استباحة الضحايا… تماهي ديكتاتور سوريا وسلطوية مصر

حجم الخط
11

بينما يواصل ديكتاتور سوريا ارتكاب جرائمه ضد الإنسانية ويطلق شبيحته لإعمال القتل الجماعي (حلب) والتجويع (مضايا) والإجبار على النزوح (المناطق السنية)، لا تخجل الأبواق الإعلامية للسلطوية الحاكمة في مصر من توظيف «الهولوكوست السوري» (هو كذلك بالبراميل المتفجرة والقنابل الحارقة والصواريخ الموجهة إلى المستشفيات وملايين النازحين واللاجئين) لإضفاء شرعية زائفة على البطل المخلص / رئيس الضرورة بكونه «من أنقذ مصر والمصريين» من الالتحاق بالمصائر السورية.
بعيدا عن التهافت الشديد للادعاء بالإنقاذ ومصر بين قمع وانتهاكات متراكمة لحقوق الإنسان ووضعية غير مسبوقة للاستقطاب المجتمعي وتهديدات إرهابية تصنع لها مظالم السلطوية بيئة مواتية، وبعيدا عن التهافت الأشد لتجاهل مسؤولية الاستبداد عن الانهيارات المتلاحقة التي تشهدها بلاد العرب والتي تمثل سوريا اليوم حالتها الأكثر مأساوية وكارثية، بعيدا عن صنفي التهافت هذين يخلو حديث «لذلك لم نصبح كسوريا» الذي تروجه الأبواق الإعلامية للسلطوية الحاكمة في مصر من كل قيمة أخلاقية وإنسانية.
في حضرة دماء السوريات والسوريين التي استباحها ديكتاتور لم يجد جماعة دولية تردعه أو حكومات غربية وعربية لديها إرادة حقيقية تتجاوز دعم جماعات معارضة عنيفة تورطت في إفساد الثورة السورية، في حضرة الدماء التي صارت مشهدا يوميا في عالم العرب البائس ليس في الرقص على جثث وأشلاء الضحايا في حلب ومضايا وغيرهما لتسجيل مكاسب سياسية واهية لسلطوية فاشلة في مصر سوى انتحار كامل للقيم الأخلاقية والإنسانية.
وكأن الامتناع عن التضامن الفعال مع الشعب السوري ليس بكاف للشعور بالعجز، وكأن المقولات العنصرية باتجاه اللاجئين السوريين التي تطغى بين الحين والآخر على الفضاء العام ليست بكافية للشعور بالخزي ممن يمارسون الاستقواء على أناس هم الأكثر ضعفا والأشد احتياجا، وكأن هذا وذاك ليسا بكافيين فتتورط الأبواق الإعلامية للسلطوية الحاكمة في مصر في تجديد استباحة الدماء وتجديد امتهان الضحايا. تستعرض الدماء والجثث والأشلاء ومشاهد الدمار والخراب تليفزيونيا مشفوعة بكل ما يثير الغثيان من تعليقات لا ترى بها ما يستحق الجهر بالرفض والمطالبة بإيقاف الديكتاتور أو التعبير عن الأسى والأسف لأطفال ونساء ورجال ينتهك يوميا حقهم المقدس في الحياة، فقط «انظروا إلى حلب ومضايا، ولتشكروا رئيسنا البطل الذي جنبنا مثل هذا المصير الأسود»، فقط «لنصطف جميعا خلف من باعد بيننا وبين أن نصبح كسوريا وحمى مصر من الانهيار»، وغيرها من العبارات غير الأخلاقية والمتهافتة تهافت الباحثين عن مكاسب سياسية واهية وعن مبررات زائفة لسلطوية فاشلة وعنيفة.
بل أن بعض الأبواق الإعلامية للسلطوية الحاكمة في مصر تقفز فوق المزيد من الحواجز الأخلاقية والإنسانية، وتتماهى مع جرائم الديكتاتور الأسد وتدافع عنها كفعل خلاص وإنقاذ يستهدف اقتلاع الإرهابيين والمتطرفين وعملاء الغرب من سوريا. الصور الذهنية التي يتم تعميمها هنا لا تنفي عن الأسد صفاته الديكتاتورية ولا تنازع في ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية، بل تبرر الأمرين «كضرورتين يقتضيهما القضاء على الإرهاب والتطرف» وتسبقان كل «لغو عن الحقوق والحريات» والبناء الديمقراطي. الصور الذهنية التي يتم تعميمها هنا تتورط في استباحة لدماء وضحايا الشعب السوري أشد وطأة من استباحة «لكي لا نصبح مثلهم»، استباحة نزع القيمة الأخلاقية والإنسانية عن الدماء بتجريمها هي وإعفاء المجرم القاتل، استباحة نفي هوية الضحية عن الضحايا بتخوينهم وتشويههم هم وقتلهم العمدي مجددا بتعميم ادعاءات الإرهاب والتطرف وتبييض وجه الديكتاتور الغارق في إرهاب وتطرف الدولة المختزلة إلى عصابة.
الصور الذهنية التي يتم تعميمها هنا ترادف بين مبررات جرائم المستبد في سورية وجرائم السلطوية الحاكمة في مصر، براميل متفجرة هناك وفض دموي لاعتصامات هنا، قتل هناك وتعذيب هنا، تشريد ملايين هناك وسلب حرية مئات الآلاف هنا. والمبرر دوما هو أوهام الخلاص والإنقاذ الوطني، والحصيلة هي مآلات الفشل وكارثة الانهيار.

٭ كاتب من مصر

استباحة الضحايا… تماهي ديكتاتور سوريا وسلطوية مصر

عمرو حمزاوي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حي يقظان:

    أخي عمرو،

    ما يحصل على الصعيد السياسي في بلادنا المنكوبة، كله تقليد بتقليد لما يحصل على الصعيد المناظر في الغرب:

    وهكذا، تلجأ بعض الأبواق الإعلامية للسلطوية الحاكمة في مصر إلى استنزاف متطلبات الشعب المصري حتى بأدنى مستويات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وذلك من خلال التكرار الببغائي لبعض الإسطوانات الأخلاقية المشروخة، كمثل: «انظروا إلى حلب ومضايا، ولتشكروا رئيسنا البطل الذي جنبنا مثل هذا المصير الأسود»، إلى آخره من تلك العبارات.

    تمامًا كما تلجأ بعض الأبواق الإعلامية للسلطوية الحاكمة في الغرب الأوروبي والأمريكي، عمومًا، إلى استنزاف متطلبات الشعوب بمزيد من تلك «الديمقراطية» التي يدعي ممارسَتها هذا الغرب، وذلك من خلال التكرار الببغائي لبعض الإسطوانات الأخلاقية المماثلة، من حيث المبدأ، كمثل: «انظروا إلى دول الاستبداد في الشرق، ولتشكروا حكومتنا المتفانية التي جنبتنا مثل هذا المصير الأسود»، إلى آخره من تلك العبارات الأكثر تهافتًا بقصد البحث عن تلك المكاسب السياسية الواهية وعن تلك المبررات الزائفة لسلطوية «ديمقراطية» تتكشَّف عن فشلها آنًا بعد آن.

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية