، وخاصة تلك التي استطاعت بلوغ منزل نتنياهو في قيساريا وتفجير ذاتها في نافذة غرفة نومه. وأفادت غرفة عمليات المقاومة أنها أوقعت في صفوف الجيش الإسرائيلي أكثر من 125 قتيلا وأكثر من 1000 جريح خلال محاولاته التوغل في جنوب لبنان.
وتستند قراءة حزب الله لنتائج الحرب مع إسرائيل إلى كونه استطاع النهوض رغم اغتيال معظم قيادته العليا، ثم ترميم جسمه التنظيمي، وصولا إلى صمود بيئته الحاضنة رغم الدمار الكبير واستشهاد قرابة 3961 مواطنا وجرح أكثر من 16520 آخرين على مدى عام وشهرين من المعركة التي تحولت لاحقا إلى حرب استمرت 66 يوما.
وكان من أبرز المشاهد الشعبية تأثيرا في المعادلة، قيام أكثر من مليون ومئتي ألف نازح لبناني بالتحرك – فور بدء سريان وقف النار عند الرابعة من فجر الأربعاء الماضي – كسيل بشري هادر على شكل قوافل طويلة من السيارات ووسائل النقل الأخرى، معلنين عودتهم إلى ديارهم التي نزحوا منها في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وقبيل الرابعة، كانت الغارات الجوية والاشتباكات والرمايات الصاروخية عنيفة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله على امتداد الأراضي اللبنانية من الناقورة في الجنوب مرورا بالعاصمة بيروت وحتى الهرمل في البقاع من جهة، ومن مستوطنة المطلة مرورا بجنوب حيفا وصولا إلى تل أبيب من جهة الثانية.
وكانت تلك الاشتباكات امتدادا للمعارك التي أطلقها حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 كجبهة مساندة لقطاع غزة، ثم حوّلتها إسرائيل إلى حرب كبيرة طالت لبنان اعتبارا من 17 أيلول/سبتمبر 2024 عبر تفجيرات أجهزة التراسل المدنية الـ«بيجر» حيث أصابت 4000 آلاف من عناصر حزب الله، ثم أتبعتها باغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بعد عشرة أيام في 27 ايلول/سبتمبر عبر قصفه بقنابل فتاكة تزن 84 ألف كيلو غرام من المتفجرات التي ألقتها الطائرات الإسرائيلية فوق ستة أبنية سكنية في ضاحية بيروت الجنوبية.
لكن نظرة حزب الله ومؤيديه إلى تلك الضربات القاسية وما تلاها، تمثلت في اعتبارها خسائر فادحة ومؤلمة وكفيلة بإسقاط دول وانهيار جيوش، لكن إسرائيل لم تتمكن عبرها من هزيمة وسحق حزب الله ومقاومته وإخراجه من المعادلة السياسية والعسكرية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط كما كان يحلم بنيامين نتنياهو. واستنادا إلى هذه القناعة ردد معظم العائدين اللبنانيين إلى قراهم ومدنهم عبارة: «انتصرنا رغم لوعة الألم وفقدان السيد حسن نصر الله».
وكما في الجنوب والبقاع، فقد توافد سكان الضاحية الجنوبية لبيروت الأربعاء إلى المنطقة لتفقّد ما تبقّى من منازلهم التي استحال قسم كبير منها ركاما، وحملوا أعلام حزب الله الصفراء قائلين: «نحن نحتفل بالنصر على إسرائيل».
وعلى النقيض من فرحة اللبنانيين العائدين، فإن المشهد كان مختلفا في المستوطنات الإسرائيلية حيث أعرب سكان شمال إسرائيل عن غضبهم من وقف إطلاق النار قائلين إنهم ما زالوا يشعرون بالخطر رغم أن صفارات الإنذارات توقفت بعدما ظلت لـ 14 شهرا تحذر من هجمات قادمة من لبنان. ولم يقتنع كثير من الإسرائيليين بما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الاتفاق ومنها تأكيده «إن إسرائيل تحتفظ بحقها في التحرك إذا انتهك حزب الله شروط الاتفاق».
وقالت ليفانا كارسينتي، وهي من سكان مستوطنة نهاريا، لوكالة «رويترز» عن الاتفاق «ماذا أقول؟ إنه أمر سيئ للغاية، سيئ حقا». وأضافت «لم يفعلوا (الحكومة) شيئا وجنودنا ضاعوا هباء. يجب على بيبي (نتنياهو) أن يترك الحكومة سريعا، على الرغم من أنني دعمته. عليه أن يعود إلى المنزل بشكل عاجل».
وقال أفيخاي شتيرن رئيس بلدية كريات شمونة الشمالية التي تبعد ثلاثة كيلومترات فقط عن الحدود إن الاتفاق كان ينبغي أن يتضمن منطقة عازلة بين إسرائيل ولبنان.
وبينما اعتبر نتنياهو أن أحد أبرز إنجازاته هو فصل جبهة لبنان عن جبهة قطاع غزة، إلا أن الوصل السياسي ظل أقوى من الفصل العسكري، حيث صار السؤال الأكثر تداولا في إسرائيل حاليا هو أنه إذا كان ممكنا التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، فلماذا لا يتم التوصل لاتفاق مماثل في قطاع غزة؟ وقال اللواء احتياط نوعام طبعون، لإذاعة «103 أف أم» الأربعاء: «السخرية هنا هي أننا لو توصلنا إلى مثل هذا الترتيب في الشمال (لبنان) بينما من الممكن التوصل إلى ترتيب مماثل في الجنوب (غزة) منذ وقت طويل وإعادة مواطنينا» في إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين.
أما يائير غولان، وهو النائب الأسبق لرئيس أركان الجيش وزعيم تحالف «الديمقراطيون» المعارض، فقال عن نتنياهو: «هذا الرجل جبان، لم يجرؤ أبدا على تحدي حزب الله». وأضاف أن «الاختبار الأهم هو إنهاء الحرب في الجنوب» أي غزة. وتابع: «القتال مستمر فقط لأن نتنياهو يعتمد سياسيا على الجماعة المتعصبة والمتطرفة التي تريد الحرب إلى الأبد» في إشارة إلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وقال زعيم المعارضة يائير لابيد، عبر منصة «إكس» مساء الثلاثاء: «أكبر كارثة في تاريخنا حدثت في عهد نتنياهو. أي اتفاق مع حزب الله لن يمحو الفوضى». وزاد بأنه «توجد حاجة ملحة للتعامل مع قضية المختطفين وإعادة المواطنين المهجرين (المستوطنين) إلى وطنهم (المستوطنات)».

إسرائيل تخرق الاتفاق

ويبدو أن نتنياهو شعر بحراجة موقفه فلجأ إلى التصعيد حيث قال الخميس في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية «إذا تطلب الأمر، وفي حالة حدوث انتهاك للخطوط العريضة لوقف إطلاق النار، فقد أعطيت توجيهاتي إلى الجيش لشنّ حرب شديدة».
وأطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على سكّان بلدة الخيام قرب الحدود في جنوب لبنان وأوردت الوكالة الوطنية «أطلق العدو النار على مواطنين في الخيام، خلال تشييعهم أحد أبناء البلدة».
وجاء ذلك في أعقاب تأكيد الجيش اللبناني -الذي أعلن البدء بالانتشار في الجنوب – أن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار «مرات عدة».
وأشار الجيش اللبناني في بيان أنه بتاريخ 27 و28 تشرين الثاني/نوفمبر «بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، أقدم العدو الإسرائيلي على خرق الاتفاق عدة مرات، من خلال الخروقات الجوية، واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة».
والخميس، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان أنّ النيران الإسرائيلية أسفرت عن إصابة شخصين بجروح في إحدى القرى الحدودية، كما أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان الأربعاء، في بلدة الخيام.
أما يوم الجمعة فقد حال الجيش الإسرائيلي بين سكان عشرات القرى في جنوب لبنان، وبين عودتهم إلى ديارهم، حتى إشعار آخر. وأعلن متحدث باسم جيش الاحتلال عن قائمة تضم أكثر من 60 قرية قرب الحدود الإسرائيلية ضمن منطقة يحظر دخول اللبنانيين إليها حاليا. وتوجد جميع المواقع في المنطقة المحظورة جنوبي نهر الليطاني، أو على ضفته الجنوبية.
الخروقات الإسرائيلية استدعت تدخلا من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الذي دعا جميع الأطراف إلى «الاحترام الكامل» لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان «الذي يصب في مصلحة المدنيين».
وأشار تورك إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان «كان سببا في راحة ملايين المدنيين» الذين عانوا كثيرا خلال الأشهر الـ 13 الماضية. ولفت إلى أن العديد من النازحين في لبنان ليس لديهم منازل يمكنهم العودة إليها أو العيش فيها.
كما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الوقف «الفوري» لكل «الأعمال التي تنتهك» وقف إطلاق النار، على ما أعلن قصر الإليزيه الجمعة.
وخلال مكالمتين هاتفيتين الخميس مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، دعا ماكرون «جميع الأطراف إلى العمل على التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار هذا» بين لبنان وإسرائيل، مشددا على أن «جميع الأعمال التي تخالف هذا التطبيق الكامل يجب أن تتوقف فورا».
ووسط إعلان نتنياهو أن الاتفاق الحالي هو وقف للنار فقط وليس نهاية للحرب، سيبقى التوتر قائما ليخوض «وقف النار» مخاض بلوغ الاستقرار أو السقوط، وعندها ستبدأ جولة في حرب جديدة قد تكون أقسى وأشد حيث تقول المقاومة في لبنان إنها جاهزة لكل الاحتمالات ويدها مثبتة على الزناد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية