إذا كنت في المغرب فلا تستغرب: وزير التعليم لا يتحدث اللغة العربية

حجم الخط
28

«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، مثل شعبي يردده المغاربة عندما يتفاجأون بحدث سياسي أو اجتماعي، وإن كانت المفاجآت في هذا البلد لا تعكس واقع ومدلول الكلمة بسبب كثرتها. وهذه المرة يتعلق الأمر بوزير التعليم والتربية رشيد بلمختار، الذي يجهل الحديث باللغة العربية ويستهزئ بالنواب في البرلمان عندما يسألونه عن التردي المسجل في هذا القطاع الحساس والاستراتيجي لكل الأمم التي ترمي إلى الرقي والتقدم.
خلال الأسبوع الماضي، سجل البرلمان، غرفة الشيوخ، حادثا سيبقى من ضمن الجلسات الأكثر سلبية في تاريخه. فقد تقدمت نائبة من غرفة الشيوخ، يسميه المغاربة مجلس المستشارين على عادتهم لتسجيل استثناء في كل شيء حتى في الأسماء، مقارنة مع الباقي، بسؤال عن الإجراءات التي اتخذها الوزير في قطاع التعليم، وتثير ضجة وقلقا في الأوساط الاجتماعية والسياسية المغربية.
فما كان من الوزير سوى التصرف بطريقة غريبة، وهي السخرية من السؤال وسط البرلمان وأمام الكاميرا التي كانت تنقل الجلسة، نعم البرلمان الذي يفترض أنه يمثل سيادة الشعب، رغم الشكوك حول نتائج الانتخابات. وبينما النائبة تعرب عن أسفها وقلقها على قطاع التعليم، الذي من ضمن مشاكله اكتظاط يتجاوز الـ60 تلميذا في الفصل الواحد، استمر الوزير في اللعب بهاتفه وتبادل حديث ساخر مع وزير آخر كان بجانبه. ويسجل المشهد السياسي والاجتماعي احتجاجات ضد الوزير، تتزامن مع إضرابات متواصلة لموظفي التعليم وللتلاميذ والطلبة في مختلف مدن البلاد. والجميع يتساءل: هل يمكن لوزير يتولى تسيير قطاع حساس، السخرية من نواب يعربون عن قلقهم على قطاع قد يكون أهم قطاع في أي دولة لأنه أساس التقدم؟
توالت الردود من طرف الشعب إلا من طرف الطبقة الحاكمة، المؤسسة الملكية والحكومة. ولقد كان تصريح الصحافي المخضرم خالد الجامعي بليغا في هذا الشأن في حوار مع الجريدة الرقمية «بديل» نشرته ليلة الأحد، يقول»إذا كان الوزير يدعي أن الملك هو من عينه، فالملك عليه تربية هذا الوزير، لأن ما قام به هو سلوك ضد التعليم وضد والبرلمان والدستور المغربي». وإذا كان الملك قد اعترف بالتدهور في قطاع التعليم، خلال خطاب له في شهر أغسطس الماضي، أليس مطالبا من باب المنطق ومن باب احترام الشعب إقالة وزير لا يحترم البرلمان ولا يبدي قلقا، حسب تصرفه، قلقا تجاه القطاع الذي يسيره؟
لكن غرائب قطاع التعليم في المغرب، ومنها هذا الوزير، لا تقف عند هذا الحد، بل تتعداه إلى تسجيل ربما أغرب حالة في تاريخ التعليم في العالم، باستثناء ما حصل إبان مراحل الاستعمار. ففي برنامج في القناة الفرنسية 24 في نسختها بالعربية، طلبت صحافية من الوزير تصريحا باللغة العربية حول واقع التعليم في البلاد، فكان جوابه «لا أتحدث باللغة العربية» وأراد الجواب بالفرنسية.
حادث يحل مفارقة عميقة، فوسيلة إعلام فرنسية تريد التحدث مع وزير التعليم المغربي بالعربية، ويكون الجواب هو عجز هذا الوزير عن التحدث بلغة تعتبر رسمية وفق الدستور المغربي، ويتحدثها أغلب المغاربة رفقة الأمازيغية.
موقف الوزير دفعني إلى القيام بجولات طويلة في شبكة الإنترنت بحثا عن وزراء التعليم في العالم، ووجدث الجميع يتحدث باللغة الرسمية ولغة الشعب والوطن باستثناء وزير التعليم المغربي، الذي يستحق الدخول الى كتاب غينتس، لكنه يجب أن يكون خاصا بالأرقام القياسية الشاذة التي لا تتماشى والمنطق، فالوزير لم يحطم أي رقم قياسي في التفوق والنجاح، بقدر ما يساهم في تدهور قطاع التعليم في البلاد. وكان الائتلاف من أجل اللغة العربية قد طالب بإقالة هذا الوزير لحالته الغريبة بعدم التحدث باللغة العربية التي هي لغة التعليم. وقد نجد مبررا لو كان الوزير نابغة في تسيير قطاع التعليم، فقد سبق أن أشرف في الماضي على القطاع نفسه وتولى تسيير جامعة الأخوين ذات الإمكانيات الهائلة، فلا القطاع سجل تقدما من قبل، ولا الجامعة ارتقت إلى مصاف الألف جامعة الأولى في الترتيب حتى لا نقول المئة. ولهذا، لم يتفاجأ الرأي العام المغربي بإقدام هذا الوزير منذ عشرة أيام على تغيير تلقين المواد العلمية والتقنية في الثانويات إلى اللغة الفرنسية، بدل اللغة العربية. قرار اتخذه بدون العودة الى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، فوزير التعليم يدخل في خانة ما يسمى «وزراء السيادة» في المغرب، وهو تعبير سياسي للوزراء الذين يعينهم الملك مباشرة.
ومن أبرز الانتقادات التي يتم توجيهها إلى القرار هو أنه يأتي بعد حملة قوية ضد فرنسا خلال السنة الماضية وحتى بداية الجارية. واتهمت الدولة المغربية باريس بأنها ترغب في ترك المغرب تحت حمايتها وسيطرتها الثقافية والسياسية، والآن تقدم الدولة نفسها على فرنسة المواد العلمية بدون قرار حكومي أو برلماني.
كل هذا يأتي في وقت كانت الدولة المغربية تتبنى مطالب بتعليم هذه المواد ولو تدريجيا باللغة الانكليزية بحكم أن معظم العلوم في العالم تنتج وتحرر بهذه اللغة، التي أصبجت لغة العلم بدل الفرنسية التي تتقلص. وبدورهم يفكر الفرنسيون في تلقين العلوم بالإنكليزية، لكن في آخر المطاف «الدولة العميقة التي كانت تنتقد فرنسا تعود إلى أحضانها».
«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، لا يردد المغاربة هذا المثل الشعبي لإيقاعه الموسيقي، بل لأنه يعكس الواقع، لكنه واقع مر.

٭ كاتب مغربي

د. حسين مجدوبي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان رائع يا د. حسين مجدوبي لخص إشكالية دولة الحداثة للنظام البيروقراطي، مع اللغة المعتمدة في دستور الدولة، وسبب الإشكالية هو الدولة العميقة أو المخزن يرفض احترام اللغة إن كان في المملكة المغربية أو في باكستان التي دستورها اعتمد لغة القرآن كلغة رسمية للدولة منذ منتصف القرن الماضي تقريبا، فلغة القرآن بدون القرآن لا يمكن بناء مناهج تعليمها، العلماني والليبرالي يرفض ذلك بحجة فصل الدين عن الدولة والمجتمع عن السياسة، ولذلك تجد واقع الحال في عام 2015 هو أن الإنجليزية والأردو هو ما يتم استخدامه في وسائل إعلام الناطقة والمرئية أو السمعية والبصرية في الباكستان والفرنسية والدارجة هو ما تستخدمه وسائل إعلام الناطقة والمرئية أو السمعية والبصرية في المملكة المغربية.

    أظن إشكالية الدولة العميقة في النظام البيروقراطي لدولة الحداثة أوضحها العنوان الرئيس لجريدة القدس العربي في الصفحة الأولى (المخابرات الأوربية تطلب من دول المغرب مراقبة أبناء جالياتها، وتمنع تنظيمهم في أجهزتها خوفا من تحولهم إلى “طابور خامس” لبلدانهم الأصلية)، فمهوم المواطن الصالح في دولة الحداثة للنظام البيروقراطي وفق المفهوم الفرنسي هو المواطن الأكثر نفاقا لإرضاء والحصول على تصفيق الـ آخر له، بينما المفهوم الأمريكي هو المواطن الذي يحصل على أكبر قدر من التسهيلات البنكية/المصرفية لأنّه يسدد قروضه في مواعيدها، ومن هنا سبب إشكالية من يعتمد الأسرة أو ثقافة الـ نجن/اللغة/الحكمة كأساس في تفكيره مع هذا النظام الذي يعتمد ثقافة الـ أنا/الفكر/الفلسفة كأسلوب حياة.

    يتبع

  2. يقول S.S.Abdullah:

    حيث لكل لغة كيان، يختلف عن اللغة الأخرى، كما أن لكل حادث حديث، وكذلك لكل سياق معنى، أن يتم خلط الحابل بالنابل بين السياقات الثلاث، بالتأكيد تؤدي إلى ضبابية لغوية، فكيف لو اجتمعت مع فساد الترجمة إن لم يكن افسادها بسبب الجهل في الفرق ما بين تعابير وطريقة صياغة الجمل في لغة عن لغة أخرى، كما هو حاصل في النظام البيروقراطي لدولة الحداثة، التي نشرت مفهوم أن لا إبداع بدون هدم اللغة، ومن ثم إعادة البناء حسب رغبة ومشيئة النخب الحاكمة في الدولة، لأن بدون ذلك لا يمكن السيطرة على كيفية بناء الأجيال القادمة، لتحقق أهداف النظام على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ستؤدي بالتأكيد إلى موت اللغة.

    ومن هذه الزاوية نفهم تصرّف أتاتورك مع اللغة العثمانية في إلغاء استخدام الحرف العربي وإبداله بالحرف اللاتيني للغة التركية في بداية القرن الماضي؟! نفس الشيء كرّره ماو تسي تونغ في منتصف القرن الماضي، بحجة تبسيط اللغة الصينية التقليدية، فقام باعتماد طريقة البن يينغ التي تستخدم الحروف اللاتينية كذلك في تعليم اللغة الصينية المبسطة، وفي نهاية القرن في بلد آن سو جي كان التطبيق الأكثر بشاعة في تطرفه لفرض لغة النخب الحاكمة على الشعب بواسطة الخمير الحمر، والظاهر الآن في دول المغرب العربي، يريدون تقليد أتاتورك وماو تسي تونغ والخوف أن يصلوا إلى جنون الخمير الحمر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ما لم تنبته له الدولة العميقة هو أنّ طبيعة أجواء العولمة وأدواتها التقنية، تختلف عن طبيعة أجواء النظام البيروقراطي، الغالبية تظن بداية انتفاضة أدوات العولمة، كان حرق محمد البوعزيزي نفسه بعريضة الشكوى ضد الشرطية التي أهدرت كرامته أمام الناس والتي رفض موظف النظام البيروقراطي استلامها حفاظا على هيبة النظام في تونس نهاية عام 2010، ولكن من وجهة نظري أنَّ الشرارة قدحها حذاء منتظر الزيدي الذي لم يجد شيء غيره، فرفعه ورماه على ممثلي الفساد، في النظام البيروقراطي لنظام الأمم المتحدة، إن كان جورج بوش أو نوري المالكي في آخر مؤتمر صحفي لهما في بداية شهر 11 عام 2008 في مهد الحضارة الإنسانية، ومنتظر الزيدي لم يكن بطل أو مقاوم، وإلاّ لن يسمحوا له بدخول المؤتمر أصلا، بل هي لحظة استفاقة ضمير وفي بث حي مباشر.

    والسبب أنا لاحظت ثقافة الـ أنا لا يمكن أن تعرف الحب وأيّا من معانيه، حيث هناك فرق كبير جدا بين علاقة الجسد وعلاقة الحب، ومن لا يستطيع التمييز، فبالتأكيد لديه ضبابية لغوية، بأبسط معاني ثقافة الـ نحن والتي تشمل ثقافة الـ أنا (المرأة) وثقافة الـ آخر (الرجل)، فإشكالية النظام البيروقراطي لدولة الحداثة هو أنَّ أساسها ثقافة الـ أنا/الفكر/الفلسفة/السياسة، لا أحد يستطيع نكران وجود الذات أو الـ أنا فهذا شيء غير منطقي ولا موضوعي وبالتالي له علاقة بالعلم من قريب أو بعيد، ولكن أن ترفض الاعتراف بمزاجية وانتقائية بنتاج أي شيء لا تعتبره من ضمن الـ أنا، فهذه ثقافة الـ أنا، فأن لم تعترف بوجود الـ آخر كيف يمكن أن تحصل أي علاقة أصلا لكي ممكن أن تتطور إلى أي نوع من أنواع الحب؟! العولمة وأدواتها التقنية عرّت كل ذلك.

    يتبع….

  3. يقول S.S.Abdullah:

    هناك فرق ما بين السياسة والتجارة، ومن لا يُجيد التمييز بينهما، وخصوصا في موضوع التسويق، سيكون هو سبب ما تعاني منه اليونان في مطاردة شبح الإفلاس لها بعد عام 2008 عند انهيار نظام الديون الربوي بين المصارف والبنوك، هذا إن لم يكن الانهيار والتقسيم كما حصل مع الاتحاد السوفيتي عام 1991، فهناك حكمة أمريكية تقول (كل تاجر جيد سينتج بالتأكيد سياسي جيد، ولكن ليس كل سياسي جيد سينتج بالضرورة تاجر جيد) والسبب من وجهة نظري هو أن السياسي يفهم التسويق من زاوية أن يقول لك أي كلام سيعمل على تصفيق المستمع له عليه، دون الاهتمام بمصداقية ما طرحه من آراء في التسويق، ولكن لو فعل ذلك التاجر، أي عدم الاهتمام بمصداقية إعلانه التسويقي، فسوف يقع في ورطة قانونية وسيفقد زبائنه ويشوّه سمعته ويذهب إلى السجن.

    أظن وزير التعليم يظن نفسه مثقف أو سياسي، له الحق في اختراع لغة خاصة هو لا يفهمها أصلا بشكل جيد، فالببغاء لا يفهم معنى ما يردّده من كلام، أمّا أن يتم اعتبار الموضوع ثرثرة أو فضفضة بلا أي مصداقية أو فهم، ولذلك أنا أرفض تقمّص دور المثقف أو السياسي مثله، أنا أفضل دور التاجر، على الأقل من أجل تسويق مشروع صالح، ويمكنك الاطلاع على تفاصيله بالبحث على يوتيوب عن مشروع صالح.

    العولمة وأدواتها التقنية فرضت معايير جديدة للمنافسة، أساسها احترام اللغة الأم، والترجمة، والوقت، ولذلك مشروع صالح اخترع طريقة عبقرية لتعلم جميع لغات العالم بطريقة موحدة أساسها أربع أركان: لوحة المفاتيح (التقنية)، الحرف (الأصوات)، الكلمة (القاموس)، الجملة (المحادثة) ويبدأ مشروع صالح بدورة لقيادات كل وزارة كي تستطيع الاستفادة من الآلة في إدارة وزارتهم بإعادة كتابة مناهج التعليم والتدريب.

    ما رأيكم دام فضلكم؟

  4. يقول يوسف ابن تاشفين:

    ليس غريبا ان لا يتحدث وزير تربية وتعليم لغة بلده فهناك مآسي بكل معنى الكلمة ان معظم مناصب المسؤولين في دولنا العربية تتنافى مع تخصصاتهم هذا اذا كان عندهم اي تخصص. فمثلا مهندس مدني يصبح وزير اعلام وبيطري وزير خارجية … اين وضع الرجل المناسب في المكان المناسب الذي هو من اهم العناصر لدفع التقدم. يئسنا من سماع هذه المهازل في مجتمعاتنا فاصبحنا مهزلة ولهذا السبب استهان بنا الآخرون فاصبحنا في نظرهم جديرون للمهانة والابتذال والابتزاز.
    ملاحظة – في معظم الاحوال لا استطيع فهم المغاربة عندما يتكلمون العربية – طيب تحررت المغرب من الاستعمار منذ اكثر من .٦ عاما فلماذا هذا المسخ اللغوي مستمر.

  5. يقول حسناء سمير:

    أنا سويدية من أصل مغربي وقد ولدت بالسويد وقد تعلمت العربية بمجهودي الذاتي وهي للأسف أضعف لغة أعرفها ومع هذا أفتخر بها وأحاول أن أتحسن بها٠لاحظت العديد من المغاربة لايفرق كتابة بين حرفي ال ض وال ظ فمثلا عظيم تكتب عضيم صحيح بكل اللهجات العربية يوجد قلب للحروف ولكن أقوك كتابة وليس محادثة٠وكذلك المغاربة يحولون الكلمات الفرنسية للعربية مثل كلمة شارجيتو ومعناها شحنت أو تعبئة٠وكذلك أسماء الخضار والفاكهة تقلب بالمغرب مثل كلمة زنجبيل بالمغرب يسمى سكين جبير وكذلك تسمى بعض الخضار والفاكهة بأسماء غير عربية وأسماء الأشهر لاتسمى بالعربية ولا حتى بالفرنسية فمثل شهر نوفمبر يسمى بالمغربية نونبر٠وكذلك يؤنث المذكر بالمغرب حين الحديث معه!

  6. يقول احمد سعيد:

    هذا هو الهدف الاكبرالذي نجح فيه الاستعمارالفرنسي في بلدان المغرب العربي
    حيث أنه كان يسعى بكل ماأوتي من وسائل في سلخ شعوب المنطقة عن هويتها
    وها هي جهوده آتت أكلها ، مسؤولون في الدول المغاربية جلهم حتى لآأقول كلهم
    مسلوبي الهوية ،فلهم محسبون على البربر ولاعلى العرب ،ولاعلى الفرنسين أيضا
    بل يحسبون على الاندجانيين (أي البدون)على راى عرب الخليج.

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية