تمر مصر بلحظة أزمة ممتدة، ويحيط بناسها الخوف من الحاضر والمستقبل وهم يرون بلادهم في مهب عواصف داخلية وإقليمية ودولية عاتية. ولأن لحظات الأزمة كثيرا ما دفعت شعوب إلى البحث عن سبل النجاة وكثيرا ما أطلقت طاقات جماعية مبهرة مكنت من طرق أبواب التقدم، أكتب أملا في أن نعيد جميعا النظر في أفعالنا وممارساتنا وكلماتنا، ونقيمها موضوعيا بمعايير النجاح أو الفشل في النجاة بمصر، ونجتهد للتوافق على أفعال بديلة وكلمات مغايرة حال التيقن من غلبة الفشل على النجاح. ولن يذهب بالسلطوية الحاكمة بعيدا أن تواصل ادعاءها المجرد من العقل والمنطق بكون كافة الأزمات التي تدمي مصر ليست سوى «الحصيلة الشيطانية» لأفعال وممارسات «أهل الشر» ومن يتهمون «بالتآمر» على البلاد والعمل ضد مصالحها في الداخل أو الخارج.
نعم يحضر الإجرام الإرهابي في سيناء، وفي الجوار الإقليمي، وفي بعض المواضع الأوروبية التي تتشابك علاقاتنا معها. نعم أسقط الإرهاب من قبل طائرة ركاب روسية فوق سيناء، وترتكب عصابات داعش وعصابات أرهابية أخرى جرائمها دون توقف. نعم يلحق الإجرام الإرهابي بمصر الفادح من الأضرار الأمنية والاقتصادية (ظروف سيناء، وحال قطاع السياحة الذي يعاني وضعية انهيار منذ أسقطت الطائرة الروسية). لا شك في أي من ذلك، غير أن المؤكد أيضا هو أن الكثير من الأفعال والممارسات الحكومية ترتب أزمات لا تقل فداحة أو خطورة في تداعياتها على المواطن والمجتمع والدولة عن الإرهاب. وأحسب، دون تورط في إنكار أو معايير مزدوجة، أن لغياب طيف محدد من الأفعال والممارسات والكلمات عن سياقات المعارضة تداعيات سلبية.
ألا يشكل القمع الأمني للتعبير عن الرأي، والذي يدفع بحقوق الإنسان والحريات إلى هاوية سحيقة لا شيء بها سوى العصف بسيادة القانون وتراكم للمظالم والانتهاكات وإنزال العقاب الانتقامي بمواطنات ومواطنين لم يرغبوا سوى في التظاهر السلمي أو التعبير الحر عن الرأي، جريمة حكومية تغرق مصر في وضعية استقطاب مجتمعي حاد وتوترات سياسية متواصلة يستحيل معها المواجهة الفعالة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تحيط بنا؟
ألا يرتب القمع الأمني على نحو مباشر تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية باستعداء حكومي لكثيرين داخل قطاعات شعبية مؤثرة (طلاب وشباب وعمال وصحافيين وأطباء وغيرهم)، وبالانتقاص الحاد من الثقة العامة في المؤسسات والأجهزة الرسمية التي يراها كثيرون كجهات ظلم وانتهاك وإنزال عقاب، وبتحميل الموازنة الحكومية المرهقة للغاية والتي تحتاج لتخصيص الموارد المحدودة لمواجهة الفقر وانهيار الخدمات الأساسية وارتفاعات الأسعار المستمرة الكلفة الاقتصادية والمالية الباهظة لإطلاق اليد القمعية؟
أليس في الإغلاق شبه التام للفضاء العام (أزمة نقابة الأطباء متبوعة بنقابة الصحافيين وبين النقابتين الحصار الدائم لمنظمات المجتمع المدني)، وتهجير المواطن بعيدا عنه تهديدا وتعقبا وقمعا وعقابا (سلب حرية الكثير من المشاركين في الدعوة إلى التظاهر السلمي في 25 ابريل الماضي)، والاغتيال المعنوي لأصحاب الرأي الآخر عبر أدوات بدائية وممجوجة كالتخوين وإلصاق اتهامات التآمر ونزع كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية عن معارضي الحكم؛ أليس في كل ذلك من الجرائم الحكومية ما يرفع مناسيب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويصطنع بيئة مجتمعية قابلة للعنف والإرهاب، بل ويقضي بين قطاعات شعبية واسعة (خاصة الشباب) على الأمل في الخروج من الهاوية السحيقة الراهنة؟
ألا يخلق خليط الإنكار الرسمي وسوق التبريرات الفاسدة للمظالم والانتهاكات المروعة التي تراكمت في مصر خلال السنوات الماضية، والذي لم يعد قاصرا على الداخل بل امتد (مع جريمة قتل باحث الدكتوراة الإيطالي جوليو ريجيني) إلى السياقات الخارجية ويجعل التقييم العالمي «للسجل المصري» في مجالات سيادة القانون والحقوق والحريات بالغ السوء، الكثير من الأعباء المجتمعية والسياسية القاسية التي يستحيل معها تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية وأمنية مستدامة أو الابتعاد عن خانات التصنيف السلبي حين النظر إلى مصر من خارجها؟
