أحابيل المنافقين ودمامل الجزيرة العربية

هل يستقيم تلمس آثار المخالب المافيوية الروسية، ورمزها المكثف بشخص رئيسها، بين خبايا الدمامل المتقرحة التي أفصحت عن نفسها، في حالة العداوة الثأرية المستجدة وغير المتوقعة مع قطر، الجزيرة العربية الصغيرة؟
سؤال يطرح نفسه بإلحاحية، قد يصعب تلمس مفاتيح الإجابة الحاسمة عليه بأدلة دامغة، من دون أن يعني ذلك عدم إمكانية الاستناد إلى أدوات الربط المنطقي بين الحقائق التي طالما حاولت وسائل الإعلام المتسيدة عربياً وغربياً التعتيم عليها، على طريقة سيد حكماء العرب أكثم بن صيفي في قوله المأثور «البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير».
وقد تكون أول الحقائق الواجبة الاستحضار هو أن سر التناحر العنيف بين السياستين الروسية والقطرية في سوريا أساساً متعلق بشكل جوهري بالمشروع القطري بمد «أنبوب الغاز القطري من حقولها الشمالية» مروراً بالأراضي السورية ثم التركية إلى أوروبا، وهو المشروع الذي رفضه بشار الأسد عام 2009، متعللاً بالتزامه بحماية مصالح حليفه الروسي، الذي هو في واقع الأمر المزود الأول للقارة الأوروبية لاحتياجاتها من الغاز الطبيعي، وهو ما قد يكون «الزناد القادح الذي دفع بكل الفرقاء للتحارب على الأرض السورية لاحقاً، بدماء السوريين أنفسهم» بحسب الصحافي نفيذ أحمد في صحيفة «الغارديان».
وفي ذلك السياق، يحضرنا تذكر التابع الأول للرئيس الروسي بوتين، الذي اختاره لتبادل الأدوار معه في موقع الرئاسة، في احتيال سمج على الدستور الروسي، على طريقة طغاة العالم الثالث، ونعني ديمتري ميدفيديف، الذي كان قبل توليه منصب رئاسة الوزراء في حكومة بوتين يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة غاز بروم الروسية، التي تورد أكثر من ثلث احتياجات القارة الأوروبية من الغاز الطبيعي، وتدير أكثر من ربع احتياطيات الغاز على المستوى الكوني، بما يشي بالعلاقة الوطيدة بين الرئيس الروسي، ومراكز صنع القرار في شركات الوقود الأحفوري الكبرى، التي طالما دعاها الصحافي جون بلايجر «حكّام العالم الجدد»؛ وهو ما تبدى بشكل عياني مشخص في فضائح أوراق بنما، وشركة موساك فونسيكا العالمية، التي عملت لتأسيس شركات خلبية بغرض غسيل الأموال للنخب السياسية على المستوى العالمي، التي كشفت حكاية الموسيقي سيرغي رولدوغين، الصديق الشخصي الحميم للرئيس الروسي بوتين، الذي كان يدير ثروة تجاوزت الملياري دولار في فرع مصرف شركة غاز بروم نفسها، في زيوريخ في سويسرا، التي لا يعتقد منطقياً بأن سيرغي رولدوغين قد تمكّن من جمعها من إبداعه الموسيقي في العزف على آلة التشيلو، في الأماسي الموسيقية الكلاسيكية في العاصمة موسكو، بينما معظم الموسيقيين الروس بالكاد يعيشون فوق مستوى الفقر.
وإذا انتقلنا في التفكر غرباً، وصولاً إلى واشنطن، لا يمكن لنا إلا تذكّر شخص وزير الخارجية الأمريكي ريك تيليرسون، الذي انتقاه ترامب لإدارة سياسته الخارجية، والذي كان قبل ذلك رئيساً لشركة إكسون موبيل كبرى شركات الوقود الأحفوري على المستوى الكوني، وكان هدفه الجوهري في منصبه ذلك، خلال سنوات حكم أوباما، العمل بكل طرائق العلاقات العامة، وعبر مجموعات الضغط السياسي والإعلامي، لأجل رفع العقوبات التي أصدرها ذلك الأخير عقب غزو القوات الروسية لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، وضمّها إلى الاتحاد الروسي عنوة، بهدف فتح الطريق لتفعيل اتفاق شركته إكسون موبيل مع شركة غاز بروم نفسها «لاستشكاف وضخ النفط في سيبيريا، وهو الاتفاق الذي دعاه المسؤولون الرسميون الروس اتفاق الـ500 مليار دولار» بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
ومن المرجح صدقية تسريبات شبكة CNNالأمريكية عن رأي محققي مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي بمسؤولية «قراصنة روس عن اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، ووضع بيانات وأخبار ملفقة على لسان السّاسة القطرييين» التي اتُخِذت كسبب ظاهري للمناخ القيحي في علاقة دول مجلس التعاون الخليجي مع أبناء عمومتهم القطريين. وهم القراصنة الروس الذي رآهم بوتين في سياق توصيفه للقراصنة الإلكترونيين، الذين ساهموا فعلياً في حرف الرأي العام قبيل الانتخابات الأمريكية الأخيرة لصالح دونالد ترامب بأنهم «وطنيون مبدعون كالفنانيين والرسامين».
وتطلّ في مخيلة كل مراقب عربي حصيف تفتقات ترامب الهوجاء، سواء «باستعداد إدارته للتوسط لحل الأزمة بين قطر والمملكة العربية السعودية»، أو باعتقاده بصوابية «حصار قطر»، أو بموافقته عقب انبثاق الأزمة نفسها عن موافقة إدارته على تزويد قطر «بمقاتلات حربية بتكلفة ستتجاوز 21 مليار دولار أمريكي»، كاستنساخ مجهري عن الصفقات التي وقعها في المملكة العربية السعودية مؤخراً، والتي ستبلغ قيمتها «أكثر من 300 مليار دولار خلال عقد من الزمان» بحسب تصريحات مسؤولي إدارة ترامب أنفسهم لصحيفة «الغارديان»، وهو مبلغ يتجاوز أكثر من 60% من كل المتبقي من احتياطيات المملكة النقدية بحسب بيانات صندوق النقد الدولي المعلنة للملأ.
لا يستطيع أي عربي إلّا التحسر المرير على الملك العضود الذي ضيعه العرب في الأندلس، والذي تجلى بشكل عيني مشخص في تراجيديا انبطاح ملوك الطوائف لملوك الفرنجة، وتحالفهم معهم للنيل من أبناء عمومتهم من العرب والمسلمين في الأندلس، وعدم تحرجهم من دفع الجزية لهم، كما كان يفعل حاكم إشبيلية المعتمد بن عباد لألفونسو السادس ملك قشتالة. وهو التاريخ يعيد نفسه بشكل أكثر مكراً وإيلاماً باستعارة التوصيف الهيغلي لصيرورة ديالكتيك التاريخ. ولأنه ليس بين المستبدين بحيوات المقهورين العرب مثل يوسف بن تاشفين ملك المرابطين في المغرب العربي، ليصهر أمراء الطوائف المستحدثين في بوتقتهم الطبيعية الواحدة، فهل لم يعد من خيار للعرب سوى الانغماس في حضيض المهزلة السوداوية لتاريخ العرب المعاصر، وانتظار عنصر غوغائي شعبوي منافق مثل دونالد ترامب ليقوم بذلك الدور، بالتعاضد مافيوياً مع مخالب وأحابيل طاغية حداثي مثل فلاديمير بوتين؟
كاتب سوري

أحابيل المنافقين ودمامل الجزيرة العربية

د. مصعب قاسم عزاوي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نبيل ابو ريحان المانيا:

    مقال مهم و في وقته! كلهم عصابة واحدة على العرب من يوم ضحكوا على الشريف حسين في الحرب العالمية الاولى، مرورا بالنكبة، و النكسة، حرب لبنان الاهلية، و غزو الكويت، و تدمير العراق، حتى ايام الربيع العربي الموؤد

  2. يقول Passer-by:

    قبل يوم أو يومين زار ابن سلمان بوتين في منتجع سوتشي وبعدها انتشر خبر الإختراقات للمواقع الألكترونية القطرية وبعدها التلفيقات وصولاً إلى إعلان المقاطعة الشاملة، هل ُطبخ هذا بين ترامب وصديقيه بوتين ابن سلمان؟!

  3. يقول سمير الخليلي:

    شكرا د مصعب. تحليل ممتاز. اعتقد ان نظرية المؤامرة و الحكومة العالمية فيها بعض الشطط ولكن الوقائع تشي دائما بصحتها.

اشترك في قائمتنا البريدية