على نغمات موسيقية من ظفار، استهل بها برنامج «الجانب الآخر» على قناة «الجزيرة 360» الذي تقدمه الصحافية علا الفارس، حلقته مع وزير الشؤون الخارجية السابق لسلطنة عُمان يوسف بن علوي إلا أن ذلك لم يعكس ما تشي به تلك الأنغام من الأريحية والتداعي والانبساط والبوح، ولم يحمل اللقاء ما كان مرتجى منه، إذ جاءت الحلقة مثخنة بالغموض ولم تبح بأسرار كان الأغلبية ينتظرونها.
يوسف بن علوي الوزير السابق المسؤول عن الشؤون الخارجية يصفه الكثير من منتقديه بأنه بالوزير المعطل والمعترض والمشاكس والعقبة التي لا يمكن تجاوزها، وعندما غادر وظيفته تنفس الكثير الصعداء، ولم يخفوا ارتياحهم من ابتعاده عن المشهد. شخصية استثنائية كشخصية يوسف بن علوي بالتأكيد لن يمر ذلك اللقاء مرور الكرام، فبمجرد ما انتهى بث الحلقة توالت الردود عليها، بين من وصفها بأنها لم تحمل جديدا، بينما اعتبرها البعض نصرا يضاف إلى السياسة العمانية، ومن ألقى اللوم على الصحافية في عدم تمكنها من انتزاع الكثير من الأوراق من يوسف بن علوي الذي ظل لآخر لحظة يحتفظ بأوراقه، لا أعتقد ذلك فهي المتمرسة التي التقت بالكثير من الشخصيات، واستطاعت أن تصنع لنفسها مكانة مرموقة في عالم الإعلام والصحافة. ويحسب للمذيعة أنها سلكت الكثير من الخطط والاستراتيجيات في مواجهة الضيف، ففي الكثير من الأوقات لجأت إلى تغيير الموقف وكأنها تعيد التموضع والانتشار لتعاود المباغتة من زاوية أخرى، فتتعمد سؤاله مرة عن العصا التي يحملها والتي يخبرنا بأنه اقتناها من قبرص، ومرة عن المزرعة، وأسلوب الزراعة والطقوس الصوفية، لعلها تفلح في جر الوزير إلى حيث هي ترغب. ومرة تستخدم معه سلاح المراوغة نفسه، فتراوغه وتصفه بأنه مراوغ.. ومراوغ جيد وممتاز ورجل كتوم جداً، يتقن المراوغة. ورغم الاستمتاع في محاورة شخصية ملهمة ليوسف بن علوي، إلا أنني أجزم بأنها كانت تشعر بثقل الوقت عليها، وكانت الدقائق تمر عليها بطيئة جداً وكان بودها بكل ما أوتيت من قوة أن تلقي بدلوها في تلك البئر العميقة، لعلها تحظى ولو بقطرة تروي بها عطش جمهورها.
يحسب للبرنامج نجاحه في تسليط الضوء على الجانب الآخر من يوسف بن علوي، إذ تحدث الرجل بصراحة وشفافية عن مولده وعائلته وأصولها ورحلته الأولى إلى مسقط في سفينة شراعية عبر المحيط، ومحطات كثيرة في حياته، ابتداء من الكويت وعمله مراسلاً في البداية، وفي بيروت ومحاولة اغتياله في شارع الحمرا، وكيف نجا من ذلك بالمراوغة والتمويه، وفي مصر عندما كان يعمل في الثورة مذيعاً والانفصال لاحقا، ثم العودة إلى عُمان كل تلك المعلومات التي قالها الرجل بشفافية ووضوح، تحسب له، ولعل أكثرها لم تعرف من قبل وعلى لسانه.
لم نتفاجأ كما لم يتفاجأ الكثيرين في ذلك، إذ أن ديدن ابن علوي الكتمان وعدم البوح، وكأنه ظل وفياً لما يعتقده، وما كان مسلكه طوال الأربعة عقود التي قضاها في مبنى الخارجية الُعمانية لما يعتقده صوابا، رغم أن الرجل كما هو معروف عنه، صريح وحكيم وشجاع وجريء، ويوصف غالبا بثعلب السياسة العمانية وحكيمها، وهو في الحقيقة شخصية استثنائية بالفعل، لكنك مهما اقتربت من الرجل فإنك لن تعرفه، كما قال أحد زملائه الذي عمل معه لأربعين سنة.
شخصيا لا أعرف يوسف بن علوي لكنني التقيت به في مؤتمر كنت ضمن الوفد الذي ترأس ختامه، ورأيته عن قرب. ما أتذكره خلال مشاركاتي في الكثير من اللقاءات على مستوى مجلس التعاون، ولدي صداقات مع الكثيرين، وعندما يدور الحديث عن السياسة الخليجية والاجتماعات، يحضر بقوة يوسف بن علوي وغالبا ما يجمع المتحدثون على أن هذا الرجل يختلف تماماً عما تراه على شاشات التلفزيون، فتلك الملامح الهادئة والبسيطة التي تشي عن تواضع وبساطة يختلف تماما في الاجتماعات، فيتحول إلى محارب شرس وعنيد وصعب المراس، ومعادلة صعبة لا يمكن تجاوزها أو تجاهل ما يقوله ويعبر عنه، شخصية مهيبة وكاريزمية يوضع له الكثير من الحسابات.
إذا كان يعاب على الرجل أنه كتوم ولا يبوح، وربما لن تنجح مهما حاولت الاقتراب منه فإنك لن تفلح في انتزاع سر منه هو لا يريد البوح به، لكن ذلك الكتمان قد يكون ميزة وسياسة بحد ذاتها، فعدم البوح والاحتفاظ بالأوراق لا تخص بن علوي فقط ولا يتفرد بها عن غيره من المسؤولين العُمانيين، الكتمان نهج عُماني وصناعة عُمانية بامتياز، وأرث عُماني لا يحاد عنه مهما طال الزمن وتغير الأشخاص، ومهما قيل عن الشفافية والوضوح فإن ترجمة ذلك له خصوصية في النهج العُماني.
لكن الرجل وبكل أمانة حاضر وبقوة ولا تفوته شاردة ولا واردة، إلا وقال كلمته وعندما يحين الوقت يتحول ذلك الصمت إلى عاصفة، حيث لا يتردد أبداً عن رفع الصوت عالياً إذا ما شعر ولو بهمسة تثيره، نتذكر كلنا كيف كان رده في منتدى البحرين للأمن في عام 2013 عندما طرح موضوع الاتحاد الخليجي، لم يتردد أبداً في معارضة ذلك وصرح بأعلى صوت أننا لسنا ضد الاتحاد ولكننا لن نكون جزءا منه».
تحار بعض المرات في بعض الشخصيات وكأنهم يملكون ملكات تمكنهم من رؤية أشياء ليست في المنظور القريب، فالرجل قارئ جيد لأحداث العالم ومستشرف للمستقبل، مكنته خبرته الطويلة في ذلك، لكن بالطبع ليس كل التنبؤات تصدق وإلا قيل إن الرجل مكشوف عنه الغطاء، لكن وجهة نظرة غالباً من تصدق، خصوصا ونحن نعيش الكثير من التحولات المتسارعة في عالمنا العربي والتبديلات والاصطفاف.
نتفهم جيداً ذلك التحفظ والسكوت الذي أبداه بن علوي، وتلك رغبته وليس لنا إلا أن نحترمها، لكن في المقابل بن علوي شخصية عامة وموظف عمومي، ليس بسيطا ومن حق الناس أن تعرف الكثير وما يحمله من أسرار وعلم ودراسات ليست ملكه وحده، ولولا منصبه ما استطاع أن يضطلع بتلك الامتيازات، ومن حق الناس أن يعرفوا، نتفق معه في أن ليس كل شيء يمكن البوح به وفك سره وقد يدخل في عمق السيادة الوطنية، أو قد يسبب إحراجا لشخصيات ودول، إلا أن هناك الكثير الذي لا يندرج وصفه تحت هذا البند، والتجارب الدولية كثيرة في ذلك. كيف لا وهو الماسك مفاصل السياسة العمانية زهاء أربعة عقود وخلال هذه الفترة شهدت السلطنة الكثير من الأحداث المفصلية التي غيرت وجهه البلاد وكذلك العالم العربي والعالم أجمع. يوصف الرجل بأنه ظل السلطان قابوس، رحمه الله، ومترجم لأفكاره ولاعب رئيسي في الأحداث، فمن عضويته في ثورة ظفار إلى مشاركته في رسم السياسة العُمانية والوساطات التي يقوم بها إلى مفاوضات البرنامج النووي الإيراني في مسقط، وعملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ووجهة نظره في ذلك، إلى قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربي وموقفه من الأزمات والحروب العربية، إلى الربيع العربي وكيف يراه، إلى الاحداث التي شهدتها البلاد في عام 2011، وعلاقاته مع الرؤساء والملوك، إلى وصفه أن مشاكل العرب في التعليم القائم على التقديس، كل تلك المحطات بالتأكيد الرجل يملك الكثير من المعلومات والأسرار عنها. ولا أحد ينكر أبد أنه يحمل الكثير من الحكايات والأسرار والروايات التي دارت في الغرف المغلقة. ربما لا نلوم بن علوي في ذلك إذ لا يوجد تقليد ولا إرث يستطيع من خلاله أن يقول، أو ربما القوانين تلزم الموظف أيا كان منصبة أن يظل صامتا كتوما، وأن لا يبوح بشيء وإن غادر وظيفته، أو لربما ذلك يعتبر من الأسرار الوظيفية والسيادية للبلد.
بين من يعتقد أن بن علوي وهو الداهية يبدو أنه قد قرأ عنوان البرنامج «الجانب الآخر « وتيقن تماما بأن ليس لديه جانب آخر. لم يأتِ بشيء جديد وكل ما قاله معروف ومطلع عليه، وبين من يقول إن الرجل وصل حقيقة إلى قناعة بأن ليس من الحكمة أن تلقي حجرا على وضع ملتبس ومشتعل في الأساس، وإن السياسة ما هي إلا لعبة دولية بلا أخلاق، وما دام هو بعيداً عنها فإنه يفضل الابتعاد والنأي بالنفس بعيداً.
كان بودي وود الكثيرين أن يكون بن علوي أكثر شفافية، وأن يبوح بتلك الأسرار التي لن تظل بالتأكيد طي الكتمان للأبد، وسيأتي من يفك طلاسمها ويزيل شمعها الأحمر. أجيال كثيرة تود أن تعلم عن مرحلة مهمة جدا من عمر البلاد وعن شخصيات ساهمت وصنعت تاريخ البلاد وحاضرها، رحل الكثيرون وحملوا معهم أسرارا وحكايات، وسيرحل غيرهم وتلك سنة الكون دون أن يماط اللثام عن تلك المرحلة التي يعتبرونها أسرار ويعتبرها الكثيرون مهمة جداً في سياق حياة الأمم والشعوب والدول.
اللقاء تم في يوليو/تموز عام 2023، ومن ذلك التأريخ إلى موعد بث الحلقة جرى الكثير من المياه وحدث الكثير من الحوادث المزلزلة في عالمنا العربي والعالم، وربما كان ليوسف بن علوي رأي فيها استطاع أن يجلي الكثير من الغموض في ما جرى.
بكثير من الأريحية والبساطة أجاد البرنامج في إبراز مدينة صلالة، وفي تصوير منزل بن علوي الشبيه بالتحفة الجميلة ولقطات سريعة عما يشغل به بن علوي يومه .
كاتب من عُمان
على الهامش..
.
الصورة توثق الى شغف احبتنا في الخليج الى اجواء رياضات مدن المغرب العتيقة.. وقصورها..
التي كانت انطلاقة معمار الاندلس.. حيث نرى زخرف الزليج المغربي الاصيل الدي
يتم تصميمه وتشييده من حرفيين مغاربة يستقدمون من المغرب الى دول الخليج العزيزة.. والى العالم.
.
شهادة احد الكبار من الخليج:
.
قبل اسابيع.ز قال الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إن الأندلس هي وليدة المغرب في أولها وفي آخرها، وحتى ولو اختفت الأندلس فقد عوضنا الله بالمغرب التي حفظت التراث الأندلسي”.
وأضاف، خلال كلمة له حفل عشاء بمناسبة الاحتفاء بالمملكة المغربية ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب في الشارقة أنه من الذين يشاهدون كيف تتهافت الدول على المغرب لتوقيع الاتفاقيات معها، ذاكراً سموه رغبته في أن يكون له مكان في ثقافة المغرب، ليس متفرجاً أو مستغلاً بل مساعد أبناء المغرب من الباحثين في المجال التراثي والثقافي.
.
الف مرحبا بكم في المغرب.. من اين انطلقت رواية الاندلس..
تحبة طيبة يا ابن الوليد .لقد فتحت المقال عندما رايت الزليج المغربي فإذا بي أجد غرابة بين المكان والأشخاص والحدث ثم وجدت تعليقك وقد وفيت فشكرا لك
شكرا لك.. 🙏