وول ستريت جورنال: حرب أوكرانيا وضعت الجزائر في مقدمة الدول الرابحة في سوق الطاقة العالمي

إبراهيم درويش
حجم الخط
5

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده ماثيو دالتون وإريك سيلفرز قالا فيه إن هناك زوايا في عالم الطاقة كانت مخفية ذات يوم أصبحت تزدهر، من الكونغو إلى أذربيجان، مع محاولات أوروبا العثور على مصادر جديدة للغاز الطبيعي لتحل محل الإمدادات الروسية التي كانت تغذي القارة ذات يوم. ويعيد هذا التحول رسم خريطة الطاقة العالمية بسرعة.

وقالا إنه في بئر الرباع، في عمق الصحراء، تقوم شركة الطاقة الإيطالية “إيني” وشركة الطاقة المملوكة للدولة في الجزائر بحفر عشرات الآبار، وإنتاج الغاز من الحقول غير المستغلة من قبل في غضون أشهر.

فيما تربط ثلاثة خطوط أنابيب تحت البحر الأبيض المتوسط احتياطيات الغاز الهائلة في الجزائر بأوروبا. خلال معظم العقد الماضي، أبقت شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم أسعارها منخفضة، مما دفع الموردين مثل الجزائر إلى الخروج من السوق الأوروبية.

وأشار التقرير إلى أن 35% من صادرات النفط الروسية كانت تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، في حين كانت الهند تشتري معظم نفطها من الولايات المتحدة والعراق والسعودية. وصدرت روسيا معظم الغاز الطبيعي الذي تنتجه إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل 45% من واردات الكتلة من الغاز.

وقطعت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا لأول مرة في آذار/ مارس 2022، بعد شهر من بدء الحرب. ومع فرض الغرب عقوبات على النفط الروسي، حصلت الصين والهند على خصومات وأصبحتا المشتريين الرئيسيين للنفط الروسي.

وفي الوقت نفسه، ضاعفت الولايات المتحدة شحناتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وزادت أوروبا عدد محطات الغاز الطبيعي المسال لديها.
واستورد الاتحاد الأوروبي المزيد من الغاز من الجزائر والنرويج وتركيا وأذربيجان بدلا من الطاقة الروسية.

ولطالما كان للجزائر تحالف قوي مع روسيا، حيث اشترت كميات كبيرة من الأسلحة من موسكو. ولا شك أن تعطش أوروبا المفاجئ للغاز الطبيعي الجزائري يشكل تحديا لهذه العلاقة.

وقال محمد عرقاب وزير الطاقة الجزائري في مقابلة: “لدينا صداقة وعلاقات سياسية، لكن التجارة أمر آخر”.

ويجري المسؤولون الجزائريون مفاوضات بشأن صفقات غاز جديدة مع مشترين في ألمانيا وهولندا وأماكن أخرى في أوروبا. وتقوم شركة “إيني” الإيطالية باستثمارات كبيرة في الإنتاج الجزائري. وتجري الحكومة الجزائرية محادثات مع الشركات الأمريكية العملاقة “شيفرون” و”اكسون موبيل” على صفقات تمكن الشركات من إنتاج الغاز في البلاد لأول مرة.

كما تقوم شركة “كونسورتيوم” بقيادة “بريتش بتروليوم” التي مقرها لندن بتعزيز إنتاج الغاز في أذربيجان، الجمهورية السوفييتية السابقة الواقعة في منطقة القوقاز. وتربط سلسلة من خطوط الأنابيب بطول 2100 ميل أذربيجان بكعب إيطاليا. ويقول المسؤولون الأذريون إنهم يتقدمون عن الموعد المجدول فيما يتعلق بالتعهد بمضاعفة إمدادات الغاز إلى أوروبا بحلول عام 2027. وتقترب شركة “إيني” من إنتاج الغاز الطبيعي المسال من منشأة عائمة قبالة ساحل الكونغو حيث يهدف هذا النشاط الى إعادة توجيه تدفق الغاز الطبيعي حول العالم. وقد كان الغاز يتدفق في المقام الأول من الجنوب الغربي من روسيا باتجاه البحر الأبيض المتوسط. والآن تستعد أوروبا لتعزيز وارداتها من أفريقيا، مع تدفق الغاز عبر إيطاليا إلى النمسا وبلدان أخرى. ارتفعت الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي المسال إلى مستوى قياسي، مدفوعة بزيادة حادة في الشحنات الأمريكية إلى أوروبا.

وتأمل أوروبا أن توفر التدفقات الجديدة احتياطيا من الطاقة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وهي الفترة التي يشعر فيها المسؤولون والمحللون بالقلق من أن أزمة العرض ستكون الأكثر حدة.

