قد يتساءل قارئ كتاب لوك هاردينغ المتخصص في قضايا الفضائح السياسية الكبرى عن دوافعه وموضوعية ما ورد فيه من معلومات. هل كان المراسل السابق لصحيفة «غارديان» الذي طرد من روسيا بعد عمله أربع سنوات (2007-2011) وبعد ان امتلك صدقية كبيرة لدى أجهزة الاستخبارات البريطانية وخصوصاً لدى عملائها في موسكو ولندن في الفترة التي كان فيها مراسلا هناك، يسعى بالفعل لفضح «التواطؤ» بين النظام الروسي بقيادة بوتين والرئيس الأمريكي ترامب، قبل وبعد وصوله إلى رئاسة أمريكا؟
كيف يمكن للقارئ ان يفسر ما ورد في الصفحة (196) حيث يقول المؤلف خلال لقاء ترامب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسفير الروسي في أمريكا سيرغي كيسلاك لتفسير ما حدث حول الخلاف بينه وبين مدير «مكتب التحقيقات الفدرالي» جيمس كومي، وأسباب طرده من منصبه عام2017 ان ترامب قال للافروف وللسفير بعد الحديث عن الوضع في سوريا، ان مخبراً إسرائيليا مخترقا تنظيم «الدولة» (داعش) أبلغ الاستخبارات الإسرائيلية بوجود خطة لتهريب متفجرات إلى طائرة ركاب بواسطة الكمبيوترات المحمولة لتفجيرها، وانها أطلعت الاستخبارات الأمريكية على ذلك. وبدلاً من ان يعتبر المؤلف ان ترامب ساهم بهذا الموقف في منع تفجير طائرة على متنها ركاب مدنيون أبرياء، رأى ان الرئيس الأمريكي «خان الثقة التي قدمتها إليه الاستخبارات الإسرائيلية» وكان عليه ألاّ يكشف هذه المعلومات لافروف قبل التنسيق مع المخابرات الإسرائيلية التي هي شريكة أمريكا، بينما روسيا عدوة ومتحالفة مع النظام السوري. (ص196)
ودافع الجنرال ماكماستر، الذي كان مستشارا للأمن القومي للرئيس عن موقف ترامب معتبرا ان من واجب أي مسؤول سياسي أو أمني كبير ان يمنع قتل المدنيين الأبرياء، فيما خالفه المؤلف.
حاول الكاتب التركيز على ان الملف السري الذي جهزه عميل الاستخبارات البريطانية السابق كريستوفر ستيل، الذي أسّس لاحقا شركة سمّاها «اوربيس» توفر المعلومات لمن يحتاج خدماتها أو عن طريق شريكة لها في أمريكا تحت اسم «فيوجن» وهو ملف يفضح تعامل إدارة ترامب مع نظام بوتين قبل وبعد ان يصبح رئيسا لأمريكا.
وهذا التوجه يدفع القارئ للتساؤل عن موضوعية كاتبه ودوافعه ودوافع مصدر معلوماته كريستوفر ستيل. هل القضية فقط لأن موقفهما سلبي من روسيا، أحدهما كدبلوماسي يجمع الوقائع السّرية والآخر كصحافي يجمع المعلومات ويقوم بمقابلات (مشكوك في دوافعها) مع المقربين من الرئيس بوتين، أو ان الأمر أكثر جدية من ذلك؟ لا يتفق كثيرون من المؤيدين لسياسات ترامب من محاولته فرض ما سُمّي «صفقة القرن» على الشعب الفلسطيني، ولا مع قرارته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعطاء قيادات إسرائيل الضوء الأخضر للتوسع، بيد انه وفي الوقت عينه، ربما قد يكون وجود علاقة طبيعية بين القيادة الأمريكية والروسية مفيدا للعالم وقد يساهم في الوصول إلى حلول أقل سوءا للفلسطينيين وللعرب عموما ولجميع الشعوب من الحلول المطروحة حالياً.
