التسول… موسيقى مرحة في باريس

حجم الخط
1

باريس ـ «القدس العربي»: يحاول فريدريك دوبان (25 عاماً) جذب المارة فوق أحد جسور نهر السين بموسيقى غيتاره الصادحة. يقف الشاب وسط الجسر مبتسماً، وهو يؤدي لحناً لأغنية «أديل» الجديدة «هاللو». تتفاعل بعض الفتيات معه، فيغنين بإنكليزية ركيكة، فيما يلتقط البعض له صوراً، بعد أخذ أذنه، لوضعها على «إنستغرام».
يقول أنه يرغب بتعريف الناس إلى موسيقاه في الشارع، «الموسيقى خلقت للشارع. ولا يمكنني القيام بالعزف في مسارح كبرى، انها مكلفة للغاية في باريس. الموسيقى نخبوية هنا». يحقق الشاب للمارة رغباتهم في الاستماع إلى معزوفات يحبونها أو ألحان أغان يحاول قدر استطاعته مجاراتهم في دندنة كلمـــاتها «الناس تحب الاستماع إلى الموسيقى حتى لو كــانوا يعبرون سريعاً. ليس صحيحاً انهم يكرهوننا».
يطلب فريدريك من بعض الشبان سيجارة، سرعان ما تبللها قطرات مطر هطلت على الرغم من سطوع أشعة الشمس النادرة في هذه الأيام من الشهر، «الطقس يمنعنا من التواجد كل الوقت. لكني لا أكترث وحين يشتد المطر أدخل إلى محطة المترو»، يقول، وهو يحاول العودة إلى لحن أغنية لشارل ازنافور. ويؤكد أن «الباريسيين كثيراً ما يطلبون أغان فرنسية أو عزف بعض مقطوعات كلاسيكية لبيتهوفن وشوبان. ليس سهلا عزفها على غيتار الكتروني»، يضحك، ويضيف: «الشارع لا يفرق بين موسيقى جيدة أو أخرى سيئة. انه هواء يصدح. للتسلية والمرح».
يعتاش فريدريك من المال الذي يقدمه إليه المارة. يضع قربه صندوقاً معدنياً يجمع له إيجار غرفته فوق «روف» في أحد أحياء شاتليه، «لست غنياً لأسكن هناك، لكن صديقي دبر لي الغرفة بسعر جيد»، يقول، وهو ينفث دخانه بتوتر، ويوضح: «الحياة قاسية، جربت العمل مراراً في مجال الموسيقى لكن المنافسة صعبة، وجدت نفسي أقبل على قضاء وقتي في الطريق. الأمر مسل للغاية، أعمل وأتسلى واتعرف إلى الناس وأذواقهم وأحس بمتعة ولا أدفع الضرائب أيضاً».
وكما الشوارع والجادات العريقة والقريبة من المتاحف والمراكز الثقافية، كمركز «بومبيدو» لا تخلو محطة مترو في باريس أو عربة قطار من الفرق الموسيقية والعازفين الفرديين. يؤدي هؤلاء كل أنواع الموسيقى، ليلتصق هذا الفن بخصوصية عاصمة النور، التي على الرغم مما حل بها بعد الهجمات الإرهابية، لم يتمنع الناس عن النزول إلى شوارعها للغناء، وهو ما زاد من ثقة الموسيقيين في تجريب موسيقاهم أمام المارة والسائحين، الذين يرغبون دوماً بصور للموسيقيين.
لكن حوادث كثيرة دعت الشرطة إلى التدخل في عمل هؤلاء الموسيقيين، الذين يتعدى بعضهم على المارة بعد تصويرهم، أو عدم دفعهم «بقشيشاً» بعد طلب بالعزف. ويرفض بعض سكان باريس وصف هؤلاء بـ»المحترفين» ولا حتى اطلاق عليهم صفة «هواة»، ويحبذ كثر تسميتهم بـ»المتسولين» لكن بطريقة حديثة ومبتكرة. يقول سيباستيان دوبار (35 عاماً)، وهو صاحب حانة، أن «ظاهرة الموسيقيين صارت مستشرية في محطات المترو، ويستغلها شبان غير فرنسيين لجمع مال قوتهم».
لكن يبدو ان هذه الظاهرة، رغم اختلاف الرأي حولها، تميز الحياة السفلية للعاصمة الباذخة، وتؤسس هذه الموسيقى لتجارب «اندرغراوند» حتى ولو كانت على شاكلة «تسول» يقول فريدريك: «لا يهمني أن اطلقوا علي تسمية متسول. ففي النهاية أنا موسيقي متسول».

صهيب أيوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د محمد شهاب أحمد / بريطانيا:

    نعم ، متسولين ، و لكن بأناقة و تهذيب ، و يقدمون شيئاً . تراهم في كل أنحاء أوروبا . و هناك آخرين ممن يمارس أعمال تهريجية تدخل البهجة بقلوب الصغار والكبار . مجتمعات بها جوانب مشرقة كثيرة ، و أخرى تغم النفس …..و هذه هي الحياة ، لا تأتي بحزمة واحدة

اشترك في قائمتنا البريدية