والأمل هو أن يؤدي الغاز الجديد إلى انخفاض الأسعار بعد أن تم قطع خطوط أنابيب نورد ستريم، القناة الرئيسية للغاز الروسي، بسبب التخريب في أيلول/ سبتمبر 2022. كما ستحل الإمدادات الجديدة محل بعض الوقود الأكثر تكلفة الذي اعتمدت عليه أوروبا على مدى أكثر من عام بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر.

الأمل هو أن يؤدي الغاز الجديد إلى انخفاض الأسعار بعد أن تم قطع خطوط أنابيب نورد ستريم بسبب التخريب في سبتمبر 2022

وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت محفوف بالمخاطر بالنسبة لصناعة الطاقة، إذ خفضت الشركات خلال جائحة كوفيد – 19 من استثماراتها بسبب انهيار أسعار الغاز الطبيعي والنفط. ولم يكن المنتجون مستعدين لارتفاع حاد في الطلب عندما خففت عمليات الإغلاق أو اضطراب السوق الناجم عن الحرب. وشرع المسؤولون والمديرون التنفيذيون الغربيون في حملة مكثفة لدبلوماسية الطاقة.

فقد سافرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وسلفها ماريو دراجي إلى الجزائر لإبرام صفقات غاز جديدة. وقام المستشار الألماني أولاف شولتز بجولة في الدول الأفريقية التي لديها احتياطيات كبيرة من الطاقة في الأشهر التي تلت الحرب. وقام كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لشركة إيني، وجويدو بروسكو، الذي يشرف على إنتاج الشركة من النفط والغاز، بجولات عبر القارة بحثا عن مصادر جديدة للغاز لإيطاليا.

وقال بروسكو: “لقد بدأنا على الفور في التواصل مع جيراننا، وخاصة أولئك الذين لديهم أسرع إمكانية للاستجابة، مثل الجزائر”. وقام لويجي دي مايو، السياسي الشعبوي الذي كان وزيرا لخارجية إيطاليا عندما بدأت الحرب، بزيارة أذربيجان لتأمين التزامات بإمدادات جديدة.

وتقع منشأة النفط والغاز التابعة لشركة إيني في بئر ربع في الصحراء على بعد حوالي 500 ميل جنوب شرق العاصمة الجزائرية الجزائر. وعززت الحكومة الإجراءات الأمنية في المنشأة بعد أن هاجم متشددون إسلاميون مرتبطون بتنظيم القاعدة محطة للنفط والغاز تابعة لشركة بي بي في جنوب شرق الجزائر قبل عشر سنوات واحتجزوا عمالا كرهائن مما أسفر عن مقتل 38 شخصا.

ويخضع مجمع إيني لحراسة جنود جزائريين مسلحين وأفراد أمن. يبقى العمال في الأرض لفترات عمل لعدة أسابيع. ويستخدم قطيع من القطط لصد عقارب الصحراء.

وصل أليساندرو تياني، المدير الإداري لشركة إيني في الجزائر، بعد أسابيع من بدء الحرب، في مهمة لضمان حصول إيطاليا – وبالتالي القارة بأكملها – على ما يكفي من الغاز لتحمل انقطاع الإمدادات الروسية. وقال: “لقد ضغطنا على كابح السرعة إلى الحد الأقصى”.

ويقول المسؤولون الجزائريون: “إن البلاد يمكن أن تصدر هذا العام 100 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل حوالي 65% من حوالي 160 مليار متر مكعب استوردها الاتحاد الأوروبي من روسيا في عام 2021، قبل بدء الحرب”.

قبل ظهور الغاز الروسي الرخيص، كانت الجزائر المورد الأول لإيطاليا. والآن، تحتل المركز الأول مرة أخرى، مما يساعد إيطاليا على استبدال الغاز الذي كانت تحصل عليه من روسيا بشكل شبه كامل

قبل سنوات، وقبل ظهور الغاز الروسي الرخيص، كانت الجزائر المورد الأول لإيطاليا. والآن، تحتل المركز الأول مرة أخرى، مما يساعد إيطاليا على استبدال الغاز الذي كانت تحصل عليه من روسيا بشكل شبه كامل، والذي كان يمثل، في عام 2021، 40 في المئة من وارداتها.

وتريد إيطاليا استغلال هذا النجاح في تصدير بعض إمداداتها عبر حدودها الشمالية إلى النمسا وألمانيا ودول مجاورة أخرى. وقد قامت الحكومة مؤخرا بتسريع بناء خط أنابيب جديد لنقل الغاز شمالا.

وتدير سنام، الشركة التي تتحكم في شبكة الغاز الإيطالية، التدفقات من مبنى عادي يقع على بعد أميال قليلة جنوب ميلانو. وكان العام الماضي هو المرة الأولى التي ترسل فيها إيطاليا كميات كبيرة من الغاز إلى الخارج، إلى النمسا.

ونظرا لأهمية الجزائر الجديدة كمورد للطاقة، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إبعاد الحكومة عن روسيا. وتعد الجزائر واحدة من أكبر المشترين للمعدات العسكرية الروسية في العالم، وقد تدربت أجيال من الضباط الجزائريين في روسيا. وفي حزيران/ يونيو، التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو حيث اتفقا على ما أسماه البلدان “شراكة استراتيجية معززة”.

نظرا لأهمية الجزائر الجديدة كمورد للطاقة، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إبعاد الحكومة عن روسيا

تحدد ميزانية الجزائر لهذا العام خطة لاستخدام أرباح النفط والغاز لمضاعفة ميزانيتها الدفاعية تقريبا. ويخشى المسؤولون الغربيون أن يذهب جزء كبير من هذا الإنفاق إلى صناعة الأسلحة الروسية. حذر مسؤولون أمريكيون الجزائر من أن المشتريات الكبيرة من روسيا ستعرضها لخطر العقوبات الأمريكية، بموجب قانون يهدف إلى مكافحة مبيعات الأسلحة لروسيا وإيران وكوريا الشمالية. وتقول القوى العسكرية الأميركية والأوروبية إن بإمكانها المساعدة في سد هذه الفجوة.

وقال مسؤول أمريكي في الجزائر: “لا يمكن التراجع عن المشتريات العسكرية بين عشية وضحاها. ومع ذلك، يمكن للجزائر أن تتجنب إجراء عمليات شراء إضافية كبيرة للمعدات العسكرية الروسية، ونحن نشجعها على التنويع بعيدا عن مشتريات الدفاع الروسية”.

مسؤول أمريكي في الجزائر: “لا يمكن التراجع عن المشتريات العسكرية بين عشية وضحاها. ومع ذلك، يمكن للجزائر أن تتجنب إجراء عمليات شراء إضافية كبيرة للمعدات العسكرية الروسية”

ويقول المحللون إنه عندما بدأ الغزو، أعطت الحكومة الجزائرية إشارات متضاربة حول كيفية الاستجابة. بعد أيام من بدء الحرب، نقلت صحيفة “ليبرتي” الجزائرية عن الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك، شركة النفط والغاز المملوكة للدولة في الجزائر، قوله إن الشركة مستعدة لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا لتحل محل الإمدادات الروسية.

وسرعان ما تراجعت سوناطراك قائلة إن كلام الرئيس التنفيذي قد تم تحريفه، وتقدمت بشكوى ضد “ليبرتي”.

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، أوضحت السلطات الجزائرية أنها حريصة على استعادة حصتها في السوق من روسيا. وفي نيسان/ أبريل 2022، التقى رئيس الوزراء الإيطالي دراجي بالرئيس الجزائري في الجزائر العاصمة، حيث وقع مسؤولون تنفيذيون من إيني وسوناطراك اتفاقا لزيادة إمدادات الغاز إلى إيطاليا.

ويشعر بعض المشرعين الأوروبيين بالقلق من أن اعتماد القارة المتزايد على الجزائر وأذربيجان قد يعرضها لأهواء مورد الطاقة الاستبدادي مرة أخرى. وقال روبرتو سينجولاني، وزير البيئة الإيطالي السابق الذي ساعد في قيادة الاستجابة الدبلوماسية للبلاد لأزمة الطاقة بعد بداية الحرب، إن أفضل سياسة هي الحفاظ على تنوع موردي القارة.

وقال: “يجب أن يكون لديك أكبر عدد ممكن من الموردين، حتى تقلل من خطر استخدام شخص ما للغاز كرافعة في معركة جيوسياسية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول المراكشي:

    نسأل الله أن يحفظ الجزائر و شعبها و له الحمد و الشكر على نعمه عليها

    1. يقول Rachid:

      آمين يارب العالمين

  2. يقول loco:

    للجزائر علاقات قوية سواءا مع الشرق او مع الغرب ولا تقبل لاي جهة كانت ان تملئ عليها مع من تتعامل و كيف فالجزائر حرة في اختيار شركائها و ضمان مصالحها

  3. يقول مجرد رأي:

    العقلية الجزائرية لا تقبل الإملاءات مهما كان نوعها. العلاقات المبنية على مبدأ الإحترام المتبادل هي التي تكلل بالنجاح

  4. يقول ‪Cherif Khenniche:

    نسأل الله ان يحفض بلادي الجزائر .
    تعليق خرج من ولاية الجلفة

اشترك في قائمتنا البريدية