من عُمان إلى مصر: يوليو نهضة وثورة

حجم الخط
0

قبل أيام حلت ذكرى 23 يوليو، الشهر الذي يحتفل به في سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية. شهر يوليو لم يكن شهراً عادياً في حياة الشعبين العُماني والمصري، يطلق على 23 يوليو 1970 في عُمان يوم النهضة، وهو اليوم الذي تولى فيه السلطان قابوس السلطة في عُمان، خلفاً لوالده السلطان الراحل سعيد بن تيمور طيب الله ثراهم جميعاً.
وفي 23 يوليو 1952 هو اليوم الذي قام فيه تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر في مصر بالثورة، حسبما وصف عميد الأدب العربي طه حسين الذي أطلق وصف « الثورة» على الحركة التي قام به الضباط الأحرار بعدما كانت تسمى الحركة المباركة.
ما بين يوليو العُماني ويوليو المصري فضاءات مختلفة وحكايات ومحطات فارقة ومفصلية في تاريخ الشعبين، رغم اختلاف السنين وتباعد المسافات، مثّل يوليو انبعاث أمة في كلا البلدين، بالنظر إلى عمق هاتين الحركتين، أو الثورتين، أو التغيرين في كلا البلدين على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، تغيرت فيهما رؤى، حيث استقبل الشعبان في عمان وفي مصر التغير بالتأييد والدعم وخرج جميع فئاته معبرين عن فرحتهم وسرورهم. الوضع في عُمان قبل التغير لخصه السلطان قابوس في البيان التاريخي الأول الذي ألقاه بصفته سلطانا بعد أن تولى زمام الأمور بقوله «كان بالأمس ظلام، ولكن بعون الله غدا سيشرق الفجر على مسقط وعُمان وعلى أهلها».
كان الوضع حقاً ظلاما بل ظلاما دامسا لا ينفذ منه بصيص ضوء، قيل الكثير عنه من قبل الناس الذين عاشوا في تلك الفترة، كانت البلاد بالإضافة إلى الفقر والعوز مكبلة بالعديد من القوانين والأنظمة والأوامر غير الضرورية، التي يرزح الشعب والبلاد تحت وطأتها (منع البناء بالمواد الثابتة، منع التجوال والحركة في البلاد بدءا من وقت الغروب، منع لبس النظارات الشمسية، منع السفر، واستخراج الجوازات يتم بصعوبة بالغة) هذه الأنظمة التي أرهقت البلاد والعباد كانت سبباً في هجرة العديد منهم، وقاد السلطان نهضة شاملة غيرت عُمان تغييراً جذرياً، فكانت بحق نهضة شاملة أنهضت عُمان من كبوتها. قامت فلسفة التغيير التي قادها، على إسعاد الشعب، استعادة ماضي عمان وشهرتها وقوتها ومكانتها المرموقة. لا حاجة إلى القول بأن الوضع في عُمان كان في أسوأ حالاته من كل النواحي، وكان المواطن يعيش فقراً وعوزاً، ما اضطر أغلب أبناء البلاد إلى الهجرة للخارج والبحث عن لقمة العيش في أصقاع مختلفة، خصوصا دول الخليج التي استوعبت أعدادا هائلة من العمانيين، ليس المواطن فقط ولكن البلاد كلها كان ينخرها العوز والفقر وتعيش في عزلة مقيتة، لا شيء يلوح في الأفق بل الانسداد والانغلاق، لا حياة سياسية أو اقتصادية ولا حياة اجتماعية، علاوة على انقسام البلاد بين إقليمين عُمان الداخل من جهة ومسقط والسواحل من جهة أخرى. بالإضافة إلى قلة الموارد إذ لم يكن البترول قد تم اكتشافه بعد، ناهيك عن قلة الموارد والإيرادات العائدة من التجارة والموانئ، لا شيء يذكر بالمرة. لذلك كانت مهمة السلطان قابوس مهمة شاقة وصعبة، لكنه في ظرفية وجيزة تحدى فيها الصعاب وتجاوز العراقيل اشتغل فيها بعزم ومثابرة نجح في نقل عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة المتحضرة، وبالفعل كما أرادها أن تكون أخرجها من عزلتها وأعاد لها ماضيها التليد وشهرتها ليس ذلك فقط، بل تجاوزها وأصبحت فيها عُمان معادلة لا يمكن تخطيها في صناعة السلم والاستقرار على المستوى العالمي. وأعاد لعُمان ألقها الحضاري. وسيذكر التاريخ أن السلطان قابوس أحد الزعماء العظام وبمنجزاته ضد الجهل والتخلف والفقر. على الرغم من بعض الإخفاقات التي كان لا بد منها لتستمر المسيرة، ولكن النظر إلى الجانب الممتلئ من الكأس هو الأهم. وبينما مسيرة النهضة مستمرة وتتجدد بعطاءتها رغم بعض الصعوبات والاخفاقات، لكن ما يسجل لهذه المسيرة والنهضة هو استيعابها الكثير من التغيرات والتطورات التي تمر على المنطقة والعالم وسرعة التموضع معها.

ما بين يوليو العُماني ويوليو المصري فضاءات مختلفة وحكايات ومحطات فارقة ومفصلية في تاريخ الشعبين، رغم اختلاف السنين وتباعد المسافات

الوضع في مصر قبل ثورة الضباط الأحرار كان مختلفا تماماً. كانت هناك حياة برلمانية ودستور (دستور 1923) وسلطة سياسية تتمثل في الملك فاروق ومجلس وزراء ووزراء وبرلمان ودولة حديثة، جيش وشرطة وجمعيات وأحزاب سياسية، وجمعيات مدنية. قامت الثورة لأسباب عدة طبعاً، وحسبما جاء في بيان الثورة الذي ألقاه (الرئيس لاحقا) أنور السادات يكمن في هزيمة الجيش المصري في حرب 1948، التي أدت الى احتلال فلسطين، بسبب انتشار الفساد والرشوة وعدم الاستقرار في الحكم، الذي قاد الجيش المصري إلى الهزيمة ورغبة في محاربة الفساد والخونة.
قامت الثورة أساساً على تحقيق عدد من المبادئ وهي القضاء على الاستعمار والإقطاع والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة جيش وطني قوي، عدالة اجتماعية وحياة ديمقراطية سليمة. مما لا شك فيه أن الثورة حققت أيضاً العديد من الإنجازات على الصعيد الوطني المصري أو الصعيد العربي والعالمي، فعلى الصعيد المصري، تم تأميم قناة السويس، وإلغاء النظام الملكي وقيام نظام جمهوري، توقيع اتفاقية الجلاء بعد أربعة وسبعين عاما من الاحتلال، بناء حركة قومية عربية للعمل على تحرير فلسطين، إلغاء دستور 1923. وساهمت الثورة على تحقيق منجزات في المجال الثقافي يتمثل ذلك في إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة، والعديد من المراكز الثقافية، وشهدت مصر في تلك الفترة ازدهاراً في الفنون، حيث تم إنشاء أكاديمية الفنون الجميلة والمعاهد والمسارح ودور السينما والبالية والأوبرا والموسيقى والتمثيل، ورعاية الآثار، والبحث العلمي والتطوير في المجال الصحي والمستشفيات، وإصدار قوانين كقانون الإصلاح الزراعي، وقانون الملكية، ومن أهم تلك المنجزات هو إنشاء السد العالي في عام 1956.
عربيا، دعم حركات التحرر في الدول العربية وترسيخ القومية العربية ودعمت الشعوب العربية في نضالها من أجل الحرية والاستقلال. عالميا تشكيل حركة عدم الانحياز ومساندة الشعوب الافريقية في النضال والاستقلال. ثورة يوليو في مصر لا تزال مثار الجدل، ولا تزال تثير الكثير من النقد والاختلاف حولها بين مؤيد ومعارض، وقد وصل البعض بتحميلها كل بلاوي وإخفاقات العالم العربي وكوارثه، التي لا يزال يرزح تحت وطأتها، طبعاً كانت هناك إخفاقات في مسيرة الثورة منها على سبيل المثال هزيمة 1967 وضياع أجزاء واسعة من الأراضي العربية، ما كان سبباً في انحدار الخطاب القومي العربي، وتشتت الدول العربية من دون زعامة، عدم بناء مؤسسات ديمقراطية ونظام برلماني حقيقي وأحزاب سياسية، مصادرة الحريات وبروز الديكتاتوريات على المستوى العربي. لكن كل ذلك الجدل والنقاش والنقد أليس دليلاً على بقاء تلك الثورة مشتعلة جذوتها وتأثيرها وارتداداتها على الوطن العربي.
كاتب عماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية