التشكيلية الأرجنتينية سيسيليا ماندريلي: كاميرتي تعيد الحوار بين الأشياء المحمولة والأماكن الجديدة

حجم الخط
1

عمان ـ «القدس العربي»: تقدم الفنانة الأرجنتينية سيسيليا ماندريلي في أعمالها صورة جديدة للحالة المؤقّتة، تصبغها مشاعر عدم الثقة التي ترتبط بالرحالة اجتماعيّا، وتنطلق بموضوعاتها وحيدة في رحلاتها الشخصيّة نحو «معركتها الشاعريّة»‘ حيث يصبح الترحال أعمق حالات التقيّد.
وبما أنها فنانة نشأت في أحضان أمريكا الجنوبية، تكشف في رسوماتها عن التقاطعات في ممارسة حياة الترحال بين ثقافتين مختلفتين، وتقترح لقاءات تعتمد ظروفا شاعريّة مختلقة بين الغوتشو «راعي البقر في أمريكا الجنوبيّة» والبدو في الأقطار العربية.
حصلت الفنانة سيسيليا ماندريلي على الدكتوراه من كليّة بريستول في الإعلام والفن والتصميم من جامعة غرب إنكلترا، وعلى الماجستير من جامعة ميريلاند في الولايات الأمريكيّة المتحدة والبكالوريوس في الفنون الجميلة في الطباعة من الجامعة الوطنية في كوردوبا في الأرجنتين.
التقتها «القدس العربي» وكان هذا الحوار.

