يا مقهوري العالم اتحدوا

حجم الخط
1

قد يكون النداء الذي وجهه المفكر كارل ماركس (1818-1883) إلى العمال في القرن التاسع عشر، داعياً إياهم إلى ضرورة التلاحم والاتحاد من أجل مواجهة أرباب الرأسمالية، المغتصبين لحقوقهم، والمستغلين لعرق جبينهم، عندما كتب في «البيان الشيوعي» رفقة صديقه فريدريك أنجلز (1820-1895) بالقول: «يا عمال العالم اتحدوا»، قد يكون هذا النداء بمثابة ترياقٍ لإنقاذ البشرية من سموم هذه اللحظة الصعبة والعسيرة، التي يمر بها العالم، ليس لأجل إعادة الشيوعية بالطبع، كما يحلم بعضُ الحالمين، ويأمل بعضُ الواهمين، لأنّ الشيوعية كنظام أثبت التاريخ فشله، وقد رفضته أغلب المجتمعات، إذْ هبّ الشعب الألماني، المنقسم بين الغرب والشرق، كرجل واحد إلى إسقاط جدار برلين في عام 1989، ثم توالت عقب ذلك، الأحداث المأساوية، كان أهمها على الإطلاق تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار الشيوعية، ليكتب التاريخ نهايته، معلنا ولادة الإنسان الأخير، كما عنون فرانسيس فوكوياما (1952) ببلاغة كتابه المشهور «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، ذلك أنّ الشيوعية نظام ينافي الفطرة والطبيعة البشرية، التي تريد تملك الأشياء، وهي، أي الشيوعية، تسعى فيما تسعى إليه إلى تحقيق المساواة الكاملة بين البشر، بمعنى آخر، أنّ الفردوس الذي يحلم به الناس، سيجدونه، وفق التفكير الشيوعي، هنا على الأرض، وليس في عالم آخر، وفي هذا إخلال بسنن الكون وقوانين الطبيعة، التي ترى في التفاوت بين النّاس علامة على صحة المجتمعات، وأن التساوي بينهم، سيقودها لا محالة إلى أمراض قاتلة، ستهلكها في نهاية الأمر.
إن مسوّغات نداء ماركس وصديقه متوافرة اليوم، من ظلم، واستغلال، واستعمار، وعنصرية، ونهبٍ لثروات الشّعوب، واستهانة بحقوقها، غير أنّ المختلف الوحيد بين الأمس واليوم هو أنّ ماركس قصد بندائه العمال، باعتبارهم المقهورين في ذلك العصر البعيد، حيث يستغل ربُّ العمل عرق العامل من أجل مضاعفة ثروته وتكديسها، من دون أن يحقق العامل غايته من العمل، من عيش كريم، وعدالة اجتماعية، أو ربما بوصفهم قوة قد تساعد على إحداث التغيير المنشود.

إن الحكومة العالمية لديها حكام في مختلف دول العالم، يؤدون الوظيفة التي أوكلت إليهم، فهم حراس لها، والمدافعون عنها، يقدمون لها فروض الولاء والطاعة في كل حين، ومن يتخلف عن تقديم ذلك، سيكون مصيره في أفضل الأحوال السجن مدى الحياة.

أما نداء اليوم، فينبغي أن يتوجه إلى المقهورين بشكل عام، لا فرق بين العامل في المصانع أو الفلاح في المزارع أو الطبيب في المستشفيات أو الأستاذ في المدارس والجامعات أو القاضي في قاعة المحاكم.. كما يجب أن يتوجه إليهم في العالم كله، في الجنوب كما في الشمال، وفي الشرق كما في الغرب، فالكل معنيٌّ بالتغيير، لا فرق بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وأعجمي، فهم سواء في القهر، فهناك من يعيش في عالم الخوف، ومنهم من يعيش في عالم الحرب، وهناك من يهاجر خوفاً من الجوع، ومنهم من يفر بحثاً عن المعنى وهكذا. وبالجملة، فعلى الشعوب اليوم أن تتوحد لمواجهة الطغمة العالمية وعملائها، فهذه الطغمة الحاكمة أكدت الأيام أنّها ضد شعوب الأرض، وأن أهدافها لا تلتقي، لا من بعيد ولا من قريب، بأشواق الشعوب وتطلعاتها، وأن استمرارها في قيادة العالم هو الانتحار بعينه؛ فالأزمات تتوالد، والحروب تتزايد، والأمراض والأوبئة تتناسل، كما أثبت الواقع أنّ الثورات التي تكون في هذا القطر أو ذاك، سرعان ما يتم التآمر عليها، ويكون مآلها الفشل، فتعود الشعوب بعد ذلك إلى وضع أسوأ من الوضع السابق، لأنّ هذه الحكومة لن تغامر بمصالحها من أجل عيون الديمقراطية أو الحرية، إرضاء لهذا الشعب أو ذاك، حتى لو كانت في بلد صغير كتونس، أو في دولة أنهكتها الأزمات مثل الأرجنتين، اللذين قد يتحولان مع مرور الأيام إلى نموذج يحتذى به.

إن الحكومة العالمية لديها حكام في مختلف دول العالم، يؤدون الوظيفة التي أوكلت إليهم، فهم حراس لها، والمدافعون عنها، يقدمون لها فروض الولاء والطاعة في كل حين، ومن يتخلف عن تقديم ذلك، سيكون مصيره في أفضل الأحوال السجن مدى الحياة، لهذا فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة على كبح أي عمل ثوري أو انتفاضة في الداخل، ولعل الربيع العربي أفضل دليل على ذلك، فقد تآمر حكام الغرب مع عملائه في الداخل، لإفشال هذا المشروع التحرري الكبير، ولو أخذنا الثورة السورية على سبيل المثال، نجد أنّه لما أصبح النظام السوري قاب قوسين أو أدنى من السقوط والانهيار، تدخل الغرب بقوة، فأطلق تنظيم «داعش»، الذي يؤكد العديد من التقارير الغربية بأنه صنيعة مخابراتية دولية؛ أمريكية، بريطانية، روسية، وحتى إيرانية، من أجل إنقاذ بشار الأسد، بالموازاة مع ذلك، سمحوا لروسيا بالتدخل في سوريا.
وبناءً عليه، فبعد إدراك الشعوب أن التغيير من الخارج كان أكبر أكذوبة، حاول المحافظون الجدد تسويقه ثمّ تطبيقه بعنفٍ في العراق، فضلا عن ذلك، أدركت أنّ التغيير من الداخل من الصعب تحقيقه على أرض الواقع، ولو نجح بعض الوقت، سيكون مآله الفشل بعد حين، نتيجة للعوامل التي ذكرت آنفاً، يبقى الحل الوحيد، في أن يتحد المقهورون في مختلف بقاع العالم، معلنين رفضهم لهذا النظام العالمي الظالم، الذي فشل في تحقيق أبسط الأمور، بل لا يستطيع الاستمرار في البقاء إلا بنشر الفوضى والحروب والأوبئة. وحتى ينجح هذا المشروع التحرري لا يكفي أن يعي المقهورون بخطورة المرحلة حسب، بل ينبغي أن يصاحب ذلك الوعي، وعيٌّ بأنّ الطّريق صعب، والنّضال مطلوب، والتّضحيات كبيرة. إذا وعوا ذلك، عليهم أن يعلموا بأنهم «لا يملكون ما يخسرونه سوى سلاسلهم»، لكن، كما أضاف ماركس في بيانه «أمامهم عالم يربحونه».
ربما ينظر البعض إلى هذا التحليل بأنّه غارقٌ في المثالية، كما كان حلم ماركس من قبل طوباوياً مثالياً، لمّا كان يأمل في تأسيس عالم بلا طبقية، عالم المساواة الكاملة، مع ذلك يبقى هذا الطريق، في اعتقادي، على الرغم من صعوبة تجسيده بسهولة، ورّغم ما يرتبط به من أوهام وجنون، هو السبيل الأسلم لتحقيق الحلم في الانعتاق من هذا الظلم، والتحرر من استغلال قوى الاستكبار.

كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن آكسيل:

    مقهورو العالم …؟؟؟ من هم …؟؟؟ يبدوا انهم من يقارنوا بين حالهم و حال الغربيين ……! إذا صح ذلك فعلى الدنيا السلام ………! هل هولاء المقهورين لهم نفس العقلية اللتي يتحلى بها الغربيون في التفاني في العمل و اداء واجباتهم كاملة نحو أوطانهم و بني وطنهم ……؟ ههها ………المقهورون عندنا كالضفدع اللتي تحاكي حجم الثور ……!

اشترك في قائمتنا البريدية