استراتيجية الأمن القومي الجديدة للرئيس بايدن وصفة كارثية لمستقبل علاقة الولايات المتحدة بالعالم، لأنها تضعها في صدام مع حقائق الواقع، وهو آخر ما تحتاجه القوة الأمريكية. يقول بايدن في مقدمته للاستراتيجية: «إن الحاجة إلى القيادة الأمريكية هي أكبر ما تكون الآن، كما هي دائما». هذه فرضية تتحداها الحقائق ولا تتفق معها. التحدي لا يأتي من روسيا والصين فقط، لكنه يمتد إلى مناطق كثيرة من العالم، بما فيها تلك التي يوجد فيها شركاء وحلفاء لواشنطن، مثل الشرق الأوسط؛ فخلال عصر صعودها اعتمد نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على ثلاثة أعمدة رئيسية: طهران والرياض وتل أبيب. ولا أظن أن الحقائق تؤيد ذلك حتى الآن.
خمسة مبادئ استراتيجية
تضمنت الاستراتيجية إطارا من خمسة مبادئ أساسية تحكم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: أولا: مساندة إقامة شراكات مع الدول التي تلتزم بالنظام الدولي بقواعده المحددة، والعمل على ضمان أن تكون هذه الدول قادرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية. ثانيا: عدم السماح لقوى من خارج الإقليم أو من داخله بتعطيل حرية الملاحة في الممرات البحرية في المنطقة، بما فيها مضيق هرمز وباب المندب، وعدم السماح لأي دولة بالتحكم في دولة أخرى أو المنطقة، بواسطة الحشد العسكري، أو الاعتداءات، أو التهديدات. ثالثا: ردع الأعمال التي تهدد الاستقرار الإقليمي، مع العمل في الوقت نفسه على تخفيض التوتر، والتهدئة لإنهاء النزاع بواسطة الدبلوماسية، حيثما يكون ذلك مناسبا. رابعا: الدعوة للاندماج الإقليمي، من خلال إقامة روابط سياسية واقتصادية وأمنية بين شركاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إقامة هياكل مدمجة للدفاع الجوي والبحري، مع احترام سيادة كل دولة، واختياراتها المستقلة. خامسا: العمل على ترويج حقوق الإنسان، والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
هذه المبادئ الخمسة لم يرد فيها لفظ «الديمقراطية» على الإطلاق، وهو المبدأ الذي كان بايدن قد جعله عنوانا لسياسة خارجية تقوم على القيم الأمريكية. في القسم الخاص بمنطقة الشرق الأوسط (ص 42-43) لم يرد اللفظ إلا مرة واحدة، في سياق إشارة إلى بيان ألقاه بايدن في إسرائيل بخصوص حل الدولتين للقضية الفلسطينية.
استراتيجية بايدن في الشرق الأوسط تدفن رأسها في الرمال، وتتجاهل التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، والإخفاقات التي تعرضت لها سياستها الخارجية، حيث فشل في إقناع السعودية بزيادة إنتاج النفط، للوفاء بمتطلبات أمن الطاقة للتحالف الغربي في حربه ضد روسيا. على العكس من ذلك قررت السعودية بالاتفاق مع «أوبك+» تخفيضه. كما فشل في تمديد الهدنة اليمنية، ولم يستطع حتى الآن ضبط علاقاته المضطربة مع تركيا. ومع أنه أعلن في حملته الانتخابية منذ أكثر من عامين إنه يهدف لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، فقد فشل حتى الآن في تحقيق ذلك؛ فماذا فعلت القيادة الأمريكية للعالم، حتى في ترويج مصالح الولايات المتحدة نفسها؟! الاستراتيجية الجديدة تكرس أيضا حقيقة تراجع دور الولايات المتحدة في سوريا لصالح تركيا وإيران وروسيا. من حسن الحظ أن ذلك قد يشجع دول الخليج، على أن تلعب دورا أكثر نشاطا في سوريا ولبنان وليبيا. كذلك فإن المبادئ الخمسة لا تقدم تصورا لتحديات ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أو لإعادة ترتيب الأوضاع في منطقة القرن الافريقي الكبير، التي تراكم فيها فشل الدبلوماسية الأمريكية، واضطر الرئيس لتغيير مبعوثه الخاص للمنطقة أكثر من مرة.
أين تتفق وتختلف مع رؤية ترامب؟
رؤية ترامب للشرق الأوسط في استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 كانت تختلف عن استراتيجية أوباما، من حيث تركيز أولوياتها. أوباما حدد محاور استراتيجيته للشرق الأوسط في محاربة الإرهاب، وضمان أمن الطاقة، وسلامة الممرات البحرية، وأمن إسرائيل. أما ترامب فإنه ركز استراتيجيته على «ألا تكون المنطقة حاضنة للإرهاب، أو خاضعة لسيطرة أي قوة معادية لأمريكا»، وأن «تسهم في تحقيق استقرار سوق الطاقة». ترامب لم يتحدث عن أشياء لا تعنيه، مثل الديمقراطية، كما إنه عندما أشار إلى «الإصلاح»، فإنه قال إنه سيشجع «الإصلاح التدريجي وقتما كان ذلك ممكنا»، وجعل شعار «أمريكا أولا» قبل كل ما عداه من الأولويات، بصيغة صريحة ومكشوفة، لا تقبل الشك، ترجمت نفسها في عقود السلاح غير المسبوقة التي حصل عليها لفائدة الشركات الأمريكية. ترامب جعل أمريكا عدوا للعالم بشكل صريح.
استراتيجية الأمن القومي في دولة ديمقراطية تعبر أساسا عن مصالحها الدائمة وكيفية إدارتها، ويجب أن لا تخضع لاعتبارات انتخابية
الاستراتيجية والدورة الانتخابية
استراتيجية الأمن القومي في دولة ديمقراطية تعبر أساسا عن مصالحها الدائمة وكيفية إدارتها، ويجب أن لا تخضع لاعتبارات انتخابية، لأن المصالح الجيوسياسية الأساسية للدول الديمقراطية لا تتغير بتغير الرؤساء. ويجب أن تسهم في إعدادها مؤسسات خبرة مستقلة غير حزبية، إلى جانب الإدارة والكونغرس والأحزاب، وألا تتغير مع كل إدارة، إلا من حيث إعادة ترتيب الأولويات أو تغيير أساليب التنفيذ، إذا لزم الأمر. لقد أعلنت إدارة بايدن استراتيجية الأمن القومي الجديدة قبل ثلاثة أسابيع من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهو ما يترك الانطباع بأن الاستراتيجية تخضع لمزايدات انتخابية أكثر مما تستجيب للمصالح الدائمة للولايات المتحدة.
العالم يتغير وحقائق جديدة تولد
العالم يتغير، هذه حقيقة لا تقبل الجدل؛ فالتغير هو الذي يصنع الحياة. ولن يبقى شيء على حاله للأبد. ومع ذلك فإن الفكر السياسي للبيت الأبيض منذ نهاية الحرب الباردة، ما زال مغرما بالطابع «الثنائي» للصراع في العالم. خلال الحرب الباردة انقسم العالم إلى عالمين، بين نظامين متناقضين، هما «الشيوعية الشمولية» و»الرأسمالية الليبرالية»، واستمر كذلك حتى انتهت الحرب، لكن استراتيجية الأمن القومي الجديدة وإن كانت تعترف بذلك، فإنها تثير حربا باردة جديدة، يمكن أن تقود إلى كارثة نووية بطريق «الاستفزاز» أو «الخطأ»، دفاعا عن نظام «أحادي القطبية»، وهو ما يمثل محاولة من أمريكا لاختطاف النظام العالمي ووضعه تحت سيطرتها المنفردة، من دون أدنى مسؤولية عن خطورة تداعيات ذلك. ومن الضروري أن نبين أن الاستراتيجية الجديدة تتجاهل أربع حقائق جوهرية في عالم اليوم: الحقيقة الأولى، محور القوة في العالم ينتقل شرقا إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا وروسيا والشرق الأوسط، بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات جيوستراتيجية. الحقيقة الثانية، الهوية الأوروبية المستقلة تكتسب يوما بعد يوم زخما وقوة دفع أكبر؛ فقد نشأت منطقة نقدية عالمية جديدة للعملة الأوروبية، قللت من نفوذ الدولار. وتسير أوروبا منذ أكثر من عقد من الزمان في اتجاه زيادة قوتها العسكرية، وممارسة دبلوماسية عالمية مستقلة رغم الضغوط الأمريكية. الحقيقة الثالثة، استقبل العالم بالفعل قوى سياسية واقتصادية جديدة، تسعى لأن تلعب دورا أكبر على المستوى العالمي، أهمها تركيا والهند وإيران والسعودية وجنوب افريقيا والبرازيل، بعضها انضم إلى «مجموعة العشرين»، أو أنشأ هياكل جديدة للتعاون المتبادل مثل مجموعة «بريكس». التغير على المسرح العالمي يغير طبيعة العلاقات بين اللاعبين الرئيسيين من ناحيتين: الأولى، أن العلاقات الدولية تكتسب بمرور الوقت طبيعة «تنافسية» سلمية، وليست «عدائية»، على الرغم من غبار الحرب الأوكرانية، والاحتكاكات الأمريكية مع الصين في تايوان. الثانية إنها علاقات «شبكية» متعددة الأطراف من حيث الشكل، ومتنوعة المصالح من حيث المضمون، وليست «ثنائية» كما كانت خلال الحرب الباردة، ولا تتوافق أبدا مع نظام أحادي القطبية. أما الحقيقة الرابعة، فهي تأثير التغيرات التكنولوجية على علاقات التنافس والصراع في العالم، حيث يتنامى اتجاه القوى الصاعدة الجديدة لإنتاج أسلحة متقدمة تكنولوجيا رخيصة التكلفة، شديدة الفاعلية. على سبيل المثال، فإن زورقا صغيرا مزودا بالصواريخ، يتكلف بضعة آلاف من الدولارات بإمكانه إعطاب وتعطيل حاملة طائرات ضخمة، تكلفت بما تحمل على سطحها من أسلحة ومهارات بشرية ما يتجاوز مليارات من الدولارات. كما أن مسيرة جوية انتحارية تتكلف عدة مئات من الدولارات، يمكنها اختراق أكثر أنظمة الدفاع الجوي تقدما، والوصول إلى هدفها. نحن في عصر يبشر بأن التكنولوجيا ستسهم في ظهور وانتشار يمكن أن نطلق عليه «أسلحة الفقراء»، التي بإمكانها أن تؤدي الأغراض المطلوبة بتكلفة أقل. ويكفي أن نرصد تأثير طائرات «الدرونز» التركية والإيرانية في الحرب الأوكرانية، حتى نتأكد من ذلك. العالم يتغير ويخلق حقائق جديدة يجب أن تتفاعل وتتكيف معها أمريكا لا أن تصطدم بها. يقول هنري كيسنجر في كتابه الأخير، «القيادة…»: «إن الحقائق تفرض على أي أمة، مهما كانت قوتها، أن تتكيف مع قدرات وأهداف جيرانها ومنافسيها».
كاتب مصري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . عندما نتكلم عن أمريكا يجب الاعتراف أولا أمريكا تعودت على شيء واحد في السياسة الخارجية وهي لا تريد شركاء ولكن تريد تابعين لها ولا تضع في حسابتها الا مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية فقط لا غير ولا تترك مساحة للشريك ان يحصل على منافع اقتصادية وامنية على العكس تريده تابع فقير يتسول منها كل شيء من الامن والاقتصاد والسياسة لعدم اعترافها به ك شريك وهي تريد الظهور بمظهر السخي الكريم وسبعون في % من مشاكل العالم الهيمنة الامريكية هي السبب المباشر في ما يحصل ولا اريد ذكر الكثير ويكفي ما نحن فيه من خراب وتدمير في عالمنا العربي وتم زرع كيان غاصب في قلب عالمنا العربي وحمايته وتمويله من كل شيء والوقوف بجواره في المحافل الدولية ولجوئنا المستمر الي أمريكا والوقوف على باب الكريم لكي يتعطف علينا بشيء من العدل ولاكن هي هات ان يحصل التابع او الشريك وهو ليس بشريك علي شيء وحرب أوكرانيا تعلم أمريكا من هو بوتين وتعلم أيضا ان هذه الحرب ستخرب اقتصاد العالم والغلاء سيكون نصيب الدول الفقيرة قبل الأغنياء وسيشمل تدمير بلد بالكامل وهي أوكرانيا ولكن يسقط الجميع في بير الحرمان والخراب واعيش انا ويذهب الجميع الى الجحيم وتحياتي للديمقراطية الجميلة .
نعم العالم يتغير. ينحو نحو نظام امبريالي براميلي تتزعمه روسيا وتسانده دول كارهة للصناديق ومخرجاتها في غفلة من شعوبها. إنه مشهد عالمي كئيب.
إفلاس امريكي جديد فتصريحات الإرهابي الانجيلي غير واقعية وهي قائمة على البلطجة وتجميل الإرهاب وقصف المدنيين بحروب امريكا وهذا لغسيل العقول وتعب الناس من ارهاب وحروب امريكا
تسقط تسقط تسقط أمريكا اللعينة الخبيثة التي قتلت الشعوب العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان و قبلها أفغانستان ?