لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده ستيفن كالين قال فيه إن مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم الجمعة، أدى إلى ظهور فراغ على رأس القيادة، وسيواجه الزعيم المقبل أكبر تحد يواجهه الحزب منذ إنشائه قبل أربعة عقود.
ويتوقع أن ينجو الحزب كقوة مسلحة وسياسية ومنظمة اجتماعية ويعين قادة وخلفاء للقيادة التي قتلت، ولكن لم يسمع أي شيء عن القيادة المقبلة، علاوة على أن أيا منهم ليس لديه الحضور والتأثير الذي مارسه حسن نصر الله وهو على رأس الجماعة ولثلاثة عقود.
وقالت ريم ممتاز، الزميلة في مركز كارنيغي الشرق الأوسط إن خليفة نصر الله “سيعين لحزب يكافح ومتعثر ومتراجع” و”ستكون هذه نقطة تحول في تاريخ الجماعة”.
ويتوقع أن يختار الحزب هشام صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي وابن خالة نصر الله وخليفته، هذا إن لم يقتل في الغارة التي أدت لمقتل نصر الله. ويرتبط صفي الدين بعلاقات قوية مع إيران، حيث أكمل دراساته الدينية. ويقال إن ابنه متزوج من ابنة الجنرال قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي قتل بغارة أمريكية في عام 2020.
يرتبط صفي الدين بعلاقات قوية مع إيران، حيث أكمل دراساته الدينية. ويقال إن ابنه متزوج من ابنة الجنرال قاسم سليماني
وفي وقت ما من العام الماضي دعا صفي الدين بمداولات داخل الحزب إلى اتباع نهج أكثر عدوانية تجاه إسرائيل من نهج نصر الله، وذلك حسب أشخاص مطلعين على المداولات الداخلية للحزب.
ففي أعقاب مقتل نصر الله، اختفى قادة الحزب المتبقون، مما جعل من الصعوبة التحقق ممن نجا منهم في الغارة الجوية يوم الجمعة. كما وعقد هذا من مهمة الحزب للاجتماع ومناقشة الزعيم الجديد.
ولو نجا صفي الدين، فسيقوم بقيادة الحزب في عملية الانتقال للقيادة التي نشأت بسبب العلميات الإسرائيلية التي استهدفت نظام الاتصالات للحزب.
ولا ينظر لنائب نصر الله، نعيم قاسم، كشخصية مؤهلة لقيادة الحزب، نظرا لعدم حيازته على المؤهلات الدينية والسياسية بما فيها العلاقة مع إيران.
وتقول حنين غدار من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، “لو ماتوا جميعا، فعليهم تعيين شخص غير معروف لأحد وهي إهانة كبيرة لهم”.
وباعتباره أمينا عاما للحزب، ففد ترأس نصر الله مجلسا يشرف على خمسة أجهزة متخصصة مسؤولة عن قضايا تشمل الشؤون العسكرية والسياسية والقضائية. ويعتبر المجلس التنفيذي، الذي يدير العمليات اليومية لحزب الله، هو الأقوى بين تلك الأجهزة. وترأس نصر الله المجلس التنفيذي لحزب الله قبل أن يصبح أمينا عاما في عام 1992، عندما قتلت إسرائيل سلفه عباس الموسوي في هجوم بطائرة هليكوبتر على موكبه في جنوب لبنان، مما أسفر عن مقتل زوجته وابنه أيضا. وردا على ذلك، أرسل حزب الله شاحنة مفخخة انتحارية عبر بوابات السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس بعد شهر.
وتقول الصحيفة إن زعيم حزب الله المقبل سيواجه أكبر لحظة تحد في تاريخ الجماعة الذي يمتد لأربعة عقود.
فقد نفذت إسرائيل سلسلة من الهجمات المدمرة على الجماعة، في محاولة لحمل حزب الله على وقف هجماته التي أجبرت عشرات الآلاف من الناس على إخلاء شمال إسرائيل. ولكن الحزب تعهد أن يهاجم إسرائيل بمواصلة الهجمات حتى تنهي إسرائيل الحرب في غزة.
كان حزب الله يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية الموجهة بدقة والتي يمكنها التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية
وأشارت الصحيفة إلى بداية الأحداث من تفجير أجهزة الاتصال والغارات المتواصلة على الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت ثم اغتيال نصر الله. وقد رد الحزب بسلسلة من الصواريخ أحدها ضرب تل أبيب، وكان صاروخا رمزيا أكد من خلاله أنه قد يصعد من الهجمات الصاروخية متوسط المدى.
ومن هنا سيواجه خليفة نصر الله الضغوط للانتقام والتعامل مع حزب يعاني من خلل في الانضباط بسبب الغارات الإسرائيلية.
وقبل أن تبدأ إسرائيل حملتها الأخيرة، كان حزب الله يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية الموجهة بدقة والتي يمكنها التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية واستهداف المواقع غير العسكرية. ومن غير الواضح كم تبقى من هذه الترسانة. وقد يكون الغزو البري لجنوب لبنان، حيث يمتلك حزب الله أنفاقا ودفاعات أخرى، أكثر تكلفة بالنسبة لإسرائيل.
وربما انتصر صوت العقل وامتنع حزب الله عن ضرب إسرائيل بالصواريخ القوية التي يملكها. وبحسب نيكولاس بلانفورد، المحلل المختص بحزب الله والزميل البارز في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي، مضيفا أنه لا يمكن استبعاد أي شيء. فقد تقرر إيران أن مقتل نصر الله تجاوز الحد وتذهب إلى الحرب، أو قد يهاجم مسلحون مارقون من الحزب إسرائيل بمفردهم. وقد تدعو إيران أيضا حلفاء آخرين في اليمن والعراق وسوريا لزيادة الهجمات على إسرائيل.
وقال بلانفورد، الذي كتب كتابا عن حزب الله: “كل الرهانات غير مضمونة. ستكون هناك مشاعر غاضبة وقوية تدعو للانتقام بغض النظر عن العواقب”.
وحاولت إيران، حتى الوقت الحالي تجنب حرب مباشرة مع إسرائيل وبالضرورة الولايات المتحدة. وبدلا من ذلك اعتمدت على الجماعات الوكيلة عنها.
لكن تشرذم حزب الله وضعفه يضع أسئلة عن مدى نجاعة الإستراتيجية الإيرانية والقائمة على استخدام ميليشيات عربية لمواصلة التأثير في الشرق الأوسط. وقد لعب حزب الله دورا محوريا في تنسيق شبكة التحالفات الإيرانية أو ما يعرف بمحور المقاومة.
ويترك مقتل نصر الله والقيادات الأخرى إيران أمام ثلاثة خيارات كلها مُرّة، كما تقول غدار من معهد واشنطن، فقد تستبدل القيادات اللبنانية بأخرى أقل تدريبا، أو تضع قيادات إيرانية لإدارة المعركة مباشرة أو تعمل على تراجع تكتيكي. وقالت: “أخبر الإسرائيليين: لقد انتصرتم ثم البدء وبصبر لإعادة ترتيب حزب الله” و”قد يستغرق هذا سنوات، لكن هذا أفضل من خسارة كل شيء”.
لكن موقف إيران كان مختلفا، ففي الساعات التي أعقبت تأكيد حزب الله مقتل زعيمه، أشارت طهران إلى أنها لا تملك مثل هذه الخطط. وقال اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإسلامي، إن إيران وحلفاءها “سيوجهون المزيد من الضربات الساحقة” إلى إسرائيل.
لو غيرت إيران من استراتيجيتها فلن يتمكن حزب الله من مواصلة العمل بنفس الوتيرة في السابق حيث أصبح قويا عسكريا وسياسيا وبنى دولة داخل دولة
ولو غيرت إيران من استراتيجيتها فلن يتمكن حزب الله من مواصلة العمل بنفس الوتيرة في السابق حيث أصبح قويا عسكريا وسياسيا وبنى دولة داخل دولة. وسيحاول أعداء حزب الله في لبنان الاستفادة من هذه اللحظة، كما تقول ممتاز من كارنيغي: “إنها لحظة ضعف شديدة لحزب الله، وسوف تحاول الأحزاب المعارضة له الاستفادة منها وإعادة ترتيب رقعة الشطرنج السياسية في لبنان والحد من هيمنة حزب الله على السياسة في لبنان” ولكن حزب الله لن يستسلم بسهولة كما تقول.
ورأت ليز سلاي من “واشنطن بوست” أن اغتيال نصر الله مزق وهم القوة العسكرية لحزب الله. وقد أثارت الهجمات الإسرائيلية القوية أسئلة حول السبب الحقيقي لوجود المنظمة، والذي كان قائما على ردع الهجمات الإسرائيلية ضد لبنان وإيران. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية الضخمة التي قتلت نصر الله إلى تدمير عقود من الأساطير والافتراضات حول القوة العسكرية للحزب وضرب مكانته كقوة إقليمية.
ففي غضون 10 أيام، تعرض الحزب الذي كان يفاخر بامتلاك واحدة من أقوى الترسانات العسكرية في الشرق الأوسط للانهيار. إلا أن حزب الله بالغ، على ما يبدو، في تقدير قوته إلى حد كبير، وقلل من تقدير استعداد إسرائيل لمواجهته، إلى جانب مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية للجماعة.
وقالت لينا الخطيب، الزميلة المشاركة في مركز تشاتام هاوس في لندن: “كان لدى حزب الله شعور متضخم بذاته، وقد تبين الآن أنه مجرد واجهة، وهي واجهة بناها حول نفسه”. وأضافت الخطيب أن حزب الله ربما سيواصل القتال وسيبقى كلاعب سياسي وعسكري في لبنان، حيث لا يواجه أي منافسين جادين، مشيرة إلى أنه قد لا يتعافى أبدا من الإذلال وانهيار سمعته ومكانته التي تعرض لها خلال الأيام الماضية وقد تكون “هذه بداية نهاية حزب الله كما عرفناه على مدى العقود العديدة الماضية” حسب قولها.
وتقول الصحيفة إن ما جرى هو نقطة محورية في حرف ميزان القوة بالشرق الأوسط. فقد قاد نصر الله الحزب على مدى 3 عقود من أربعة عقود من عمره ومنذ إنشائه عام 1982. ومنذ ذلك الوقت، انتقل الحزب من قوة إلى قوة، فأجبر القوات الإسرائيلية على الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000 ثم واجه إسرائيل مرة أخرى في عام 2006 وتوسع في المنطقة من خلال إرسال مقاتلين إلى سوريا لدعم الرئيس السوري بشار الأسد ومستشارين لمساعدة حلفاء الميليشيات الإيرانية في اليمن والعراق.
ويقول المحللون إنه لا يمكن استبعاد حزب الله، فهو لا يزال أقوى قوة سياسية وعسكرية في لبنان، حيث لم يترك انهيار الاقتصاد والدولة أي منافسين جادين لحزب الله. وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إنه سيحتفظ بولاءات الشيعة اللبنانيين، الذين كان كثير منهم يوقرون نصر الله وسيتذكرونه باعتباره الزعيم الذي رسخ مجتمعهم وطرد الإسرائيليين.
وكتب فيليب سميث الخبير بالجماعات الشيعية على منصة إكس أن الحزب “لا يزال منظمة واسعة النطاق وقوية وممولة بشكل جيد” وحذر من التكهنات المبكرة بزوال حزب الله، مضيفا أن بقاءه سيعتمد على كيفية رده على إسرائيل في الأيام المقبلة. فالتوقعات بين أنصاره هي أنه سيحاول القيام بعملية ثأر مستخدما الصواريخ الدقيقة. مع أن قدرته على القيام بذلك بعد انتكاسات الأيام الأخيرة غير واضحة.
وقال فراس مقصد، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “أصبحت قدرة حزب الله على القيادة والسيطرة وإدارة مواجهة كبيرة مع إسرائيل في المستقبل القريب موضع شك شديد. لقد تجاوزت القدرة الإسرائيلية ومستوى الاختراق توقعات الجميع”. ويبدو أن استراتيجية نصر الله التي عبر عنها من خلال خطابات متلفزة وربطت الغارات الصاروخية بحرب غزة قد أتت بنتائج عكسية، كما قال مقصد.