■ تتمحور جميع أعمالك حول تقنيات الطباعة الرقمية والتقليدية وتطبيقها في الأجسام ثلاثية الأبعاد، هل يمكنك قول المزيد عن هذه التقنيات؟
□ الفن بالنسبة لي عملية ترتكز على الترحال، حيث يتمحور عملي حول التركيب، إذ أقوم بنقل كل ما هو مطبوع من ورق على قماش، ومن ثم على أدوات ثلاثية الأبعاد، وأعمد إلى التنويع في ما يتعلق بالخلفيات. ويترجم عملي من خلال أشكاله الجسدية والمجازية عملية الترحال الحقيقي للفنان. كما تتناول أعمالي مفهوم الذاكرة والتشرد من خلال صور فوتوغرافية ومواد مطبوعة. وكفنان مسافر، استخدم أساليب بديلة للطباعة ومواد ضرورية لنقل الصور الفوتوغرافية في حيز ثلاثي الأبعاد لبناء «الأشياء المحمولة»، وتركيبها في «الأماكن الجديدة» خلال الرحلة.
أقوم خلال سنوات التنقل بمراقبة وتسجيل المدن سريعة الزوال، وأنقل هذه الصور عبر مرجع محمول وهو: الدمى المصنوعة يدويا. هذه الدمى، عدة نسخ من صورة مقنعة عن النفس، وطبعت رقميا على قماش غير تقليدي، وتم حشوها يدويا وعلقت على مجموعة من الأشياء المهملة التي يعثر عليها في الشوارع. وبما أن الحافلات، المحطات، الشوارع، والطائرات تحمل العديد من الصور الفوتوغرافية الموثقة لعبور الحدود بمختلف اتجاهاتها، قمت بعمل معرض صور فوتوغرافية لمجموعة من المتشردين الذين يعيشون في الأحياء والأزقة والشوارع. التقطتها من خلال وسائل النقل، التي أتينا على ذكرها، وذلك لننقل الصورة الحقيقة لهؤلاء الناس ونوصلها إلى مسؤولي الأمم المتحدة، وقد لاقى هذا المعرض نجاحا كبيرا.
■ ما هي المواضيع الرئيسية في أعمالك؟
□ أنوي تصوير الحالة المؤقتة غير المكتملة خلال سفري، خصوصا صور التشريد والتهجير، كونها وثائق مرئية ترافق المسافر أينما ارتحل. ولقد علمت من خلال تجوالي أن النزوح أصبح ظاهرة عالمية، توضع في إطار أكثر حميمية، ومن هنا أردت محاربة هذه الحقيقة.
عملية الترجمة من خلال الصور الفوتوغرافية لها أهمية مضاعفة في ممارسة الفنان المهاجر: أي استخدام الترجمة كوسيلة لنقل الموضوعات/الأجسام من مكان إلى آخر. والترجمة عبر الصور الفوتوغرافية تعد وسيلة تقنية لتوضيح السلوكيات الظاهرة في ذلك الحديث الذي رصدته الكاميرا. ومن خلال الترجمة الفوتوغرافية المزدوجة، أقترح سردا معينا لإعادة الحوار بين الأشياء المحمولة والأماكن الجديدة.
وتستند عملية البناء في فن التركيب إلى الوثائق، التدمير وإعادة بناء الشظايا في مختلف السيناريوهات، وأنوي كفنان مهاجر أن تنكشف أعمالي بصريا أمام اللغة التي يمكن أن تترجم تصوري وتكيفي مع الواقع، من خلال جمع والتقاط وإعادة عرض وتسجيل الحالة المؤقتة، وطباعة الصور الفوتوغرافية، التي تؤدي في النهاية إلى التعبير عن اللغة التي يختص بها الفنان وتعبر عن أسلوبه.
■ كانت جدتك رسامة وأستاذة بيانو، كيف شجعك ذلك على دخول عالم الفن؟
□ أجد هذا مثيرا لاكتشافك هذه المعلومات. لقد كان حضور أجدادي إلى جانبي خلال فترة الطفولة، أمرا ثمينا للغاية، وخصوصا جدتي، والدة أبي، التي أهديتها شهادة الدكتوراه التي حصلت عليها في الإعلام والفن والتصميم، لأثرها وفضلها الكبير في دخولي عالم الفن وجمالياته. لقد نشأت في مدينة صغيرة في مقاطعة قرطبة في الأرجنتين، لم تكن هناك معارض فنية أو متاحف آنذاك. جدتي كانت بالفعل رسامة ومدرسة بيانو جلبت الصوت إلى المناطق الصامتة. وشجعتني أنا وأخوتي على تعلم الموسيقى والرسم منذ سن مبكرة. لكن، لسوء الحظ ، لم أكن من الموهوبين، لا بوصفي عازفة بيانو أو فنانة في مجال الرسم الزيتي، لكن هذا جعلني أرى ما يبدو غير مرئي من الألوان والأصوات الصامتة في هذا العالم، وبالتأكيد مما دفعني إلى البحث المستمر عن لغتي المرئية الخاصة بي.
■ كفنانة عملت في العالم الأكاديمي لعدة عقود، كيف تشعرين حين سماعك، بأن تدريس منهج الفنون في المدارس العربية لا يحظى بالاهتمام؟
□ لقد تدربت في ثلاثة بلدان مختلفة، الأرجنتين، الولايات المتحدة وانكلترا، وبالتالي أتيحت لي الفرصة للحصول على مجموعة من التقنيات المتنوعة والنظريات المتعددة في مجال تدريس الفنون. ومن خلال التعامل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من الطلاب على اختلاف خلفياتهم الثقافية والاجتماعية، لاحظت ازدياد ضعف المستوى المتعلق بالفنون لدى طلاب المدارس الثانوية، ويعتبر منهج خارج نطاق التدريس العام، كما أن الحكومات قامت بخفض الميزانية المخصصة للثقافة والفنون، بعد إصابة العالم بالأزمة الاقتصادية العالمية. والعار الحقيقي يكمن بعدم الشعور بأهمية التربية الفنية ودورها في البحث عن الهوية في مرحلة الطفولة وبداية الشباب، ومن هنا يعتبر غياب هذا الاهتمام «ضارا» على نحو ما.
■ كيف يمكن للفن والتعليم تغيير حياة الأفراد، وبالتالي المساهمة في بناء مجتمع صحي؟
□ امتلك إيمانا قويا في مجال التعليم، وبالتأكيد لديّ إيمان بأن الفن والتعليم لا يمكن فقط أن يغير حياة الأفراد، وإنما يسهم أيضا في بناء مجتمعات صحية أكثر سخاء وتفهما للحياة.
لقد حصلت على الشهادة الجامعية الأولى في سن مبكرة، وقمت بتدريس الفن لمدة 20 عاما. واعتقد أن وجودي أستاذة وفنانة في الوقت نفسه يزداد صلة يوما بعد يوم، إذ على امتداد هذه السنوات العديدة، امتلك الكثير من أصدقائي الفنانين والمصممين الذين كانوا طلابي، من الأرجنتين إلى الأردن، وأنا احترمهم كثيرا. وما زلت على تواصل معهم من مختلف الأقطار، مما يؤكد لي باستمرار، أن الفن والتعليم موضوع واسع جدا، وعليه لا بد أن يعاد النظر في كيفية معالجته في مجتمع يتغير باستمرار.
■ كونك زرت العديد من البلدان، ما هي المدينة التي تضم أفضل بيئة للفنانين؟
□ هي المكان الذي يتيح المجال للتفكير الخلاق وتبادل الأفكار والخبرات، هي البيئة الأفضل للفنان حيث يمكن أن يعيش ويعمل. ولكن أيضا أن تكون الحكومة فيه والمجتمع يؤيدون المناقشة والانفتاح على الأفكار الجديدة في البحث عن الهوية الثقافية في كل مجتمع متغير.
■ السفر يمنحك إمكانية العمل في بيئات مختلفة، ومتنوعة للحوار مع الفنانين، وكيف يجلب لك ذلك الأفكار والمعتقدات المتعلقة بعملك؟
□ تجربتي في العمل في مختلف وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والثقافية لمختلف البيئات أتاحت لي الفرصة لتطوير التخصصات وتوسيع نطاق عملي باتجاه إنتاج الفن والتعليم. تواصلي مع الفنانين والباحثين من مختلف الثقافات، أتاح لي فرصة لتوسيع آفاقي الفنية، ودفعني إلى إعادة التفكير مرارا وتكرارا في ما يتعلق بنهجي وأسلوبي كفنان. ولقد كنت محظوظة، خلال عملي كفنانة مقيمة ومدرسة في عدد من البلدان، تمكنت من مناقشة قضايا التعليم والمناهج لصناعة الفن مع الزملاء الفنانين في مختلف السياقات المؤسسية. وأعتقد اعتقادا قويا أن العمل عبر التخصصات، الحدود الثقافية، يقدم طريقة فريدة لبناء أساس متين لمؤسسة الفنون البصرية والإنتاج والفن والتعليم. من خلال التأكيد على أهمية هذه المواد عبر البحث النظري والعملي، وأن يكون الطلاب قادرين على الكشف عن لغة بصرية خاصة بهم.
■ ما هو المشروع المقبل لسيسيليا ماندريلي؟
□ بما أنني اشعر دوما بالنقص في الحياة. لذا، هناك دوما مشروع مقبل، ومقبل، ومقبل. أنا انوي فقط أن أصبح فنانة أكثر وضوحا يوما بعد يوم، وأن أمنح حياتي كأستاذة فنون المزيد من وقتي، وبالتالي أصبح أنسانا أفضل.

آية الخوالدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هيثم حسان:

    مقابلة جميلة، وعميقة..

اشترك في قائمتنا البريدية