ألا ترتب أوهام حكم الفرد، شأنها شأن الاستعلاء لجهة الاعتراف بالأخطاء التي ترد على الأفعال والممارسات الرسمية وشأن النزوع إلى توظيف مريض لنظريات المؤامرة ومقولات «أهل الشر» الواهية، العجز عن تطوير الأداء الحكومي على نحو يحدد أوجه القصور ويواجهها (مواجهة حرائق الأيام الماضية وحدود إخفاق أجهزة الحماية المدنية كمثال). ومن جهة أخرى، أليست ذات الأوهام بمسؤولة عن الامتناع الحكومي عن الإدراك الضروري للروابط الحاضرة بين العصف بسيادة القانون وانتهاك الحقوق والحريات وبين اصطناع بيئة مصرية مواتية للعنف والإرهاب (من التطرف داخل السجون إلى الاستعداد للعنف بين من أهدرت حقوقهم)، بين إطلاق اليد القمعية وإغلاق الفضاء العام وبين تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بين الظلم وبين فقدان الثقة العامة في المؤسسات والأجهزة الرسمية، بين غياب الشفافية وبين نزوع الناس إلى إطلاق الاتهامات الجزافية باتجاه الحاكم والحكومة (قضية الجزيرتين تيران وصنافير نموذجا)؟
وفي ساحات المعارضة المحاصرة بفعل القمع وإغلاق الفضاء العام، ألا يمثل غياب طرح رؤية متكاملة للخروج بمصر من الهاوية الراهنة ولمواجهة الكوارث والأزمات التي تدمينا جريمة في حق البلاد وناسها يرتكبها المعارضون؟ ألا تتشابه هذه الجريمة في حق الوطن مع صمت بعض المعارضين عن المظالم والانتهاكات أو التعامل معها بانتقائية؟ ألا تستوي في السوء مع تورط البعض الآخر في مقولات رمادية بشأن «إصلاح الحكم» دون تشديد على حتمية الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت خلال السنوات الماضية، وجبر الضرر عن الضحايا في إطار منظومة متماسكة للعدالة الانتقالية؟ ألا تتماهى في فشلها المحتوم مع أفعال وممارسات وكلمات البعض الثالث من المعارضين الذي يغيب أولوية المضامين الديمقراطية للنجاة بمصر، وجوهرها إيقاف اليد القمعية وفتح الفضاء العام وإحياء السياسة التي أميتت واستعادة الحرية لآلاف سلبت حريتهم لرأي وموقف، ويفضل الترويج لمزايدات زائفة؟
هذه لحظة أزمة تستدعي إعادة نظر حقيقية في أفعالنا وممارساتنا وكلماتنا، وتتطلب بحثا حقيقيا عن سبل للنجاة بمصر من قبل حكم لن تصنع له سلطويته الاستقرار ومن قبل معارضة بات عجزها صعب الإنكار. هذه لحظة مبادرة المواطن ومسؤولية المجتمع دون انتظار لحكم أو معارضة، فهل تغتنم للابتعاد ببلادنا عن الأزمات التي تدميها والانتصار على الخوف الذي يحيط بنا من كل جانب؟ أتمنى.
٭ كاتب من مصر
عمرو حمزاوي
سبب كل ما يحصل بمصر من قمع وخراب هم أولئك الذين خرجوا بيوم 30-6-2013 الأسود لإستبدال الديموقراطية بحكم العسكر
ولا حول ولا قوة الا بالله
الحكم لا يتطلب علما ولكن يستوجب مراوغة باللعب على الشعب واستغبائه كي يسهل لجمه ثم اقتياده كما يشاء الحاكم.
و التمني ..رأس مال المفلسين!
أراك وقد بنيت ركائز مقالك هذه المرة على فرضية ان يكون المارشال يسعى الى خروج مصر من الهاوية الراهنة وهي فرضية أثبتت الأفعال التي قام بها ومنذ انقلابه المشؤوم عدم صحتها وانه وعلى العكس من ذلك تماماً فهو إنما جاء لإدخال مصر إلى الهاوية أكثر وأعمق
مع جميل التحايا للكاتب المُبدع
الجواب = وحده وطنيه + انزل للشارع
وبس خلاص ادي كل الحكايه
صمت بعض المعارضين عن المظالم والانتهاكات أو التعامل معها بانتقائية الجملة السابقة توضح أهم أسباب أزماتنا فالأحزاب الورقية لا تخاطب البسطاء ولا تعرف الديمقراطية ولا تمارسها وهي من تضع الشعوب بين سندان الدكتاتورية ومطرقة الأخوان فتختار الشعوب اخف الضررين ثم ترضى هذه الأحزاب بفتات الدكتاتورية الذي تلقيه لها بعد الثورات المضاده سواء كان ماديا أو في شكل هامش حرية تعيبرصغير يسمح بالتطبيل ولا يأبه بنار التنكيل المشتعلة بغيرهم من المعارضبن طالما كانت بعيده عن دارهم . يجب أن يكون شعارنا الحرية لنا ولسوانا حاكموا الأفعال ولا تحاكموا الأفكار وشكرا للأسناذ حمزاوي موضوعيتك وصدقك كالعادة .
(صمت بعض المعارضين عن المظالم والانتهاكات أو التعامل معها بانتقائية) هذه الجملة تلخص الكثير فالأحزاب الورقية لا تخاطب البسطاء من الشعوب وتتركهم بعد الثورات محتارون بين سندان الدولة العميقة (شفيق مثالا) وسندان الأخوان فيفوز الأخوان أما الأحزاب فتشعر بالغبن عنما لا تحظى بشيء بعد اقتسام كعكة الثورة نتيجة لبعدها عن الجماهير ثم ترضى فيما بعد الثورة المضادة بالفتات الذي يرميه لها الدكتاتور سواء كان ماديا أو كهامش صغير للتعبير لا يمس الوضع الجديد الا بمقدار ما يسمح به غير أبهة بنار التنكيل التي تلتهم المعارضين طالما كانت بعيدة عن دارهم . الحرية لنا ولسوانا حاكموا الأعمال ولا تحاكموا الأفكار مع الشكر للأستاذ عمرو حمزاوي لكتابته الموضوعية والصادقة كعادته .
نحن من فعلنا هذا بأنفسنا..
فلابد من دفع فاتورة هذا الفعل