وول ستريت جورنال: الإهمال والفساد وراء كارثة السدّين في درنة والتغيرات المناخية تهدد بكوارث مماثلة في الشرق الأوسط

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده بينويه فوكون وجاريد ماسلين، قالا فيه إن كارثة السدين في مدينة درنة الليبية، يقف وراءها تاريخ طويل من النزاع والفساد. فعقود من التحذيرات التي تم تجاهلها، ويعود بعضها إلى نظام معمر القذافي، قادت إلى الكارثة، و”الإهمال هو مقدمة لكارثة عامة”.

ففي 2003، قامت مجموعة من المهندسين السويسريين بفحص سدين على طول نهر في شرق ليبيا، وتوصلوا إلى أن البنى التحتية لهما تتعرض للضغط، وأوصوا بتقوية السدين وبناء سد ثالث لتخفيف الضغط عنهما. ولم يتم العمل على ذلك، بل تم استئجار ثلاث شركات للقيام بأعمال الصيانة في الأيام الأخيرة من نظام القذافي، ولكنّها خرجت من البلد بعد الإطاحة به في 2011.

وبعد ثلاثة أعوام، انقسمت ليبيا، واختفت الأموال المخصصة لإعادة بناء السدين، وذلك بحسب التدقيقات المالية التي جرت على المشروع. وفي عام 2014، سيطر تنظيم الدولة على المنطقة، ثم جاء خليفة حفتر، أمير الحرب المدعوم من روسيا، وسيطر على درنة بعد أعوام، مما وضع السدين بعيدا عن منال أي حكومة معترف في طرابلس.

وفي 11 أيلول/ سبتمبر من هذا العام، وبعد عقدين من الإهمال، انهار السدان إثر الإعصار المتوسطي الذي ضرب الجزء الشرقي من البلاد، ودمرهما وفتح المجال أمام سيل من المياه التي ضربت مدينة درنة وجرفت معها أحياء بأكملها، وخلفت وراءها أكثر من 6000 قتيل.

وتعلق الصحيفة أن خسارة الأوراح الكارثية هي آخر مثال عن الكيفية التي يغذي فيها الفساد والعنف، الغضبَ ضد الحكومات في عموم الشرق الأوسط. وتثير أسئلة حول الكيفية التي يمكن فيها للبنى التحتية بالمنطقة تحمل ظروف مناخية قاسية كإعصار دانيال، حيث يقول الباحثون العلميون إنها تفاقمت بسبب التغيرات المناخية.

ونقلت الصحيفة عن أنس القماطي، مدير مركز الصادق بالعاصمة طرابلس قوله: “الإهمال هو مقدمة لكارثة كاملة.. لقد سئم الليبيون، ويريدون رؤية عملية شفافة تحاسب الأفراد”.

وتقول الصحيفة إن كارثة السدين تتبع سلسلة من الكوارث بالمنطقة، من انفجار مرفأ بيروت الذي دمر معظم العاصمة اللبنانية، وسلسلة من الحرائق في المستشفيات التي قتلت أعدادا من الناس في العراق. وفي سوريا أدت الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد، لتدمير معظم البنى التحتية. أما في تركيا، فقد أسهم عدم التزام المقاولين بمعايير البناء، لمفاقمة تداعيات زلزال 6 شباط/ فبراير.

ودقت نواقيس الخطر بشأن سلامة واستقرار مشاريع كبرى بناها مستبدون، منها سدّان على نهريْ دجلة والفرات في العراق وسوريا، والتي عانت من سنوات الصراع مع مقاتلي تنظيم الدولة.

وفي الوقت نفسه، طالبت حشود من الناس في درنة، بالعدالة والإطاحة بالقادة، بعد اتضاح حجم الكارثة والضحايا. وتجمع المتظاهرون أمام مسجد معروف في المدينة، وقامت مجموعة صغيرة بحرق منزل رئيس البلدية.

وتقول الصحيفة إن تحقيقها قام على مراجعة وثائق وتقارير من ديوان المحاسبة في الحكومة الليبية، ومقابلات مع مسؤولين ليبيين ومقاولين أجانب تم استئجارهم لإصلاح السدين، وتكشف عن سلسلة من سوء الإدارة الذي بدأ من عهد القذافي حتى اليوم.

 وخلال أيام من رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، في 2003، تلقى ميغول ستكي، مهندس السدود في لوزان- سويسرا، مكالمة من السلطة العامة للمياه لتقديم الاستشارة بشأن السدين، وذلك حسب أشخاص على معرفة بالأمر. وأوصت شركته الهندسية “ستكي” بتقوية البنى التحتية للسدين وبناء سد ثالث جديد وتنظيف الضفاف والجدران حول السدين لمنع الفيضان. وظل ستكي يقدم النصيحة لنظام القذافي، إلا أنه نجا من محاولة اعتقال في 2008 بعدما اعتقل نجل القذافي هانبيال في جنيف بتهم ضرب خدمه. واحتجت ليبيا على الاعتقال وتم اعتقال شريك ستكي ومصادرة تجارته في الإسمنت بطرابلس. وتوقف عن السفر إلى ليبيا، ولم ترد غرانر التي اشترت شركة الخدمات الهندسية التي يملكها ستكي في عام 2013 على أسئلة الصحيفة للتعليق.

ولم تسارع حكومة القذافي لتنفيذ توصيات ستكي وتم وقف العمل بشكل مستمر. وأوقف نجل القذافي، سيف الإسلام، دفعات مالية لإصلاح السدين وسط صراع على السلطة بين أبناء القذافي والحكومة الليبية في حينه، بحسب مسؤولين ليبيين، بمن فيهم محمد علي عبد الله الذي عمل في لجنة كلفت بتوحيد ديون البلاد  في 2012 بعد سقوط الديكتاتور.

وورثت القيادات الليبية المتعاقبة أكثر من 10 مليارات دولار، وهو تذكير بأن محاولات القذافي لدمج البلد بالمجتمع الدولي لم يثمر منافع للناس العاديين. ويقول تيم إيتون، الزميل في تشاتام هاوس في لندن: “في ضوء المليارات التي أنفقت على التنمية في ليبيا في العقد الأول من القرن الحالي، وبعد خروج النظام من عزلته الدولية، فما الذي حصل الليبيون عليه من هذه المبالغ؟”.

لكن الوقت كان ينفد أمام سدي درنة. وفي عام 2010 تم الاتصال بالشركة الأردنية الكونكورد للإنشاءات وبناء خط أنابيب مرتبطة بالبنى وبكلفة 1.6 مليون دينار ليبي أو حوالي 327.000 دولار بناء على سعر التبادل اليوم، لكنها لم تقم بأي عمل حسب ديوان المحاسبة الليبي.

وقال مؤسس الكونكورد ومديرها التنفيذي حامد جبر، إن المشروع لم يكن على السدين وتم تأخيره بسبب خلاف مالي مع حكومة القذافي، و”لم يحدث أي تقدم منذ ذلك الوقت”. وتم استئجار شركة إيطالية لتقديم تقييم آخر وتوصلت مثل السويسرية إلى ضرورة تقوية دعامات السدين. وتم الاتصال بداية مع الشركة التركية “أرسيل إنشاءات” لإصلاح ضفاف السدين واستأنفت العمل أخيرا عام 2011. ولم تكمل سوى خُمس العمل قبل اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بالديكتاتوريات بمن فيهم القذافي.

ودمر المشاغبون موقع عمل “أرسيل” عند السد، وسرقوا معداتها وأجبروها على المغادرة. وقال مروان البارودي، المشرف لدى شركة الاستشارات الإيطالية “هرب المهندسون التابعون لنا حفاظا على حياتهم”. وقال إنه عاد بعد سقوط القذافي لتدريب الليبيين للعمل على السدين “للأسف، لم يتم حل الوضع الأمني أبدا”، كما قال.

وبسبب سيطرة فرع تنظيم الدولة على درنة في عام 2014 ومحاصرتها من قوات حفتر بدعم  من مرتزقة فاغنر ثم السيطرة على المدينة، جعل من درنة وسدّيها بعيدا عن منال الحكومة في طرابلس. وقال ديوان المحاسبة إن حصار حفتر للمنشآت النفطية، حرم الحكومة من الأموال اللازمة لصيانة السدين.

 وكانت هناك نافذة لإصلاحهما في 2021 بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أعقاب فشل حفتر بالسيطرة على طرابلس، ولم يحدث شيء. وبحسب مسؤولين ليبيين، فقد كانت سلطة المياه الليبية هي التي ستشرف على المشروع، إلا أن الخلاف بين الوزير ونائبه، زعيم ميليشيا أفشل العملية، وقام النائب بوضع مقاتليه لمنع الدخول إلى مكتب الوزير.

وحتى لو توفر المال، فلم يكن مؤكدا أنها ستنفق على إصلاح السدين. وفي نسخة من ميزانية الحكومة لعام 2022، فلم يتم تخصيص أي شيء لمشاريع سلطة المياه. وبعد أشهر انهارت حكومة الوحدة الوطنية وترك السدان ليواجها العاصفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية