■ يتوغل الكاتب والروائي الفرنسي روبير سولييه في روايته «فندق مهرجان» الصادرة عن دار هاشيت أنطوان في عمق الأمكنة التي تميل إلى التصوير الممنهج في الأسلوب الروائي، المحقق لمكتشفات تهدف إلى إعادة النظر في المجتمعات العربية وقوة تأثرها في الغرب، من حيث الانهماك في الترف العربي، والنجاح اليهودي، أو «الشعب المختار الذي يثير إعجابنا» وبانتقاد انعكاسي يسلط الضوء على فئة من اليهود يعيشون مع العرب بميزة الفكرة المكتسبة عن السلوك اليهودي، أو ذلك الشبيه بحكايا مبطنة تجمع بين الأطراف المتناقضة، مثل الصالون الإنكليزي والأشجار من النخيل الملكي، وهذا مؤثر في السرد الروائي، الذي يعتمد على اللغة البصرية أو لغة الكاميرا الواسعة، بمعناها الاستشراقي الغارق في إبراز أهمية المكان الذي يضم هويات إنسانية متنوعة. فالمكان هو فندق مهرجان وهو الذي تؤمه عدة جنسيات، وبميل شرقي يحمل من النسمات الاستشراقية رؤى متضاربة في توصيل الفكرة التي غلفها روبير سوليه بشخوص تنوعت عبارات التعجب نحوهم «باختصار، كان الشعب المختار يثير إعجابنا» فهل التحرر ميزة اليهوديات في رواية «فندق مهرجان» للروائي روبير سولييه المنبهر بالمكان الشرقي الذي يسكنه بعض أعيان المدينة من المسلمين والمسيحيين واليهود؟
لم ينصف الروائي روبير سوليه شخوصه، بل وظفهم في إبراز قيمة المكان أو التنوع الهادف لخلق إشكالية من عدة نقاط تحمل الطابع التوثيقي المراعي لأبسط قواعد السرد. فنراه يشدد على الوصف التصويري، لإبراز الفروقات في المستويات الإنسانية ضمن المكان الواحد، وتبعا للتصوير النفسي، أو ذلك المبالغ فيه في نظرة العرب لليهود، ووضعهم ضمن صورة فيها من المبالغات ما يجعلها شبه أسطورية في الكثير من التفاصيل «لقد بدت أولئك اليهوديات المثيرات مختلفات عنا» فصورة اليهود في الرواية هي صورة اليهود العرب، الذين ينتمون إلى المكان، وإن بتصوير حسي وآخر إخباري، وبتوجه يظهر قيمة التعايش بين اليهود العرب والآخرين في المكان الواحد الذي يشيه العالم، وبمعالجة روائية تعطي صورة مقروءة عن إشكالية الاستشراق الحديث في رواية «فندق مهرجان» للروائي روبير سولييه، فهل تسقط الحواجز الدينية بسهولة بين الأثرياء كما يقول سولييه في روايته؟
إيحاءات كثيرة مبطنة استخدمها روبير سولييه لتكوين فكرة عن مجتمعات عربية تغوض بمتعة الاستهلاك، بدون التفكير في الحاجة إلى البقاء في فندق، ما هو إلا العالم الصغير الذي وضعه سولييه أمام القارئ بمختلف تطلعاته، وبحبكة روائية بدأت قرابة الرابعة بعد الظهر. إلا أن الزمن الأساسي برز في ملامح الشخوص «والأقمشة الإنكليزية التي عهد بها إلى افضل خياطي المدينة» وما بين المدينة والفندق اختلافات كثيرة، منها أن «في هذه المدينة المجزأة والمختلطة جدا في الوقت عينه، كنا نعيش كالجيران. ومع أن كل طائفة تملك مستشفاها وجمعيتها الخيرية، فإن أمورا كثيرة بقيت مشتركة على مستوى كل طبقة من طبقات المجتمع». فهل التأثيرات الاجتماعية وإسقاطاتها على «فندق مهرجان» هي استنكار التشرذم اليهودي العربي داخل المنطقة العربية بشكل عام. وهل «فندق مهرجان» يمثل قطعة من الزمن تعايش معها اليهود مع العرب بدون أي إشكالية معقدة في البقاء معا ضمن مجتمعات عربية انتقدها سولييه بشكل غير مباشر في روايته فندق مهرجان؟
نأى الروائي رويير سولييه عن الصخب بمعناه الديني المكتسب، وجعله قطعة منفية خارج المكان والزمان، بل تركه كعالم خارج العوالم المحيطة به، وإن لامس بتفاصيله كل وقائع الحياة، رابطا الأطراف المكانية ببعضها، وبفن روائي انتقادي لواقع ما هو إلا الوجع اليهودي العربي «لم يكن في ناري مكان يعرف بوسط المدينة، فمكان كهذا لا يتلاءم مع فسيفساء سكانها. ما معنى الكنيس بالنسبة إلى مسيحي أو الجامع الكبير بالنسبة إلى يهودي. سوى وسط يخص الآخرين ونقيض لوسطه الخاص». فالتصوير الحسي لأحداث المكان تنازعتها الملامح البيئية المؤدية إلى إبراز العوامل المهمة في البناء الفني الروائي، لهذا الفندق أو لهذه الرواية التي تمثل الكيان الاجتماعي لفترة من الفترات التي مرت على مصر والمرتبطة بالمواقف الإنسانية والانفعالات الاجتماعية المتعلقة بالانجذاب التخيلي لـ«فندق مهرجان» يمثل بقعة فانتازية كالمرايا المعاكسة لطبائع وسلوكيات، ما هي إلا الشخوص بمختلف توجهاتها المؤدية إلى عدة تغيرات سلبية أو إيجابية، وكأن «فندق مهرجان» هو المكان المثالي للتواجد اليهودي الآمن على بقعة تستقطب الزوار بمختلف فلسفاتهم وعقائدهم . فما هي خطورة المكان على الواقع الروائي بالنسبة لروبير سولييه؟
ميزة التبطين الروائي رافقت «فندق مهرجان» حتى النهاية من ميزة كان «على أجدادنا أن يعتنقوا الإسلام حتى التغيير الجديد في إدارة فندق مهرجان». فالمرواغة حققت أهدافها في جذب انتباه القارئ إلى البيئة التي يضعنا فيها خارج الزمان والمكان، والبيئة الأخرى المؤرخة في تفاصيل الواقع الذي ينقله إلينا عبر تاريخ، وبانتقاد لمجتمعات شتى ولتاريخ متعدد لم يقتصر على الأحداث، بل تخطى لوحة بيكاسو ومجتمع مدينة ناري وأصول تسميتها، والأهم من هذا كله مشكلة الماء الكلسي وتلميحات عن سوء الصناعة التي كانت مزدهرة آنذاك، وما بين فروقات البطيخ المزروع في بساتين اليوناني والجوافة التي تشبه الفروقات بين فندق مهرجان وباقي المدن والأماكن التي ذكرها سولييه في روايته الانتقادية اللاذعة، من حيث غيوم الشؤم التي تتلبد في السماء، وهي غيوم تنذر بالويلات الناتجة عن هجرة اليهود من مدينة ناري التي طرد منها اليهود، وباستنكارات شدد عليها سولييه «كيف يمكن أن يطرد المرء من دياره؟ والداي، أجدادي، وأجداد أجدادي ولدوا ودفنوا في ناري. أين تريدونني أن أذهب؟» فهل من طروحات إنسانية يقدمها روبير سولييه في روايته؟ أم أنها رواية مشبعة بالأفكار الاستشراقية لخلق نزعة تكتسب أهمية الأحداث المتعلقة بيهود الشرق؟
شخوص متعددة تشابكت مع الأحداث منها من غادر منذ البداية، ومنها من اضاف قيمة للزمن ولحكايا تاريخية نسجها في رواية لا يمكن الجزم بأن الأحداث فيها هي ما وقعت بالفعل في المناطق العربية التي ذكرها. إلا أنها تجسد معاناة هجرة اليهود من الأماكن العربية لإثارة الحماس عند القارئ، وبتقنيات السرد المثير للفضول ولاستفزازات تؤدي إلى التعاطف مع قضية فندق مهرجان وإغلاقه ومن ثم إعادة أصوله إلى الدلالة التاريخية الغارقة بالنكهة العثمانية، والسمات التي كانت سائدة آنذاك، والتي تمثل الزمن التاريخي المتخيل في الرواية لخدمة المكان والشخوص، ولعنوان اختاره برمزية تاريخية هي بمثابة خلط الأوراق وإعادة الصورة لتصحيحها من قبل القارئ. فهل تثير رواية «فندق مهرجان» البحث عن أسباب كتابتها، وهل تجسد هموم يهود الشرق بمختلف رؤاهم؟ أم أنها تعيد التاريخ لترصد معاناة الأمكنة التي اكتسبت صفة تاريخية خاصة؟
٭ كاتبة لبنانية
ضحى عبدالرؤوف المل