يثابرون على اغتيال إسماعيل هنية

حجم الخط
5

لا يقلّ أذى عن اغتيال إسماعيل هنية ذلك التنكيل اليومي الشامت، والمتشفّي، بل والمبارِك، عبر حملات لم تخلُ من تزوير ومعلومات مضللة.
لم يتوقف الأمر على حملات منسقة (وهي مفهومة ما دامت كذلك) خليجية ومصرية، هذه التي وُجدت تحت عناوين وهاشتاغات من قبيل «شهيد الفنادق»، أو اتهامات تُساق على تورّط «حماس» بقتل جنود مصريين، فقد كان الأكثر إحباطاً انخراط ناشطين ومعلّقين سوريين (نرجو ملاحظة غياب أل التعريف) في التنكيل، إلى حد التحوّل إلى ظاهرة استدعت كتابات وردود فعل وجدلاً لم ينته (من حسن الحظ أن كاتباً سورياً (عمر قدور) تناولَ الأمر أخيراً، ومؤسف أنه لم ينج من اتهامات، ومن شتائم).

من عجب أن ترى مع كل مجزرة من ينشر صوراً لائماً «حماس»، بالضبط على نحو ما كان يفعل البعض عندما يحمّلون الثورة السورية مسؤولية ما وصلت إليه بلادهم

وفي الواقع، فإن الظاهرة لم تبدأ فقط مع اغتيال هنية، ولعلها اندلعت مع هجوم السابع من أكتوبر، فلا يقلّ غرابة أن يأتي معظم ردود الفعل محمِّلاً «حماس» مسؤولية الفظائع التي ارتكبها الإسرائيليون في القطاع المحاصر، على أساس أن حركة المقاومة الفلسطينية كانت تدرك الثمن الفادح لهجومها، وهذا ليس دقيقاً، إذ لم تبلُغ إسرائيل في كلّ ارتكاباتها السابقة هذه الدرجة من التوحّش السافر، وربما هذا ما سقط من حسابات «حماس» التي انتظرت، كما في السابق، أن تنخرط تل أبيب على الفور بمفاوضات الأسرى، فإن كان جندي واحد من قبل (شاليط) كفيلاً بإطلاق أكثر من ألف أسير فلسطيني فلربما كان أسرُ ذلك العدد في أكتوبر كفيلاً بصفقة أكبر بكثير.
وعلى أي حال، مع بدء الحرب الإسرائيلية الدموية على القطاع لم تعد المسألة ما تصنيف «حماس»، ومقدار الخطأ في حساباتها، لم تعد حرب إسرائيل على المنظمة الفلسطينية فقط، بل باتت بوضوح استمراراً لحرب مئة عام من التطهير العرقي، وربما تنفيذاً لـ «خطة الحسم» التي وضعها الوزير الإسرائيلي المتطرف سموتريتش، فكان من عجب فعلاً أن ترى مع كل مجزرة من ينشر صوراً لها لائماً «حماس»، بالضبط على نحو ما كان يفعل البعض عندما يحمّلون الثورة السورية مسؤولية ما وصلت إليه بلادهم، يشبه الأمر أن تحمّل منتفضي درعا مسؤولية مجزرة خان شيخون الكيميائية.
ومنذ اللحظة الأولى كان البعض يطالب، اشتراطاً، أن يجري تحديد الموقف من «حماس»، وأن يجري تشريحها، قبل الحديث عن فظائع إسرائيل (على أساس أن هذا مفروغ منه)، ولا ندري إن كان علينا قبل أن ندين ونستنكر ونبكي ضحايا مجازر الغوطة التي ارتكبها النظام وحليفه الروسي أن نحدد الموقف من «جيش الإسلام» و»فيلق الرحمن»، وإلا لن يُسمح لنا بالكلام.
تَنَوّعَ التنكيل بـ «حماس» أثناء الحرب، وعلى ما يبدو أن الإصرار على العماء قد أخذ البعض لاعتبار انتفاضة الجامعات الأمريكية (هل هناك أنبل من هذه الظاهرة؟) ممولةً أو موجهةً من إيران! تصوّر! أي تماماً كما جاء على لسان رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو في خطابه الأخير أمام الكونغرس. ثم تصوّر أن كل هذه الأعداد من المتضامنين، من شرق الأرض ومغربها، في الشوارع من أجل فلسطين، فيما مواطنك (عربي، سوري، وفلسطيني أيضاً) يسخر ويقهقه ويجد الوقت للشماتة.
من أجل تبرير هذه المواقف نَسَبَ البعض لـ «حماس» ارتكابات بحق الشعب السوري وثورته ضد نظام الأسد، وهو محض افتراء بالطبع، إذ اتخذت الحركة موقفاً مبكراً إلى جانب ثورة السوريين، أدى إلى طردها وإغلاق مكاتبها في دمشق، وليس أدل على شراسة موقفها من أن النظام، رغم إعلان الحركة رغبتها بالعودة إلى دمشق، لم يتسامح ولم يَصفُ حتى الآن تجاهها، بل إن رأس النظام لم يتردد في وصف مواقفها، في إحدى مقابلاته، بـ «الغدر والنفاق». أما تحميلها وزر أسلمة الثورة السورية فلقد كان أولى، إن صحّ، تحميل «الإخوان المسلمين»، الفاعل الأساسي في المعارضة، والمفترض أنها هي الأصل. وقد ساق البعض، كمثال، شهداء من الثورة السورية، دفعتهم ضرورات السياسة والأمر الواقع لتصريحات قد لا يرضون هم أنفسهم عنها في ظروف أخرى.

العماء أخذ البعض لاعتبار انتفاضة الجامعات الأمريكية ممولةً أو موجهةً من إيران! تماماً كما جاء على لسان نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس

من حقنا جميعاً الاعتراض على قرار الحركة إعادة علاقتها مع النظام السوري بعد عقد من القطيعة (والاحتجاجات مسجّلة في حينه)، ولا تخفى الإشارة الإيرانية للطرفين بذلك، وفي داخل الحركة نفسها احتجاجات صاخبة خرج بعضها إلى العلن، وهناك استقالات، وللحركة أسبابها السياسية (أسباب مفهومة، وليس بالضرورة مبرِّرة)، التي يفسّر السابع من أكتوبر جزءاً منها، لكن تلك العودة لا يجب أن تدفع إلى تزوير موقف «حماس» خلال العقد المنصرم، أو إنكاره، والشماتة والتنكيل على أساس ذلك بشهيد فلسطيني، فَقَدَ، قبل أن يقضي، عشرات الشهداء من أبناء عائلته، إلى جانب عشرات الآلاف من حركته وأبناء شعبه.
كذلك فإن الحركة ليست «حزب الله»، ولا إيران أو النظام السوري.
نحلم جميعاً أن تُبنى السياسة على الأخلاق والمبادئ، ألّا تبدّلها التحالفات وتقلّبات الدول، لكن من يستطيع الزعم أن حزباً أو دولة في العالم لم يضطر للتحالف مع الشيطان، صغر أم كبر، بما فيها المعارضة السورية نفسها التي شرّقت وغربت في تحالفاتها.
اختلفنا، وسنختلف، مع «حماس»، لكنه ليس الخلاف الذي يدفع إلى الشماتة، أو التجاهل، أو الدعوة للقتل، أو إنكار الدرس الذي علّمته لإسرائيل ولدول المنطقة، وللتاريخ.

* كاتب من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول كنعان المقدسي:

    ماقامت به حركة حماس في السابع من أكتوبر من العام الماضي من اختراق حاجز الصمت والتعتيم والحصار في القضية الوطنية الفلسطينية، وذلك فيما اطلق عليه “طوفان الأقصى” ،مهما كانت النتائج، فالعمل كان وطنيا وثوريا ومشروعا ومبررا، ولتخرس كافة الأبواق. انا شخصيا على خلاف مع الإسلام السياسي في الكثير من معتقداته وايديولوجيته السياسية ومفاهيمه في عالم الاقتصاد والمجتمع، ولكن ماقام به في السابع من أكتوبر حين حطم التابو الرسمي للنظام العربي والاقليمي في القضية الوطنية الفلسطينية وجذب ماكان يعرف “بقميص عثمان” وتحول إلى قضية احيت المسألة الوطنية في حق الشعب الفلسطيني باسترداد كامل حقوقه المشروعة وتحرير أرضه واكتساب كرامته في الاستقلال والكرامة والتحرر، فإن العملية باتت مشروعه بالمطلق، ولتخرس كل الأبواق الناعقة ومن لف من اطيافهم.

  2. يقول علاء الأسمر:

    حركة حماس لم تطرد من دمشق وإنما اختارت الخروج منها بمحض إرادتها. الحياد الذي تحدث عنه مشعل في مقابلة مع قناة سعودية غير صحيح، وكلنا نعلم ماذا فعلت حماس مع الفلسطينيين والسوريين في سوريا. لكن حماس 2012 ليس نفسها حماس الآن. نحن في سوريا نتعالى على الجراح، ونعتبر شهداء حماس وأي شهيد فلسطيني يرتقي في المعركة ضد الاحتلال هو شهيد سوريا، وأعني هنا سوريا البلد والناس وليس الأنظمة.
    رحم الله اسماعيل هنية وجميع الشهداء الذين سقطوا في فلسطين أو من أجل فلسطين.

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      ورحم الله شهداء الشعب السوري الذين قتلهم إجرام بشارون أسدوف ولامثيل لذلك سوي إجرام نتنياهو!

  3. يقول المتوكل بالله:

    كما قال الشهيد كما ل عدوان
    نحن الفلسطينيون ملائكة الأرض قد ندخل الوحل ولكننا لا نتلوث به
    رحم الله الشهيد القائد اسماعيل هنية وكل شهداء الامة

  4. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكراً أخي راشد عيسى. لا أعرف لماذا اتفق معك لكن دعني أضيف بعض الشيء. أعتقد أن “خطة الحسم” كانت موضع التنفيذ لكن كانت حكومة نتنياهو المتطرفة الفاشية (ودوماً الحمقاء) تشتغل بها في الضفة الغربية واعتقدت أن غزة يمكن تركها إلى مابعد ذلك، بل أيضاً لم تتوقع أن حماس مستعدة لعملية واسعة. فكانت المفاجأة التي أربكت نتنياهو تماماً فما كان في جعبته سوى القاتل والدمار العشوائي البشع، حرب إبادة بكل معانيها. هذا أدى إلى ردك فعل عالمية تضامنية مع الشعب الفلسطيني وغزة. ولا أشك أبداً بأن مفاجأة نتنياهو لاتختلف عن مفاجأة بشارون أسدوف بانتفاضة الشعب السوري وبالثورة السورية وهكذا التسابه في الإجرام الفاشي البشع بل وفي كلتا الحالتين نرى مرقف أمريكي متشابه. وأيرا( وحزب الله) تحاول غسل جرائمهما ضد الشعب السوري بمناوشات، لكن لم يعد يرضى بها نتنياهو بعدما ضمن السيطرة التامة على إدارة بايدن، ألى أين ستسير الأمور يعلم الله لكن ستكون بالتأكيد على حساب الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري واليمني كما حصل حتى الأن. .

اشترك في قائمتنا البريدية