اما إذا رغبت جهات ثالثة في توقيد الصراع الأمريكي ـ الروسي وفي إحباط أي توجهات إيجابية في هذا المجال تحت مظلة الموضوعية الصحافية والدفاع عن حقوق الشعوب والليبرالية المزعومة المنتشرة في الأوساط الفكرية والصحافية الغربية هذه الأيام، فليس في هذا التوجّه مصلحة تبعد عن مصلحة مروجي الحروب والنزاعات. الإثبات الأساسي الذي يعتمده الكاتب حول ان الرئيس ترامب متواطئ مع النظام الروسي، هو أن شخصاً مشبوها اسمه روب غولدستون، وهو منظم حفلات موسيقية وصديق نجل أحد كبار الأغنياء الروس آراس آغالاروف، اتصل في حزيران (يونيو) 2016 بابن الرئيس ترامب وأبلغه ان في حوزة والده وثائق حصل عليها من المدعي العام الروسي تدين المرشحة المنافسة هيلاري كلينتون واتصالاتها مع روسيا وان هذه «الوثائق الحساسة مفيدة لحملة والدك الانتخابية» وسأله ما إن كان يجب إرسالها مباشرة لوالده. وبما ان آغالاروف الملقب بـ «ترامب روسيا» كان شخصاً مرموقاً في روسيا ومقرباً جداً من بوتين، استنتج المؤلف ان الرسالة موجهة من بوتين إلى ترامب.
ويعتبر المؤلف ان رسالة غولدستون (الذي لا نعرف خلفياته السياسية الحقيقية) تؤكد ان صديقاً حميماً لبوتين يعرض معلومات خاصة عن هيلاري كلينتون لترامب من أجل إيصاله إلى الرئاسة (ص245). وغولدستون ولد في مانشستر البريطانية، وعمل في الترويج لفنانين ومن بينهم ابن آراس آغالاروف. أي انه يُشبهُ المروج الفني البريطاني ماكس كليفورد الذي عمل سابقا مستشاراً لأثرياء عرب ويهود ومروّجاً للفضائح وسُجن بسبب ذلك يقول المؤلف انه كان على ترامب الابن إبلاغ «مكتب التحقيقات الفدرالي» الأمريكي بأنه تسلم رسالة من غولدستون في الشأن المذكور، فيما هو (الابن) رد على الرسالة قائلا انه سيتحدث مع ابن آغالاروف أولاً قبل ان يرد عليه وان هناك وقتا لذلك قبل قدوم نهاية صيف عام 2016. واعتبر الكاتب ان هذا الجواب يعني ان ترامب الأبن رغب في الحصول على معلومات عن هيلاري في نهاية الصيف (لعام 2016) أي قبل فترة قصيرة من الانتخابات الرئاسية. ثم يتهم بوتين والرئيس ترامب بالحوار غير المباشر حول هذا الأمر من دون أي إثبات.
وفي الصفحة (246) يذكر ان غولدستون أعاد الاتصال بترامب الابن يسأله متى يريد التحدث مع نجل آراس آغالاروف حول قضية هيلاري؟ بما يعني ان غولدستون كان يستدرج ابن دونالد ترامب نحو الاتصال. وقد أدّى هذا الإلحاح إلى حصول لقاء شلة روسية مع دونالد ترامب الابن في مكتبه في نيويورك بوجود محامية روسية وشخص روسي يدعى رينات آخميتس، تبين لاحقاً أنه عميل أمني سوفييتي سابق. كما يذكر المؤلف ان المحامية ناتاليا فيسيلتسكايا، كانت موفدة من «شلة الكرملين» إلى ترامب (ص249) وان ترامب الابن اضطر للاعتراف بتواطؤ والده بعد ما علم بافتضاح أمر مراسلاته ولقاءاته مع غولدستون. وفي الصفحة (250) تظهر دوافع المؤلف في إثبات نظريته حيث يقول «حتى لو ليس في حوزة الاتهام أي إثبات جذري في ان ترامب وبوتين تعاونا في عملية كشف الرسائل النصية لهيلاري كلينتون، فإن النية للحصول على مثل هذه المعلومات تواجدت، وذلك من خلال اتصالات ترامب الابن، وهذا يعني ان حملة ترامب كانت مستعدة للحصول على معلومات سرية مسيئة من حكومة معادية. وهذا يشكل تفسيراً حرفياً حسب هاردينغ، لما يُسمّى «التواطؤ». (ص250).
ويضيف المؤلف بأن ترامب الأب كان في برج ترامب في نيويورك عندما حصل اللقاء بين ابنه والشلة الروسية! علماً ان الاثنين (الأب والابن) يملكان مكتبين مختلفين في المبنى الضخم! ويورد المؤلف اشارات أخرى على الاتصالات بين معاوني ترامب في حملته مع مسؤولين روس من دون دعمها بالأدلة مدعياً حصول ابتزاز لترامب من جانب المسؤولين الروس. ويعتبر في خاتمة كتابه ان قرارا صدر عن الكونغرس الأمريكي في 2 آب (أغسطس) 2017 يجعل من شبه المستحيل على الرئيس ترامب إلغاء أي عقوبات اقتصادية أو سياسية ضد روسيا من دون موافقة الكونغرس. وبما ان هذا كان الهدف الأساسي من بدء روسيا بقيادة بوتين العلاقة مع ترامب وتطويرها ودعمه للرئاسة، فإن القرار قد يؤثر على هذا الموضوع وعلى أجندة بوتين بالنسبة لترامب. وفي الصفحة (331) يقول الكاتب انه لولا «ملف كريستوفر ستيل» عن دونالد ترامب وعلاقته مع فلاديمير بوتين لكان الرئيس الأمريكي الجديد رفع العقوبات عن روسيا وأنشأ تحالفاً معها وبالتالي، حقق ستيل انتصاراً على بوتين واستراتيجيته.
ويمكن الاستنتاج، ان الفضائح التي حشرت ترامب في زاوية ربما هي من العوامل التي دفعته إلى إيجاد سياسات خارجية خاطئة في الشرق الأوسط والعالم من أجل الحصول على تأييد «اللوبيات» الفاعلة على الساحة الأمريكية الداخلية، وبما أن أحد أهداف الكتاب (ومن دعمه) ربما كان منع حصول تقارب بين روسيا وأمريكا بشكل مفيد ووثيق لأن ذلك سيهدد مصالح طرف ثالث، فقد نجح عميل سابق في الجاسوسية وصحافي متعاون معه في الترويج للمزيد من التوتر والنزاع بين دول العالم وقادتها بدلا من ترطيب الأجواء، وقد فعلا ذلك بحجة كشف الحقائق من أجل الديمقراطية والحرية.
ولعل قراء الكتاب سيتمنون ان تكون هذه هي دوافعه الحقيقية، وأن تكون المعلومات الواردة فيه مفيدة لتحقيق الأمور الإيجابية للعالم.
ويأمل الكاتب في صفحة (332) ان يكشف بعض الصحافيين أو الكتاب والباحثين سيئات «البوتينية» كما كشف آخرون سيئات النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي قبل وبعد عام 1989. والفصل العاشر يكشف فضائح تعامل ترامب والشلة المحيطة به بمشبوهين مرتبطين بنظام روسيا بقيادة بوتين وحلفاء هذا النظام من أصحاب المليارات، وكيف ساهم هؤلاء في دعم مؤسسات ترامب العقارية، قبل وبعد انتخابه رئيسا، وفي دعمه مادياً عندما تعرض لأزمات مالية.
وبالتالي، يعتبر المؤلف ان عملية تحضير وتجهيز روسيا بقيادة بوتين لصعود ترامب إلى كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ عقود، وليس في السنوات الأخيرة، وان كل المؤسسات التي يمتلكها ترامب استفادت من أموال الأثرياء الروس المقربين من بوتين، وان أحدهم كان يسعى لدفع بوتين لاستخدام أموال «البنك المركزي الروسي» لإنشاء برج ترامب في موسكو بين عامي 2015 و2016 مما كان سيفيد حملة دونالد ترامب الرئاسية وصورته العالمية.
كما انه يشير إلى ان الممولين الروس ساهموا في الدعم المادي لأقرباء دونالد ترامب وتمويل عملياتهم العقارية، بمن فيهم جاريد كوشنر زوج ابنته ايفانكا.
يبقى ان دونالد ترامب الأب وأوساط فلاديمير بوتين نفيا ما ورد في «ملف كريستوفر ستيل» الذي اسند إليه الكتاب، فيما يؤكد المؤلف ان مكتب التحقيقات الفدرالي «FBI» والمحقق الخاص روبرت مولر، الذي عينه المدعي العام الأمريكي، يأخذان هذا الملف في الاعتبار في التحقيق، وان مدير «مكتب التحقيقات الفدرالي» السابق جيمس كومي أقيل من منصبه لأنه رفض دعم ترامب والتوقف عن التحقيقات في العلاقة بين بوتين وترامب في ملف هيلاري كلينتون والانتخابات الرئاسية.
LUKE TTARDING: COLLUSION: HOW RUSSIA HWLPED DONALD TRUMP WIN
VINTAGE BOOKS –USA NOV 2017
PAGES. 354